"لقد نلت نصيبي من ردود الأفعال الصعبة لأنني إماراتية، وأرقص الباليه. ولكنني أحترم الذين يفهمونني، والذين لا يفعلون. كيف تلوم أحدهم إذا لم يكن يفهم أو يعرف فعلاً ما أقوم به؟ بعد هذه الانتقادات، نلت الكثير من ردود الأفعال الإيجابية، وطلبت مني إماراتيات أن أشجع بناتهن". هكذا تصف عليا النيادي، أول راقصة باليه إماراتية، مشوارها الفني والتحديات التي واجهتها كونها امرأة وإماراتية.
قالت عليا: "مثل كل شيء في الحياة، لا بد من التحلي بالصبر لتثقيف الناس على أي جديد. نواجه التحديات في كل المجالات وليس في رقص الباليه فحسب. ولا بد أن نتعلّم كيفية تخطيها والمضي قدماً. أظن أن كل ما هو جديد غير مقبول، وكانت فكرة الباليه، قبل سنوات، غريبة على الناس. ولكن إذا نظرنا اليوم، نجد أنه يتم تنظيم كل شهر عرض باليه لكبار الفنانين، والناس يحضرونه".
لكن التحدي الأكبر بالنسبة إليها كان اتخاذها قراراً أن تصبح راقصة باليه محترفة. تملك هذه الموهبة منذ صغرها، هي التي ولدت في نيو أورلينز في الولايات المتحدة، من أم أوكرانية وأب إماراتي. تضيف: "كانت والدتي، وهي راقصة باليه أيضاً، تدرب مجموعة من الفتيات الصغيرات، وأتذكر أنني كنت أحضر كل صفوفها، وأنا في عربة الأطفال. وحين بدأت المشي، شجعتني، فتقدمت إلى الصف الأمامي وبدأت أؤدي الحركات التي كانت تعلّمها. يمكنكم القول إن والدتي كانت مصدر إلهامي، لكنها تؤمن أنني مُنحت هذه الموهبة لسبب ما، وهذا أمر خارج سيطرتي".
وتشير عليا إلى أن الموهبة يجب أن تصقل بالتدريبات الصارمة، وتتابع: "منذ صغري وحتى تخرجي من الثانوية، كنت أتدربّ يومياً ساعتين من الوقت مع فريقي. ولكن، عندما كبرنا وارتادت كل منا جامعات في أماكن مختلفة، بات من الصعب علينا أن نتدرب. بقينا ملتزمات بالفرقة بقدر المستطاع، وكل الأعضاء يحضرون قبل شهر من أي عرض للتحضير والتدريب. نتدرب 5 ساعات على الأقل، وأحياناً أكثر. الأمر صعب، لكنه ينعكس على خشبة المسرح".
اختلفت حياة عليا تماماً، هي اليوم في الـ22 من عمرها، وتولي أهمية كبيرة لرقص الباليه، لكنها لم تنسَ تحصيلها العلمي. تنتظر تخرجها بعد شهر من جامعة زايد في أبو ظبي، بتخصص الثقافة والمجتمع، وتنهي تدريبها في هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في القسم الثقافي، برنامج الفنون وتحديداً الفنون التعبيرية.
هي لم تختر أن تتخصص برقص الباليه، وتوضح: "هذا التخصص غير موجود في الإمارات". لكن تخصصها يبقى في مضمار الفن. وتضيف أنه يعكس ذهولها بالثقافة الإماراتية الغنية، وجمال الفنون العريقة والقديمة. مشيرةً إلى أن الفنون التعبيرية باتت جزءاً مهماً من الساحة الفنية والثقافية الإماراتية. فنجد حي السعديات الثقافي وقصر الحصن، التي تنظم العديد من الفعاليات، حول مختلف أشكال الفن الغربي أو العربي. وتضيف: "مجتمعنا يتعرض للعديد من الثقافات المختلفة ولا نستطيع أن ننسى ثقافتنا. فالفكرة تكمن في تحديث ثقافتنا لا تغريبها".
