كلّما خطب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يندلع جدل بين المصريين على صفحات التواصل الاجتماعي، ويتبلور في هاشتاغات ساخرة. هذا الجدل غالباً ما يدور بين فريقين أحدهما مؤيد للغة الارتجالية والاستشهادات الدينية في الخطب الرئاسية والآخر يرفض الخطب الأبوية معتبراً أنها تكرّس منظومة الاستبداد.
وربما توقف كثيرون عند تصريحات السيسي خلال كلمته في مؤتمر رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة التي قال فيها: "أقسم بالله العظيم اللي هيقرب من مصر هشيله من على وش الأرض"، وتوجّه خلالها للشعب المصري بالقول: "اسمعوا كلامي أنا بس متسمعوش حد تاني. أنا لما هقابل ربنا يوم القيامة هقوله أنا خليت بالي منهم".
[br/]
فكرة المؤامرة
ورأت الباحثة بسمة عبد العزيز أن خطب السيسي تستند في مجملها إلى جذب المتلقين من خلال فكرة رئيسة مسيطرة هي فكرة المؤامرة. ولأن هذه الفكرة غير متقنة الصياغة وغير متماسكة، فإن الرئيس يمنحها قوة لتلاقي قبول المتلقّين بالاعتماد على نقطتين: الأولى هي إثارة المخاوف من تبعات المؤامرة، والثانية هي إثارة الحماسة والرغبة في التكاتف والتآزر في مواجهة القوى الخارجية التي تشترك في التآمر على مصر.
وأضافت عبد العزيز لرصيف22 أن السيسي، على مدار خطبه الفائتة، يستخدم خطاباً مشحوناً بالانفعالات ويمكن وصفه بالشعبوية، فخطابه غير مبني على أسس علمية، سواء من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون.
وأشارت إلى أن الرئيس يعتمد في خطبه على الشعبية التي اكتسبها منذ انتخابه رئيساً، وعلى فتح جسور مباشرة مع الفئات الأٌقل حظاً من المعرفة والتعليم والتي قد يمكن استمالتها عبر دغدغة مشاعرها الوطنية لا عبر المنطق والإقناع العقلي.
[br/]
قائد الثورة الدينية
يستخدم السيسي في خطبه نصوصاً دينية. وقالت صاحبة كتاب "سطوة النص" إن "الرئيس السيسي يقدّم نفسه للجماهير على أنه قائدٌ للثورة الدينية التصحيحية، لكن خطبه حول هذه المسألة تبدو فارغة وسطحية، فلا يعرف أيّ شخص حتى الآن ما هو المقصود بتجديد الخطاب الديني الذي لا يكاد خطاب للرئيس يخلو من الإشارة إليه".
وأضافت: "أظنّ أن المسألة لا تعدو كونها استغلالاً معتاداً من قبل السلطة السياسية للدين من أجل تثبيت أركان الحكم وإحكام السيطرة على المواطنين عبر توظيف النص الديني. ولنا في الفتاوى الأخيرة الصادرة عن الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف أبلغ أمثلة. فقد قالوا أن الخروج في الخامس والعشرين من يناير حرام، وهو ما بدا خطاباً سياسياً صريحاً لا يمت بصلة للدين".
وذكرت عبد العزيز أن السيسي يحاول منذ بدء ولايته "أن يرتدي ثوب الأب المنقذ عبر استخدامه للبلاغة الأبوية في خطبه". لكن الأزمة برأيها "تبرز بوضوح وتتفاقم مع كل محاولة جديدة. فخطابه يخذل أغلبية المتلقين".
ولفتت إلى أنه "في حين كان التغاضي عن بعض الهفوات الخطابية في بداية حكمه ممكناً، فإن تكرارها والتمادي فيها باتا أمراً عصياً على التجاهل، وأسفرا في ظني عن تراجع شعبيته".
وعن الخطاب الديني للسيسي، قال الباحث والناشط اليساري الدكتور عصام شعبان "إن كل الخطب السلطوية تستخدم النص لتبرير منظومة الاستبداد والاستغلال سواء أكان نصاً دينياً أو نصاً قانونياً أو مفاهيم اجتماعية وثقافية مترسخة في المجتمع".
