الكابتاغون هي مادة منشطة على شكل حبوب، انتشر استعمالها في الشرق الأوسط، وازدادت تجارتها مع اندلاع الأزمة في سوريا. فما هي حقيقة هذه الحبة التي وصفها الإعلام العالمي بأنها أحد العناصر التي تؤجج الصراع المسلح في المنطقة؟
يقول تجار الكابتاغون في البقاع اللبناني، إن الحبوب يسهل تصنيعها في معامل "منزلية"، يتم فيها خلط المنشطات بكوكتيل من الأدوية والمواد مثل الباراسيتامول والكافيين والأسبيرين، وحتى الفياجرا أحياناً.
ورغم أن تصنيع الكابتاغون يستلزم بعض الأجهزة التقنية، إلا أن كثيراً منها يتم تهريبه إلى لبنان من سوريا. كما يمكن، بحسب أحد التجار في البقاع، إعادة تشكيل معدات صناعية، مثل أجهزة صناعة الشوكولا مثلاً، فيتم استيرادها من الصين وتعديلها لإنتاج الحبوب المخدرة.
تعتبر السعودية أكبر أسواق استيراد الكابتاغون. ووفقاً لبعض التجار اللبنانيين، يراوح سعر 200 ألف حبة (أي صندوق) من الكابتاغون في المملكة، بين 550 و600 ألف دولار. لذلك يعتبر هامش الربح، نسبةً لكلفة تصنيع المخدر الضئيلة، أحد المصادر المغرية للدخل في المناطق المهمشة من البقاع. ويتم الاستيلاء على قسم كبير من الكميات المهربة من الكابتاغون من قوى الأمن والجمارك في الدول العربية، ويقدر أن 70% من الكميات المهربة التي تصل إلى السعودية تتم مصادرتها، ما يساهم في ارتفاع سعر السلعة.
يقول التجار إن صناعة الحبوب دخلت لبنان عن طريق تجار سوريين وأتراك، وقام اللبنانيون ببعض التغييرات على المعادلة، لإضفاء "نكهة" لبنانية. قبل ذلك انتشرت صناعة الكابتاغون في المنطقة عن طريق تجار كانوا يصنعون الحبوب في بلغاريا. وكانت سوريا تعتبر محطة عبور للمنشط، بسبب محاربة النظام السوري منذ حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد للتجارة. فكانت الحبوب تنقل من لبنان إلى سوريا ثم العراق والخليج ومصر، عن طريق زبائن سعوديين وأردنيين.
استخدامها في سوريا
مع احتدام الصراع في سوريا، ازدادت نسبة تعاطي الكابتاغون من قبل المقاتلين، بالإضافة إلى انتشار مزاعم أن تنظيم الدولة الإسلامية يستفيد مادياً من تصنيع الكابتاغون وتصديره. ويقول أبو أحمد، وهو اسم مستعار لأحد المهربين في البقاع، إن أحد الزبائن من المملكة توقف عن شراء البضاعة من تجار مقربين له، بحجة أنه يستطيع الحصول عليها بكلفة أقل "من الرقة"، عاصمة التنظيم في سوريا.مدمنو الكابتاغون يشكلون 40% من نسبة مدمني المخدرات في المملكة
الحبة التي تصنع في معامل "منزلية" تدر أرباحاً هائلة، وتلعب دوراً محورياً في سوريا اليومويقول تيم رمضان، وهو الاسم الحركي لناشط ما زال مقيماً في الرقة، إن استعمال الكابتاغون انتشر بدرجة كبيرة ضمن المقاتلين في التنظيم، ما دفعه إلى إصدار فتوى تسمح لهم بتعاطيه، بحجة أنه يزيد قدرتهم على الجهاد. ويضيف أن تجارة الكابتاغون مع بداية ظهور التنظيم كانت تتم في السر، بسبب فتاوى التنظيم، التي حرمت التدخين والمخدرات عموماً. ولكن انتشار استعمالها بين المقاتلين دفعهم إلى السماح بالظاهرة منذ خمسة أشهر تقريباً عن طريق الفتوى، بحجة أن الكابتاغون يساهم في رفع تركيز وتخفيف إرهاق المقاتلين، والحد من الخوف أثناء المعارك. وباعتبار أنهم يتعاطونها بنية صادقة بهدف الدفاع عن الدين، وليس بهدف الاستمتاع والإدمان، ما أدى إلى زيادة انتشارها في المدينة، برغم أن الفتوى لم تحلل الكابتاغون لعامة الناس. وتراوح عقوبات تعاطي المخدرات أو التدخين، ما بين الجلد أو الغرامة المالية، أو الإعدام في بعض الأحيان. وقد أثر انتشار استعمال الكابتاغون على نظرة الناس العاديين للتنظيم، كونه حرم الكثير من العادات السيئة على العامة، وسمح باستعمال مواد مخدرة أو تغاضى عن انتشارها بين عناصره، ما أدى إلى استغراب البعض من كيل التنظيم بمكيالين. وكشف ناشطون في منظمة "صوت وصورة"، التي تعمل في مناطق سيطرة التنظيم في سوريا، عن حملة اعتقالات واسعة قام بها التنظيم ضد عناصره في مدينة البوكمال القريبة من الحدود العراقية في محافظة دير الزور، استهدفت أمنيين في التنظيم، عرف أنهم يتاجرون ويتعاطون حبوب الكابتاغون والمخدرات، ما اعتبرها الأهالي محاولة لحفظ ماء الوجه. ويشير رمضان إلى أن الكابتاغون في الرقة يباع بالجملة، ويصل