شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في مصر ابن القاضي قاضٍ وابن الفقير مُستبعد عن القضاء

في مصر ابن القاضي قاضٍ وابن الفقير مُستبعد عن القضاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 24 يونيو 201612:03 م
"مَن يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممَّن يُرفض تعيينهم، وستخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة ولن تكون قوة في مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها". هذا الحديث قاله المستشار أحمد الزند، وزير العدل المصري السابق، في أحد المؤتمرات الانتخابية بالمنوفية. "ابن عامل النظافة لا يمكن أن يكون قاضياً، ولا بد أن يكون من وسط راقٍ، وكتّر خير أبوه إنّه ربّاه وعلّمه". هذا مقتطف من حديث تلفزيوني للمستشار محفوظ صابر، وزير العدل المصري الأسبق، وهو تصريح أثار ضجة كبيرة أدت إلى إقالة الوزير من مُمنصبه.

جديد "الزحف المقدّس"

يبدو أن هذا "الزحف المقدس" لن يكفّ عن التغلغل في الهيئات القضائية في الدولة المصرية. فالتصريحات الرسمية للقضاة المصريين تنم عن عقيدة مترسخة داخل أوساطهم. منذ عدة سنوات والحديث لا ينتهي عن التوريث في القضاء المصري. لكن الأسماء الواردة في دفعتي النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة)، تؤكد وجود صلات قرابة بين عدد كبير من المعيّنين وبين القضاة أو مَن يتولّون مواقع مسؤولية في البلاد، أو ينتمون إلى عائلات كبيرة تستطيع أن تقدّم لهم الدعم للحصول على الوظيفة القضائية.

زوجة نجل السيسي وآخرون

كشفت دفعة تعيينات معاوني النيابة الإدارية الأخيرة، عن وجود كريمة الفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات الملسحة المصرية، وزوجة حسن عبد الفتاح السيسي، نجل رئيس الجمهورية، ضمن التعيينات التي أصدرها الرئيس المصري بالقرار الجمهوري رقم 177 لسنة 2016، في أبريل الماضي. حسن السيسي هو النجل الثالث لرئيس الجمهورية، ويعمل مهندساً في إحدى شركات البترول، وقد ذكر السيسي في إحدى خطبه أنه تقدم للالتحاق بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية مرتين، لكنه لم يُقبل. وداليا محمود إبراهيم محمود حجازي هي الرقم 80 في كشف الأسماء الصادر بالقرار الجمهوري المذكور. وقد أوضح مصدر قضائي رفيع المستوى في النيابة الإدارية، تحفظ على نشر اسمه، أنّها حاصلة على تقدير جيد وأنّ عمرها يقترب من الـ27 عاماً وتخرجت عام 2010. كما شملت دفعة تعيينات النيابة الإدارية تعيين شقيقتين هما كريمتا المستشار ناصف رزق الله عطية، عضو المكتب الفني للنيابة الإدارية، وهما "فاطمة الزهراء" رقم 17، و"هبة الله" رقم 148. كذلك، احتوى كشف الأسماء على أبناء المستشار محمد محمد شويتة، مدير المكتب الفني للنيابة، وهما "شريف" رقم 183، و"مروة" رقم 54. واعترف المصدر الذي تواصل معه رصيف22 بأن "هنالك توريثاً في القضاء ووساطات، ولا يستطيع أحد إنكار ذلك، لأن الإنكار يُعدّ نوعاً من دفن الرؤوس في الرمال"، لكنه عاد وأكد أن النيابة الإدارية من أقل الهيئات القضائية التي تنتهج ذلك النهج. وأشار إلى أن "النيابة تعمل على تحجيم تلك الممارسات مع مرور الوقت"، مؤكداً "أن هنالك تياراً في النيابة يرى أن الأحق بالوظيفة هو الأكفأ والأجدر وليس الأقرب أو صاحب الوساطة، لكن هذا التيار ما زال ضعيفاً وقوته ليست مؤثرة"، وأشار إلى أنّ "تلك الوظائف حسّاسة وتحتاج للكفاءات وليس المحسوبيات، كي يتسنى للنيابة أداء دورها في محاربة الفساد والتصدي له بكل قوة وبدون محاباة".

"مقبول + بيئة قضائية = امتياز"

يبدو أن سياسة الكيل بمكيالين في تعيينات الهيئات القضائية مستمرة ومترسخة، ويؤيدها تداول وثيقة هي شهادة صادرة عن كلية حقوق في جامعة عين شمس وموجهة إلى مجلس الدولة، وتفيد بأن يوسف يحيى دكروري تم تعيينه في مجلس الدولة عام 2012 بالرغم من حصوله على ليسانس الحقوق دفعة 2004 بتقدير عام مقبول. وذلك لأنه فقط نجل المستشار يحي دكروري نائب رئيس مجلس الدولة. ونُقل عن بعض القضاة البارزين آنذاك قولهم إن "تقدير مقبول زائد بيئة قضائية يساوي امتياز"، وهو ما أثار جدلاً كبيراً حول تعيينات الهيئات القضائية، وحول فساد الأسس التي يتم على أساسها التعيين، وحول محاباة أبناء القضاة والمستشارين برغم حصولهم على تقديرات أقل، في حين يُقصى حاصلون على درجات عالية فقط لأنهم من أبناء "العامة". وثار نقاش حاد حول أسس التعيين في الهيئات القضائية، بعد استبعاد 138 من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون من التعيين في النيابة العامة، عام 2014، وذلك لعدم حصول آبائهم على مؤهلات علمية عالية. وبعد ذلك، تقدم المستبعدون بعدة شكاوى إلى رئاسة الجمهورية إلا أنه لم تتم الاستجابة لهم. نصر الدين محمود، أحد المستبعدين من تلك التعيينات، أكد لرصيف22 أنهم عبارة عن مجموعة من خريجي كلية الحقوق من جامعات مختلفة، تقدموا لشغل وظيفة بالنيابة العامة، وتم إدراج اسمائهم ضمن كشوفات المقبولين، ولكنهم فوجئوا في ما بعد باستبعادهم بسبب اشتراط مجلس القضاء الأعلى حصول الوالدين على مؤهلات علمية عالية. وأكّد أنهم جميعاً من أوائل الدفعات، وأنّه لم يتم تعيينهم على الرغم من صدور حكم قضائي بذلك، في الوقت الذي يتم فيه تعيين أبناء القضاة والمستشارين بكل سلاسة وبدون تعقيدات.

تعيينات "قضايا الدولة"... نصيب الأسد من التوريث

في مايو الماضي، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً رقم 189 لسنة 2016 قضى بتعيين دفعة المندوبين المساعدين في هيئة قضايا الدولة. وبموجبه عُيّن 315 مندوباً مساعداً. وقد شملت هذه الدفعة تعيين عدد من أبناء المستشارين والقضاة أعضاء الهيئة والشخصيات العامة ونجل أحد مشايخ القبائل الكبيرة على حدود ليبيا. فقد اشتمل القرار على أبناء "شخصيات هامة". إذ يتّضح من الأسماء المدرجة في دفعة التعيينات وجود كريمة المستشار عبد الجواد هاشم فراج نائب رئيس محكمة النقض الذي عين عضواً احتياطياً في اللجنة العليا للانتخابات وسيكون عضواً في مجلس القضاء الأعلى بحلول نهاية يونيو. وجاء رقم مي عبد الجواد هاشم فراج رقم 212 في القرار الجمهورى. كما تم تعيين شروق طه زكي نبوي سكر (رقم 96) وهي ابنة شقيق المستشار علي زكي نبوي سكر رئيس الهيئة، وأخت شريف طه زكي نبوي سكر الذي عين معاوناً بالنيابة العامة بالقرار الجمهوري الصادر من الرئيس المعزول محمد حسني مبارك رقم 35 لسنة 2010، ووالدها هو طه زكي نبوي أستاذ بكلية العلوم جامعة المنصورة وشقيق رئيس الهيئة. وجاء في الرقم 42 اسم أماني أحمد عبد الونيس أباظة، أخت المستشار بهاء أحمد عبد الونيس أباظة، عضو اللجنة الإعلامية التي شكلها أحمد الزند وزير العدل السابق أثناء رئاسته لنادي القضاة، وهي في الوقت نفسه ابنة المستشار أحمد عبد الونيس أباظة رئيس محكمة جنايات الجيزة. كما جاءت "هالة" ابنة المستشار محمد إبراهيم قنصوة الرئيس بمحكمة استئناف في رقم 20 بالقرار الجمهوري. وعُيّنت "فاطمه الزهراء"، رقم 53، ابنة إسماعيل مصطفي حسانين نائب رئيس هيئة قضايا الدولة بفرع بورسعيد. وحمل رقم 43 اسم "نهلة محمد عبد العزيز عثمان" ابنة رئيس الاستئناف مدير إدارة النيابات في عهد النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود، في عهد الرئيس المعزول حسني مبارك.