وأكد شعبان أن "القهر بسلطة النص لا تختلف فيه النظم البوليسية والعسكرية عن النظم الدينية"، لافتاً إلى أن "هذا الأسلوب قديم ونشأ منذ أن عرفت القبائل والشعوب فكرة التنظيم الاجتماعي والسياسي فأصبحت النصوص أداة لهذا التنظيم وليس الاقناع فحسب".
واعتبر أن خطاب السيسي يمكن وصفه بأنه خطاب أبوي، وهو خطاب "تستند إليه كل النظم القمعية لقهر الفئات الأكثر تهميشاً وشلّ حركة العمال والنخب الثورية المطالبة بكسر بنية النظام، فهو ينظر للشعب على أنهم أبناؤه وهو الولي عليهم ولا بد أن يكونوا تابعين له، ويعتبر المتمردين عليه خارج سياق الاحترام وقيم العائلة".
[br/]
قاموس السيسي
وأشار الكاتب الدكتور ياسر ثابت، في حديث لرصيف22، إلى أنه "حين نسترجع خطب السيسي منذ أن كان وزيراً للدفاع حتى الآن، يمكننا رصد عدد من الكلمات المفتاحية والعبارات التي لا تخفى دلالتها على مَن يودّ فهم طريقة تفكير القيادة السياسية الجديدة، وسياساتها ورؤيتها للمستقبل".
ورأى أن السيسي ترك في قاموس المصريين مجموعة من العبارات التي صارت أقوالاً شائعة، مثل عبارة "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا" التي قالها خلال لقائه ضباط القوات المسلحة في مسرح الجلاء في 14 يوليو 2013، وتلقفها صنّاع الموسيقى والغناء وحوّلوها إلى أغنية.
ومن عبارات السيسي الشهيرة التي لفتت انتباه ثابت "إنتوا مش عارفين إنكم نور عينينا ولا إيه" التي قالها أثناء الاحتفال بذكرى انتصار حرب أكتوبر، في معرض تأكيده أن الشعب والجيش نسيج واحد، وأن كلاً منهما لا ينفصل عن الآخر. ومن أقواله الشهيرة أيضاً "قبل ما تتألموا إحنا نموت الأول"، و"ما تكسروش بخاطر مصر".
وتابع ثابت أن عبارة "ميصحش كده" كانت الأشهر عن الرئيس السيسي، و"انتشرت بسرعة الصاروخ على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى أيقونة للسخرية من بعض المواقف الحياتية". ففي أثناء معاتبته للإعلام خلال إحدى خطبه، قال السيسي: "أحد الإعلاميين طلع يقول الرئيس قاعد مع بتوع "سيمنز" وسايب إسكندرية تغرق، ميصحش كده، هذا أمر لا يليق، انتو بتعذبوني إني جيت هنا ولا إيه؟".
وفي خطابه أمام قيادات القوات المسلحة، أثناء المناورة "بدر 2014"، وتعليقـاً منه على إحدى الكوارث، قال: "لازم نعترف إننا اتهزينا. أنا لأ لأ، ليه؟ لأني المفروض إني متهزش، لأني مسؤول عنكم، مينفعش أتهز، لكن أفكركم إننا المفروض منتهزش".
وأثناء لقائه الجالية المصرية في ألمانيا، وصف الرئيس السيسي نفسه بأنه "طبيب يصف ويشخص الحالة"، قائلاً: "إوعوا تفتكروا إن حد غير المصريين ينهض بمصر. أنا ربنا خلقني طبيب أوصف وأشخص الحالة. ربنا خلقني كده".
ووسط كلمات الارتجال المعروفة عنه، وأثناء تعليقه على سياسات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تجاه مصر، قال لأعضاء الجالية المصرية في نيويورك: "وأنا صغيّر كان في ناس كبار بيضربوني.. كنت بقولهم بكره أكبر وأضربكم".
وفي تحليله لقاموس الرئيس السيسي، رأى ثابت أن لغته وجزءاً من تفكيره لا يخلوان من نزعة تديّن واضحة، مع الاعتماد في كثير من الأحيان على الحديث العفوي التلقائي و"الارتجال الذي أدخله في مطبات سياسية لا لزوم لها استدعت في بعض الحالات أعمال مونتاج قبل بث مداخلاته الرئاسية".
وأكد ثابت أن السيسي ظلّ حريصاً على استخدام النصوص الدينية مع قدر لا يستهان به من الخطاب الأبوي الذي يرتدي ثوب الحكمة وتوجيه النصائح، كأدوات إقناع وتأثير في خطبه السياسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...