في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، أو كما يطلق عليها أيام "عاشوراء"، تشهد غالبية قرى ومناطق البحرين حراكاً غير طبيعي يبلغ أوجه عشية ويوم العاشر من محرم، ذكرى مقتل الإمام الثالث لدى الشيعة الإثني عشرية، الحسين بن علي ابن أبي طالب، حفيد الرسول محمد.
يتمحور هذا الحراك حول إحياء ذكرى مقتل الإمام ومن كان معه من أهل بيته، عبر مواكب العزاء، والمواعظ، وإعداد الأطعمة وتوزيعها على المعزين والمشاركين، وكذلك انتعاش الشعر الحسيني والخطابة الحسينية وغيرها من الفعاليات.
زائر المنامة- قلب هذه الفعاليات- يرى الجدران متشحة بالسواد، ويسمع أصوات العزاء، والأناشيد والمواعظ الحسينية التي تملأ المكان. الآلاف تشارك في المراسيم، تلطم صدورها، تضرب ظهورها بالسلاسل، وتمارس حياة اجتماعية تعاد كل عام في مثل هذا الوقت.
السيد محمد، الخمسيني الذي يدير أحد المضائف، قال لرصيف22: "نتلقى التبرعات من أهل الخير، ومن محبّي الحسين، ونصرفها على شراء المأكولات والمشروبات التي نشتريها جاهزة أو نشتري مكوناتها ونعدّها في المضيف، وكلنا نعمل فيه متطوعين".
يلفت السيد محمد إلى أن المضيف يصرف ما يقارب الـ500 دينار يومياً (1320 دولاراً أمريكياً)، أي ما مقداره 5000 دينار (13,200 دولار أمريكي) خلال الأيام العشرة، لتقديم وجبة الإفطار الخفيف، ووجبة العشاء لكل زوار المنامة من المعزّين من مختلف الأجناس والأطياف..
أما عبد الحسين من مضيف بنات الحسين، الذي يبعد عن الأول حوالى الـ100 متر، فقال: "إن المضيف يصرف نحو 150 ديناراً يومياً، إذ إننا نعدّ الأطعمة كلها في المضيف، ولا نشتري أطعمة جاهزة، وهذا ما يجعل التكلفة أقل".
وكان مصدر مسؤول في إدارة الأوقاف الجعفرية قد أعلن قبل 9 سنوات أن مصاريف عشرة محرم لجميع المآتم والروضات الحسينية في المملكة تقدر بـ600,000 دينار (مليون و590 ألف دولار).
ليست الأطعمة والمضيفات السوق الوحيدة التي تنتعش خلال موسم عاشوراء، فهناك الملالي (علماء الدين) الذين يلقون المواعظ في مجالس العزاء والرواديد الذين يرددون الأناشيد والأشعار في مواكب اللطم التي تجوب العاصمة.
يقول سيد جمال الذي يشرف على إحدى الحسينيات (أماكن إقامة مآتم العزاء على الحسين وآل بيته): "يتقاضى الملا مبلغاً يراوح بين 1000 و2500 دينار(أي بين 2645 و6613 دولاراً أمريكياً) عن الأيام العشرة، وأغلبهم يرتبطون مع أكثر من حسينية، فيقرأ الملا موعظة وقصة الحسين في حسينية أول المساء وقد يتنقل بين حسينيتين أو أكثر في الليلة الواحدة، فيخرج من الموسم بما قدره 7000 إلى 10,000 دينار (18,518 إلى 26,455 دولاراً أمريكياً)، غير أن هذا الأجر يختلف حسب شهرة الملا وصوته وقدرته وتمكنه من الخطابة الحسينية".
وقال عادل (أبو أحمد) الذي يدير إحدى الحسينيات في منطقة عالي "أن أجرة الملا تراوح بين الـ1000 و1500 دينار (2645 و3968 دولاراً أمريكياً) عن الليالي العشر.
السيدات اللواتي يزاولن هذه المهنة يتقاضون أجوراً أقلّ، فيراوح أجر الواحدة منهن في الليلة بين 10 دنانير و300 دينار (بين 26 و793 دولاراً أمريكياً).
أما الرواديد، فإن غالبيتهم يلقون الأشعار والرثاء مجاناً خلال المراسيم، إلا أنهم ينتجون الألبومات بمبلغ يراوح بين 500 و1000 دينار (1322 و2645 دولاراً أمريكياً) للإصدار الواحد، كل حسب صوته وإتقانه وشهرته. يصل مبلغ إصدارات الرواديد المشهورين "العراقيين" على سبيل المثال إلى 10,000 دينار (26,450 دولاراً أمريكياً) للإصدار الواحد. كما أن الرواديد الذين يتخذون من إلقاء الأشعار والمراثي مهنة، يتقاضون مبلغاً يراوح بين 50 و100 دينار (132 و264 دولاراً أمريكياً) في الليلة الواحدة.
ومنذ الأسابيع القليلة التي تسبق الشهر الأول من السنة الهجرية، تتحول متاجر بيع الملابس والأقمشة متاجر لبيع السواد في معظم المناطق، وتلقى إقبالاً كبيراً من الرجال والنساء والصغار. محمد علي صاحب أحد المتاجر قال: "الجميع يشتري الأسود استعداداً لشهر محرم، والبعض يشتري في الرابع أو الخامس من محرم ليلحق بمواكب العزاء ويشارك في المراسيم. لاحظنا أن بعض الأجانب من المقيمين يقبلون على السواد لكي لا يكونوا مختلفين".
يقول علي حسين، وهو صاحب محال لبيع التسجيلات والأعلام الحسينية والأكسسوارات في قلب المنامة: "أكثر ما يباع خلال موسم محرم هو السواد (القماش الأسود الذي تُغطى به الجدران والأعلام) إذ إن جميع القرى والمناطق ذات الأغلبية الشيعية والعاصمة المنامة تتشح بالسواد، ويأتي في المرتبة الثانية بيع التسجيلات الصوتية للرواديد والملالي، والتي ننتجها هنا في المحل، ثم الأعلام والأكسسوارات".
تراوح أسعار الأعلام بين 300 فلس (0.80 سنتاً أمريكياً) للصغير و8 دنانير (21 دولاراً أمريكياً)، فيما الأكسسوارات التي يرتديها الأطفال والشباب في أيديهم أو حول أعناقهم أو حتى العصابات التي يعقدونها حول جباههم فتراوح أسعارها بين الـ100 فلس (0.30 سنتاً أمريكياً) و3 دنانير (8 دولارات)، كما يراوح سعر الأقراص المدمجة للرواديد بين 1.5 دينار (4 دولارات) إلى 2.5 دينار (7 دولارات).
يقول حسين: "في الأيام العادية يراوح دخل المحل يومياً بين 80 و90 ديناراً (212 و238 دولاراً)، أما في موسم عاشوراء فيصل إلى 1800 دينار يومياً (4761 دولاراً أمريكياً)".
وفيما تنتعش بعض القطاعات خلال موسم عاشوراء، فإن قطاعات أخرى يصيبها الركود، كصالات الأعراس والمناسبات، إذ ترجأ أغلبية الاحتفالات إلى ما بعد شهر صفر، كذلك يضؤل الإقبال على صالونات التجميل النسائية، وعلى بعض القطاعات غير المعنية مباشرة بالمناسبة، كقطاع العقارات الذي يشهد ركوداً ملحوظاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه