منذ 15 مارس 2011 إلى اليوم، التغطية الصحافية من سوريا مطلوبة و"مرغوبة" بسبب كثرة القيود المفروضة على حركة الصحافيين. وجدت الصحافة نفسها، بعد اندلاع الثورة، أمام بلد لا تعرف عنه شيئاً. وفي حين تتوالى عشرات التقارير كل يوم على القنوات الفضائية والصحف، لم يقف الأدب السوري مكتوف الأيدي، سواء عبر قيامه بنقل الوقائع، أو انهماكه بالفرصة التاريخية المتمثلة بالإقبال على كل ما يتعلق بالساحة السورية.
يقول دارا عبد الله في كتابه “الوحدة تدلل ضحاياها” "أي شيء يخرج من الحدث السوري يُنشر بلهفة، أهمية الحدث سياسياً تنقذ رداءة النصوص فنياً". طالب الطب دارا عبد الله عُرف مع بدايات الاحتجاجات بمقالاته الصحافية التي تسببت باعتقاله. لا يتناول كتابه “الوحدة تدلل ضحاياها” تجربة الاعتقال بشكل سرديّ، فالكتاب الذي تمّ نعته بـ"نصوص" ينقل تجارب ذات طابع نفسيّ ولا ينتظمها تسلسلٌ زمني واضح.
على عكس دارا، تظهر سمر يزبك، الكاتبة والروائية السورية، لتنحو منحى آخر. كتابها “تقاطع نيران” يحمل عنواناً فرعياً، "من يوميات الانتفاضة السورية"، وتقول يزبك إن هدف كتابته كان "شرح جوهر الثورة من خلال توثيق بدايتها عبر يوميات صحافية شخصية، تجمع التوثيقي بالتجربة الشخصية"، يوميات كتبت بعضها في تاريخها "والبعض أضيف لاحقاً، خاصة التوثيقي".
حاز الكتاب اهتماماً إعلامياً ملحوظاً بحكم شهرة الكاتبة وحصولها على جائزة هارولد بنتر Pinter، الأمر الذي يتوافق مع استفادتها من موقعها الأدبي لتضمن وصول هذا التوثيق إلى أكبر شريحة ممكنة، "اكتشفتُ أن الصورة التي استطاع النظام نقلها مشوهة، وتحتاج لردم هوة".
كتاب يزبك حصل على جائزة "الكاتب الشجاع" تحديداً، وذلك بداعي العامل السياسي، ما لا تنكره الكاتبة "لولا الوضع السياسي لم يكن الكتاب ليحظى بجائزة"، معتبرة أن هذا الكتاب ليس أهم وأفضل كتبه.
الجزء التسويقي بالمعنى الربحي لم يكن جوهرياً في كتابَي سمر يزبك ودارا عبدلله، ولكنه بالتأكيد أكثر وضوحاً في روايات الإعلامي والكاتب عبد الله المكسور "سيكون نصف ثمنها في المعرض (أبو ظبي) عائداً للمنظمة السورية للإغاثة"، فبعد نفاذ الطبعة الأولى من رواية “أيام في بابا عمرو” في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2012، ومع اقتراب معرض الرياض (آذار 2013)، عقدت دار فضاءات الأردنية اتفاقاً مع تنسيقية المغتربين السوريين يقضي بذهاب نصف ريع الطبعة الثانية لإغاثة مدن الداخل السوري، والتي نفذت أيضاً.
"مما لاشك فيه أن الإعلان عن هذه المبادرة ساهم بشكل كبير في سرعة نفاذ الطبعة الثانية من الرواية، لتحقق أرقاماً قياسية خلال عامها الأول" يقول عبدالله المكسور.
لكن، الملفت للنظر هو أن كاتب “أيام في بابا عمرو” وجزئه الثاني “عائد إلى حلب” الصادر مؤخراً عن دار فضاءات، مقيم في الإمارات العربية المتحدة قبل آذار 2011، ولم تعرف له أيّة زيارات إلى بابا عمرو أو حلب، أو سوريا عموماً منذ ذلك الحين، كما أن رصيده الذي بدأ بالتشكل عام 2011 يضم أربع روايات ذات أبعاد سياسية، إضافة لرواية خامسة "في المطبعة الآن وتحمل اسم زوربا العربي"!
يرجع المكسور هذه الغزارة إلى "حبّ الكتابة حدّ العشق"، ولكنها بالتأكيد تطرح تساؤلاً حول القدرة على توزيع وتسويق أربعة كتب لمؤلف واحد خلال ثلاث سنوات فقط.
“لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، الصادرة عن دار العين - مصر، والآداب - لبنان، لم تكن الوقفة الراوئية الأدبية الأولى لخالد خليفة في وجه سنوات الحكم البعثي التي عايشها، فروايته السابقة “مديح الكراهية” عادت إلى الواجهة مع إقبال السوريين على قراءة الأدب السياسي السوري الغائب عن مكتباتهم لعشرات السنين. وخليفة، الفائز بجائزة نجيب محفوظ والمرشح للبوكر العربية في قائمتها الطويلة، يرفض أي علاقة بين روايته الأخيرة والحاضر السوري القريب، فالعمل على الرواية بدأ في صيف 2007 ضمن برنامج للكتابة في جامعة آيوا Iowa الأمريكية، وانتهى قبل آذار 2011 "وأنا عموماً لا أكتب تحت ضغط حدث يومي، حتى لو كان عظيماً ومأساوياً كالثورة السورية".
لم يصدر أي قرار رسمي في سوريا بخصوص منع أو السماح برواية “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، كما ينفي خليفة - المعتقل سابقاً - تعرضه لضغوط بسبب روايته الجديدة "لم أتعرض إلى أي مضايقات قياساً لما تعرض له الناس في كل المدن السورية وخاصة المدن المحاصرة"، واصفاً منع روايته مديح الكراهية بالشيء الذي "لا يستحق الذكر".
الجانب السياسي بتفرعاته الحديثة هو الغالب على الكتب حديثة النشر المتعلقة بسوريا، وما يزال الوقت مبكراً على تقييمها بإنصاف في ظل الحرب الدائرة، وما تحمله من ضغوط عاطفية على الكاتب والقارئ معاً. فالكاتب سيجد نفسه مضطراً، ولو ضمنياً، إلى أن يتخذ موقفاً مجاملاً لأحد الطرفين، الذي سيكون بدوره جاهزاً لمهمة ترويج هذا المنتج الأدبي كجزء من خطابه.
ربما علينا أن ننتظر ملفاً آخر عدا المأساة السورية على نشرات الأخبار حتى نتمكن من إلقاء نظرة غير متحيزة، ولكن هذه الكتب وسواها ستشكل، على تفاوت جودتها، جزءاً هاماً من توثيق يوميات أعنف صراع في تاريخ سوريا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...