محسوبيات

ولم تخلُ التعيينات من المكوّن القبلي الذي سيطر على بعض التعيينات حيث جاء في الرقم 17 في القرار الجمهوري المذكور تعيين عمران أمبيوه أبو بكر، نجل عمدة قبيلة القناشات الذي التقاه الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ فترة في اجتماعه بعمد ومشايخ القبائل البدوية في مقر قيادة المنطقة الغربية العسكرية بمدينة سيدي براني، عقب الضربة الجوية التي وجهت إلى ليبيا بعد مقتل 21 مصرياً على أيدي داعش. واشتمل القرار أيضاً على تعيين دينا عبد العال محمد عبد العال ابنة رئيس محكمة جنايات المحلة والتي حملت رقم 24، فيما جاء تعيين نورهان نجلة اللواء أحمد فتحي البرقوقي الذي كان مرشح حزب الحركة الوطنية المصرية الذي يقوده الفريق أحمد شفيق، عن دائرة دسوق وقلين بمحافظة كفر الشيخ، وجاء رقمها 51.

امتيازات مادية واجتماعية

يطرح الباحث القانوني مصطفي عصام شعث رؤية أوسع حول عملية التوريث في الهيئات القضائية. فبالرغم من أنّ مشاهداته توضح حقيقة تعيين نسبة كبيرة من أبناء القضاة وأساتذة القانون بالجامعات في الهيئات القضائية المختلفة، وعلى رأسها النيابة العامة ومجلس الدولة، إلا أنه يضع الظاهرة في إطار أكبر ويربطها بالمناخ السياسي وبمحاولات المؤسسة القضائية الاستقلال عن بيروقراطية الدولة. وأوضح شعث لرصيف22 أن عملية تعيين أبناء القضاة وأعضاء الهيئات القضائية في نفس الهيئات التي يعمل فيها الآباء أو في هيئات أخرى له عدة أبعاد. فالبعد الأول، وهو ليس الأهم بنظره، يتمثّل في الامتيازات المادية والاجتماعية التي يحظى بها أعضاء تلك الهيئات دون غيرهم من فئات الشعب. أما البعد الآخر فيتمثل في الحفاظ على استقرار بنية المؤسسة ذاتها من أيّة توجهات دخيلة عليها. وأكّد أن الصراع القضائي في مصر منذ عام 2005 كان بين تيارين كبيرين الأول هو "تيار الاستقلال" والثاني يمكن أن يصطلح عليه بـ"تيار الزند" وهو، برأيه، "تيار نفعي ليس له توجه محدد ويخدم مصالحه المباشرة فقط، وهو يسعي إلى تطييف المؤسسة القضائية في محاولة لعزلها عن الدولة من جهة وعن الشعب من جهة أخرى".

بين استقلال القضاء والاستقلال بالقضاء

"التيار الحالي المسيطر على القضاء المصري يحاول الاستقلال بالقضاء وليس استقلال القضاء" قال شعث، وأوضح أن المصالح الضيقة والامتيازات المادية تحكم عمل وتحركات أعضاء الوسط القضائي، كما أن "التيار المسيطر على تلك الهيئات يتخفى كثيراً تحت دعاوى استقلال القضاء عن سلطة الدولة ممثلة في أجهزتها التنفيذية، لكن هدفه الحقيقي هو الاستقلال بالقضاء عن سلطة الدولة". "يضمن التوريث بشقيه الثقافي والاجتماعي، إلى حد كبير، عدم كشف صراعات القضاة للرأي العام للحفاظ على بنية المؤسسات القضائية بشكلها التقليدي القديم"، بحسب شعث. فـ"عملية التوريث الممنهجة تضمن بقاء الصراعات الداخلية في الحدود الآمنة"، برأي شعث الذي يؤكد أن "الجيل الذي تربّى أباؤه على الدوران في فلك النظام لتلبية مصالحه يسعى إلى إعاة إنتاج نفس المنهج".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image