يروي "ياسمينة خضرا" في روايته الجديدة "ليلة الريّس الأخيرة" تفاصيل الليلة الأخيرة من حياة الرئيس الليبي السابق "معمر القذافي"، قبل أن يقع في أيدي الثوار.
تجري أحداث الرواية في مدينة سرت ليلة 19/20 أكتوبر 2011، حيث القذافي مختبئ مع مجموعة من رجاله الأوفياء في قبو إحدى المدارس المهجورة، منتظراً قدوم ابنه المعتصم لينقله إلى مكان أكثر أماناً في جنوب البلاد. ورغم كل ما يحيط به من مخاطر، ورغم أصوات القذائف والانفجارات التي تدوي قريباً، فإن الأخ القائد لا يزال يعتقد أن النصر قادم، وأنه سيتمكن من القضاء على جميع المتمردين، "ليقذفوني بصواريخهم جميعها، فلن أرى فيها سوى ألعاب نارية احتفاءً بي. ليدكّوا الجبال، فلن ألمح في ركامها سوى صخب صيحات الجماهير الهادرة حولي. ليطلقوا على ملائكتي الحارسة كل شياطينهم القديمة، فما من قوة شريرة ستثنيني عن رسالتي. فقد كان مكتوباً، حتى قبل أن تستقبلني قرية قصر أبو هادي بين أحضانها، أنني سأكون ذلك الذي سيثأر للإساءات في حق الشعوب المضطهدة عبر إخضاع الشيطان وأتباعه".
يقضي القذافي تلك الليلة الطويلة في التجول بين رجاله الذين بقوا معه، بعد أن فرّ من فرّ منهم، وقتل البعض الآخر، ومن أولئك الباقين كان وزير دفاعه "أبو بكر" الذي كان قبل أسبوع واحد يضرب بقبضته على الطاولة متوعداً أنه سيمحو عصابة "المتوحشين" في لمحة عين، في حين أنه الآن يبدو متوتراً يشك في كل شيء، وأما "منصور ضو" قائد الحرس الشعبي، فإنه يبدو منهاراً تماماً، وما إن يسأله القائد: "هل أخطأتُ في حق شعبي؟" حتى ينفجر ويتجرأ للمرة الأولى في حياته على كشف الحقيقة كلها أمام وجهه، فيبدأ بذكر أخطاء القذافي، تلك التي ارتكبها خلال فترة حكمه، ليخلص إلى النتيجة: "المجازر والتخريب في الخارج ليست نتيجة سحر أسود ألقي علينا، بل نتيجة هذياننا وشططنا".
تلك المواجهة ستصدم ملك ملوك إفريقيا، كيف لا وهو الذي لم يلق معارضة يوماً، ولا اعتاد أن يقول له أحد ما يوماً أنه لا يسير على الطريق الصحيح، ولم يتوقع في أي لحظة أن يتجرأ أحد على نقد قراراته، وهو الذي يعتبر نفسه أنه بنى ليبيا وجعل منها جنة على الأرض.
يصوّر الروائي جنون العظمة لدى القذافي، وكيف أنه كان يعتبر نفسه أسطورةً متجسدة في رجل، كل ما يفعله هو الحقيقة والصواب، وكل ما يقوله هو الحكمة. وهو وحده من صنع المجد، وحقق النصر، وأقام الجمهورية وحقق العدالة بعد أن انقلب على الملك واستولى على الحكم، "أنا فقط، أبو الثورة، والابن المبارك لعشيرة الغوص القادم من صحرائه ليزرع الطمأنينة في القلوب والأفكار. كنت موسى المنحدر من الجبل، والكتاب الأخضر في يدي بدل لوح الشرائع. كان كل شيء يعلن نجاحي. أنصار الوطنية العربية كانوا يمجدونني بأعلى أصواتهم، قادة العالم الثالث كنت أعلفهم بيدي، رؤساء أفارقة يردون نبع شفتيّ، المتدرجون على طريق الثورة كانوا يقبلون جبيني لينتشوا. جميع أبناء العالم الحر كانوا يطالبون بي. من تراه لا يمجد خالع الملوك وصياد النسور، بدوي فزان المقدسة؟".
يلجأ الكاتب إلى تقنية التذكّر ليسرد بعضاً من ذكريات طفولة القائد وشبابه، فنراه في ليلته الأخيرة يتذكر طفولته التي عاشها فقيراً، ويتذكر سخرية الآخرين منه، ومناداتهم إياه "ابن الزنا"، فوالده مجهول وقد تعددت الروايات حوله، كما يتذكر فترة دراسته وذهابه إلى بريطانيا، وغيرها من الأمور والأحداث التي أثّرت فيه، والأشخاص الذين كان لهم تأثير في حياته كوالدته، وخاله، و"فان غوغ" الفنان العالمي الذي رافقه منذ سنوات الدراسة الثانوية، وكان يزوره في أحلامه كثيراً مطلقاً نبوءاته وتحذيراته. وبهذه الذكريات يضيء الكاتب على الجانب الإنساني في شخصية القذافي، وعلى بعض أوهامه وأفكاره ومعتقداته.
ياسمينة خضرا روائي جزائري من مواليد 1955. اسمه الحقيقي "محمد مولسهول". كان ضابطاً في الجيش الجزائري قبل أن يتفرغ للكتابة عام 2000. يقيم في فرنسا، ويكتب رواياته باللغة الفرنسية، وقد حصل على عدد من الجوائز من أبرزها جائزة الآداب "هنري غال" التي منحته إياها الأكاديمية الفرنسية 2011. ترجمت رواياته إلى أكثر من 42 لغة، ومن هذه الروايات: "سنونوات كابول"، "الصدمة"، "خرفان المولى"، "القريبة كاف"، "أشباح الجحيم"، "مكر الكلمات”.
ترجمة: أنطوان سركيس
الناشر: دار الساقي/ بيروت
عدد الصفحات: 190
الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية على موقع "دار الساقي" أو موقع "نيل وفرات"
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين