شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عباءة السلطان أردوغان الجديدة

عباءة السلطان أردوغان الجديدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 28 يونيو 201611:16 ص
وجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرفض الأوروبي المتواصل لدخول تركيا إلى نادي القارة العجوز ضالته لإعادة توجيه البوصلة التركية نهائياً باتجاه الدول الإسلامية وعلى رأسها الواقعة في منطقة الشرق الأوسط. كيف لا وهو البارع في تحويل المحن إلى منح منذ أن حوّل دخوله السجن عام 1998 إلى رئاسة إحدى أهم دول الشرق الأوسط حالياً. ورغم أن منطقتنا لا تتردد في حرق أصابع مَن لا يتقن اللعب فيها، فإنها تظل الأسهل على السلطان الجديد من تدقيقات الأوروبيين وتعقيداتهم ومضايقاتهم، وتبقى أقل صعوبة من الخضوع لقوانينهم التي تصرّ في كل مرة على احترام الإنسان وحقوقه. فمنطقتنا ـ مع الأسف ـ لا تحتاج الزعامة فيها لأكثر من إلقاء الخطب على الطريقة العثمانية القديمة بما تحمله من عبارات دينية تدغدغ مشاعر جماهير شعوبنا، خصوصاً مع تعمق المشكلات المعقّدة التي ازدادت معها رقعة الفقر وفقدان كل أمل في التغيير والحياة الديمقراطية. ولعلّ التصريحات الأخيرة التي شدد فيها أردوغان على أن "المساواة بين الرجال والنساء أمر يتنافى مع الطبيعة، وأن أمومة المرأة يجب أن تكون لها الأولوية عند المرأة المسلمة"، تأتي في إطار ترسيخ مسار الزعامة الأردوغانية بشكل جليّ، إلا أنها ليست التصريحات الأولى التي تنبئ بتحولات هذا الرجل تجاه قيادة بلاده والمنطقة برمتها باتجاه مزيد من التعقيد، فقد سبق للسلطان الجديد أن أدلى بعبارات من قماشة أن الأكراد المتمردين كفار وأنهم زردشتيون، صاباً المزيد من الزيت على مارد الطائفية والإثنية الذي استفاق من رقاده التاريخي المزمن في منطقتنا، وغير آبهٍ بتبعات ذلك. حديث السلطان هذا، فضلاً عن أنه لا يمكن قبوله من زعيم ديبلوماسي لرئيس دولة بحجم تركيا، لا يمكن فهمه إلا من زاوية النقلة النوعية التي تنتظرها تركيا مع نيته تحويلها إلى نظام رئاسي يضع كل شيء بيده، ضارباً بعرض الحائط كل قيم الدولة المدنية العلمانية التي رسخها أتاتورك قبل نحو 93 عاماً. إذ كيف يمكن فهم كلام لرئيس دولة ديمقراطية يصنف جزءاً من شعبه بهذه التصنيفات غير المقبولة؟ ومنذ متى أصبحت الزرادشتية تهمة يجب التنصل منها؟ وهل يمكن أن تطلق كلمة كافر بهذه السهولة على مجموعة كبيرة من الأكراد لمجرد أن لديهم مشروعاً سياسياً ووطنياً لا ينسجم مع الرؤية التركية؟ ولكنّ للسلطان مشروعه بإشعال المنطقة تحت يافطة الكفر والإيمان وإعلان الحرب المقدسة. وبما أن النزعة الإسلامية قد غلبت أخيراً على الزعيم المسلم، فقد أصبحت شعوب الشرق الأوسط بنظره أمام فسطاطين، وعلى هذه الشعوب أن تختار في أي فسطاط ستكون. فأي مصير بائس ينتظر شعوب منطقتنا المثخنة أصلاً بالجراح والآلام؟ عاد السلطان إذاً ليقلّب دفاتر التاريخ، وعاد ليستحضر منها أشد العبارات تطرفاً وأكثرها عنفاً، وها هو يعدها على نار حطبه، لتكون حاضرة في المكان والزمان اللذين يختار فيهما فتح المعركة، غير آبهٍ بكل المكتسبات التي حققها المواطن التركي خلال الأعوام الماضية. فهيبة السلطان أهم من كل إنجازات الشعب التركي في مسيرته مع الدولة المدنية. والمتابع للتحولات السياسية في المشهد التركي، يرى أن نزعة السلطنة الأردوغانية بدأت منذ أن سيطرت عليه فكرة النظام الرئاسي، ولم يسلم منها حتى أقرب المقربين إليه في حزب العدالة والتنمية، رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو، وفتح المعركة على كل مَن يحاول تعطيل سير المركبة، وها هو يحاكم الصحافيين ولم يتردد في التفافه على كل أشكال التنوع في بلاده وفي حقوق القوميات والأقليات والمذاهب، ليتحول شيئاً فشيئاً إلى رمز للإقصاء والديكتاتورية، فهو يعلم جيداً أن الطريق إلى وهم السلطنة لا يمكن أن يسير على الطريقة الديمقراطية. تصريحات أردوغان الأخيرة مخيفة ليس فقط بسبب رغبته في تحويل تركيا إلى دولة مركزية يكون هو السيد الأوحد فيها، وليس فقط لأنه يمضي خطوة كبيرة نحو اضطهاد المرأة التركية ومنعها من حقوقها التي حققتها سابقاً، وليس لأنه يرغب في التدخل بين الزوج وزوجته في منع الإجهاض أو تحديد عدد الأولاد، بل لأنها تتعمد فتح جروح جديدة ستدمينا إذا ما تحولت إلى واقع، لا سيما أن أردوغان بدأ فعلياً بصبّ الزيت على نارٍ لن تبقي ولن تذر إذا ما استطار لهيبها. ففي الوقت الذي كنا نتأمل تنظيف المنطقة من داعش ومثيلاتها الإرهابية ومن نظام الأسد واستبداده، ها هو سلطان تركيا يبشرنا بأنه لم يحن الوقت بعد لاستقرار هذه المنطقة فهناك ما يستدعي توسيع رقعة الحرب إلى مستويات أخطر و أشد فتكاً. أما الخوف الأكبر فسيكون على السوريين وما تبقى من ثورتهم، لا سيما أن الكثيرين منهم سينضوون تحت عباءة أردوغان التي تدغدغ حلمهم القديم الجديد بدولة الخلافة الإسلامية، والكثيرون منهم سيكرسون جهدهم الآن لكسب رضى الخليفة المسلم، والكثير منهم سيستشهد بقصص السلف الصالح التي تؤيد وجهة نظر السلطان المسلم لا سيما المتعلقة منها بضرورة الإكثار من مواليد المسلمين واهتمام المرأة بأسرتها. فهل تعي المعارضة السورية خطورة هذا المشهد وهل تستطيع الخروج من تحت هذه العباءة ومنع نفسها من الغرق في هذا المنقلب الخطير الذي يعده سلطان تركيا، في الوقت الذي نعلم صعوبة ذلك كون جلّ هذه المعارضة يقبع في الحضن التركي منذ اندلاع الثورة وإلى الآن؟ سؤال سيبقى الجواب عنه رهناً بالقادم من الأيام، رغم أن عنوان المكتوب في منتهى الوضوح.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image