ثمن 10 حبات بين 40 و50 دولار. وكان الكابتاغون يهرب غالباً إلى مناطق سيطرة التنظيم، عبر المعابر الحدودية مع تركيا التي كان يسيطر عليها، خصوصا تل أبيض. لكن كمية الحبوب المهربة عبر تلك المناطق تراجعت مع الهزائم المتتالية للتنظيم، ضد قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل قوات حماية الشعب الكردية الفصيل الأبرز والعنصر القيادي فيها. إذ تمكنت تلك القوات من تقليص رقعة الأرض التي يسيطر عليها التنظيم في الريف الشمالي للرقة. وكان بإمكان التنظيم قبل الاجتياح الكردي تصدير الكابتاغون عن طريق تركيا أو العراق بعد تصنيعها في معامل صغيرة بريف الرقة، إلا أن خسارة المعابر الحدودية قلصت من الكمية الموجودة، حتى أصبحت بالكاد تكفي للاستهلاك المحلي. ويجزم التجار في البقاع، وهم يؤكدون أن مقاتلي حزب الله عثروا على الكابتاغون في جيوب مقاتلين من تنظيمي الدولة وجبهة النصرة في المنطقة الحدودية، أن عناصر التنظيمات المسلحة في سوريا يستخدمون الكابتاغون. ولا يستبعدون أن تكون المنشطات مثل الكابتاغون تساعد على تسهيل اقتراف مقاتلي داعش جرائم مثل ذبح الأسرى، أو ما يسمى "القتل القريب"، حتى يتم بثه حول العالم. ولكن يستبعد رمضان، الذي يرصد انتهاكات التنظيم، أن عناصره يستعملون الكابتاغون لزيادة قدرتهم على اقتراف جرائم مروعة مثل الذبح على الفيديو، قائلاً إن التنظيم يعتمد على عناصر محددة ومدربة في إنتاجاته المرئية. أما هدوء أعصاب الضحايا في تلك الإصدارات، فتعود إلى إعادة التنظيم تصويرهم من دون قتلهم مرات عدة ليعتادوا التصوير قبل ذبحهم أمام الكاميرا.
المسألة كلها تنحصر في المال
ويقول المعنيون بالكابتاغون في لبنان، إن أسباب انتشار التجارة، خصوصاً مع اندلاع الثورة، ثم الحرب في سوريا، يرجع إلى أسباب انتشار تجارة الحشيش في البقاع، وهي الفقر والبطالة والتهميش، التي تعانيها المنطقة رغم دورها المهم كمنطقة حدودية شارك منها الكثير من الشباب مع حزب الله في معاركه إلى جانب نظام الأسد. تقول تاجرة كابتاغون: "المسألة كلها تنحصر في المال. كما يقول المثل لو كان الفقر رجلاً لقتلته". ويقول أبو أحمد، وهو مهرب سابق إن حزب الله يحاول الحد من انتشار صناعة الكابتاغون. ورغم أن أحد أسباب محاربة الحزب لهذه التجارة هو كونها محرمة دينياً، فإن السبب الأهم هو عدم السماح بظهور مافيات غنية تقارع سلطة ونفوذ الحزب في البقاع، وقد أدت هذه السياسة إلى توقيف العديد من التجار المحليين. ويعد تعاطي الكابتاغون أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات السعودية. فقد صرح الأمين العام للجنة الوطنية المعنية بمكافحة المخدرات، عبد الإله محمد الشريف، العام الماضي، أن مدمني الكابتاغون يشكلون 40% من نسبة مدمني المخدرات في المملكة. وهي النسبة الأعلى لأي مادة مخدرة. وقال الشريف آنذاك إن العوامل المؤدية إلى تعاطي الكابتاغون، تعود إلى المشاكل العائلية والفراغ العاطفي، بالإضافة إلى ضغط الأصدقاء. ويعد الشرق الأوسط المستهلك الأكبر عالمياً للكابتغون، إذ تشكل عمليات مصادرة المنشطات في المنطقة نحو ثلثي الكميات المصادرة عالمياً، والغالبية العظمى من المنشطات المصادرة في المنطقة هي على هيئة حبوب الكابتاغون، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. وكان يوري فيدوتوف، المدير العام لمكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات، قد صرح في شهر يونيو الماضي، أن تنظيم الدولة وجبهة النصرة، يسهلون تهريب المواد الكيماوية التي تستعمل في صناعة الكابتاغون. وأضاف أن المجموعات الإرهابية في المنطقة تستفيد مادياً من تجارة المواد المخدرة. كما كشفت وكالة رويترز في تقرير خاص عن الكابتاغون، أن تجارة الحبوب قد يصل عائدها المالي إلى مئات الملايين من الدولارات. وكانت الحكومة اللبنانية في شهر أوكتوبر العام الماضي، ألقت القبض على أمير سعودي بحوزته نحو 2 طن من حبوب الكابتاغون، كان ينوي نقلها على متن طائرته الخاصة من بيروت إلى الرياض. حدث ذلك قبل شهر من إعلان السلطات التركية العثور على 11 مليون حبة كابتاغون ومصادرتها، في منطقة هاتاي القريبة من الحدود السورية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...