إنجازات متعددة
تعتبر النيادي أن أبرز إنجاز لها، بغض النظر عن الجوائز والألقاب، هو تطورها كفرد، لأن التجارب في الحياة علّمتها الكثير، وساعدتها على أن تكون ما هي عليه.
وتذكر أن الجائزة الأحب إلى قلبها، هي جائزة Gr8 influential Mother and daughter، التي حصلت عليها مع والدتها، لأن "والدتي مهمة جداً بالنسبة لي، وأنا محظوظة أن أشاركها في لحظة مماثلة".
ومن إنجازاتها الكثيرة: "امرأة العام العربية" من لوريال لعام 2010-2011. تقول: "حينها، كنت في الـ16 من العمر، وأن أحصل على هذا اللقب فهذا شرف كبير لي ولحظة لا تُنسى". كما تضيف أنها حصلت عام 2015 على جائزة من الشيخ محمد بن خليفة بن محمد بن خالد آل نهيان كـ"صانع الأجيال". وتزيد: "حصلت على العديد من الجوائز الأخرى على الصعيد الدولي وفي كل أنحاء العالم. فأنا شاركت في أكثر من 30 عرضاً في الإمارات، واستضفت برنامجاً لجمع الأموال من أجل تشييد مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة".
لم تكن والدتها مصدر إلهام فقط لها، فهي راقصة باليه محترفة، حملت أحلامها وتجاربها إلى الإمارات، عندما انتقلت وعائلتها. وأسست في أبو ظبي، "مركز فانتازيا للباليه". سفيتلانا النيادي، التي تبادلنا معها عدداً من الرسائل الإلكترونية، بدت لطيفة وشغوفة برقص الباليه، ومنشغلة كثيراً بتحضير العروض والسفر لتأدية الصفوف في الولايات المتحدة.
كانت سفيتلانا، عند انتقالها إلى أبو ظبي عام 1996، تعلم أول صفوف رقص الباليه في المؤسسة الثقافية، وكان لديها أول ثلاثة أشهر 5 طالبات ليصبحن 30 بعدها. واظبت على تعليم طالبات رقص الباليه، إلى أن افتتحت عام 1998 مركزها الخاص، وحملت فرقتها إلى تأدية العروض على الصعيد المحلي، ومشاركات، هي الأولى من نوعها لفرقة باليه إماراتية، في عروض ومنافسات دولية.
تواصل سفيتلانا حتى اليوم تعليم وتخريج أجيال من راقصات الباليه من مختلف الجنسيات والأعمار. وأشارت إلى أن 90% من الراقصات هن من جنسيات عربية بما فيها الإماراتية. وقد سلطت الضوء على الإمارات، وتحديداً فن الباليه، الذي خصصت له حياتها، وتريد أن يكون جزءاً مهماً من الثقافة الإماراتية.
وكانت عليا تلميذتها حتى أصبحت أول راقصة باليه إماراتية في أبو ظبي. لكن عليا، كونها أول راقصة باليه إماراتية، ترى أن ذلك يحتّم عليها الكثير من المسؤوليات. وتقول: "أشعر أن فكرة الباليه تنمو في الإمارات وتساعدني على فهم نظرة الناس لها، ومعاً نستطيع تثقيف بعضنا بعضاً".
وتضيف: "الباليه جزء لا يتجزأ من حياتي. قلت في السابق إن عرض شهر أبريل الماضي سيكون الأخير لي؟ من يعلم. عليكم أن تنتظروا وتروا". لن تكشف لنا النيادي عن مشاريعها المستقبلية، لكنها توجهت إلى كل من يملك حلماً قائلة: "متى تريد شيئاً ما، لا بد من استكشافه. ولا شك أن الباليه نشاط رائع ولا بد لأي فتاة أن تجربه لأنه جميل ومسلٍ ومثمر. ولكن، مهما قررتم أن تفعلوا، تذكروا أن شخصاً قد سبقكم وقام بالمستحيل ليمنحكم فرصاً وخيارات لا حدود لها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.