شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ليست القضية أنهم كانوا يشعروننا أننا عبيد، لقد كنا فعلاً عبيداً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 2 يونيو 201610:25 ص
"ليست القضية أنهم كانوا يشعروننا أننا عبيد، لقد كنا فعلاً عبيداً". هكذا تصف راما الأشهر التسعة التي قضتها في أكبر شبكة للاتجار بالبشر يتم اكتشافها في لبنان، والتي قبض على بعض أفرادها في أبريل الماضي في منطقة المعاملتين القريبة من مدينة جونيه. الشبكة التي أرغمت نحو 75 امرأة سورية على ممارسة الدعارة لأربع سنوات. القضية التي صدمت اللبنانيين، وكشفت عن الخلل الموجود في قوانين الاتجار بالبشر في لبنان، وإمكانية مكافحة الظاهرة مع اشتداد الأزمة السورية، والاستغلال الذي يواجهه النازحون، الذين وصل عددهم إلى أكثر من مليون سوري، والنساء خصوصاً.

تفاصيل الشبكة

أصدر القضاء اللبناني قراراً اتهامياً في حق المتهمين في هذه القضية، كشف عمل الشبكة، والحياة ضمنها. بالإضافة إلى مقابلات أجريت مع مسؤول مطلع على نتائج التحقيق، ومع راما، الاسم المستعار لإحدى الفتيات اللواتي احتجزن ضمن الشبكة. يذكر القرار الاتهامي أسماء 23 شخصاً متهمين في القضية. والتهم: إنشاء شبكة للاتجار بالبشر، والتعذيب الجسدي والنفسي، واحتجاز الفتيات وإرغامهن على ممارسة الدعارة. ومن المتهمين علي الحسن، الذي يقول مسؤول أمني إن التحقيقات أشارت إلى كونه رأس الشبكة، وعماد الريحاوي، وهو المنفذ على الأرض، أو الجلاد. يقول مصدر أمني إن الريحاوي كان محققاً سابقاً في المخابرات الجوية السورية. وأحد مقارّ الشبكة منزل من طابقين يدعى شي موريس، ليس بعيداً عن الطريق البحري في المعاملتين. كان الريحاوي يراقب الفتيات، ويعذبهن إذا لزم الأمر، بضربهم بكابل أو عصا كهربائية، خصوصاً إذا اشتكين من بعض تصرفات الزبائن، أو إذا لم يحصلن على إكراميات كافية، أو إذا لم يتجملن بالقدر الكافي. تقول راما إن الريحاوي كان يصلب الفتيات على طاولة في البيت، ويضربهن على أرجلهن، حتى إذا فقدن الوعي يصعقهن بالعصا الكهربائية. كانت الفتيات يرغمن على ممارسة الجنس بمعدل عشر مرات يومياً، وقد يزيد في أيام العطل الرسمية. ويأخذ القائمون على الشبكة كل الأموال التي يعطيها الزبائن إلى الفتيات، التي تراوح بين 30 و50 دولاراً في الساعة. كن يعملن ساعات طويلة، فالمنزل كان يستقبل الزبائن بين الساعة التاسعة صباحاً والسادسة من فجر اليوم التالي، وتنام الفتيات حيث يعملن. عاشت النساء في شي موريس في سجن حقيقي. شبابيك المبنى مطلية بدهان أسود، يحجب دخول أشعة الشمس، والشبابيك لها قضبان كقضبان السجون. وكن ممنوعات من مغادرة البيت إلا لثلاثة أسباب: العلاج من الأمراض الجنسية بسبب ممارسة الجنس بدون واقٍ، العلاج من الأمراض الجلدية الناتجة عن عدم تعرضهم للشمس لمدة أشهر، أو لعمليات الإجهاض. يقول المسؤولون إن عمليات الإجهاض كانت تتم في عيادة في منطقة الدكوانة، عند طبيب يدعى رياض بولس، وهو معروف في المنطقة. قام بولس، بحسب المطلعين على التحقيق، بنحو 200 عملية إجهاض خلال 4 سنوات، ويتقاضى بين 200 و300 دولار على العملية. وتقول راما إن الريحاوي كان غالباً ينتظر حتى تبلغ الفتاة الشهر السادس قبل أن يأخذها لعيادة بولس، ولا تمكث سوى بضعة أيام قبل إجبارها على العودة إلى العمل. تشير التحقيقات إلى أن الشبكة كانت تستهدف الفتيات في سوريا عن طريق عملاء يختارون الفتاة غالباً بسبب وضعها الاجتماعي، لغياب الأهل الذين قتلوا أثناء الحرب، أو تفرقوا بسبب النزوح داخل الأراضي السورية. ثم يعرض العميل على الفتاة العمل في مطعم أو مقهى في لبنان بمقابل مادي مريح. يأخذ الموافقة من الشبكة بعد إرسال صورها، ثم يأتي بها إلى لبنان، أحياناً عن طريق التهريب، ثم يتركها عند الشبكة ويتقاضى أجر بيعها، الذي يراوح بين 1000 و1500 دولار أميركي. وتذكر راما أنها كانت تعمل في مقهى في الساحل السوري حين عرض عليها العميل عملاً في مطعم في بيروت، وعندما أحضرها إلى الريحاوي، أخبرها أنها ستعمل في مجال الدعارة، لكنها رفضت فضربها حتى استسلمت. وتقول إن أكثر الوقائع التي شهدتها وآلمتها بشدة، أن الريحاوي كان يضع المنشفة التي في أرض المرحاض في فمها عند ضربها حتى لا يسمع صراخها. وتضيف أن اللاآدمية التي شهدتها الفتيات اللواتي تراوح أعمارهن بين الـ18 و35 عاماً، أدت إلى فقدانها الإيمان بالله، وكان الريحاوي يهزأ منها حين تستغيث بالله أثناء التعذيب، ويقول لها إنها "عاهرة لن ينجيها الله". لا يزال المتهم علي حسن فاراً من العدالة، وطالبت السلطات القضائية من الحكومة السورية إلقاء القبض عليه وترحيله إلى لبنان، إذا ثبت أنه عاد إلى سوريا بعد مداهمة الأمن الداخلي مقر الشبكة. أما عماد الريحاوي، فقد سلم نفسه مباشرة على الهواء، بعد مداخلة قام بها في أحد البرامج اللبنانية.

كيف سقطت الشبكة

تروي راما قصة هروبها مع ثلة من الفتيات من شي موريس، يوم الجمعة العظيمة. فالبيت لا يستقبل الزوار في ذلك اليوم، ويوجد عدد قليل من الحارسات داخل البيت، بينما يحرس الرجال مخارج المبنى، وغالبيتهم سوريون. في ذلك اليوم، قررت مجموعة من 8 فتيات، من ضمنهم راما، الهروب، وأعطوا حبوباً منومة للمشرفة، لكنها لم تتأثر، بسبب تعاطيها الحشيش. فقامت الفتيات بضربها وهربن من الباب الخلفي، بينما بقيت 3 فتيات لإلهاء المشرفات الأخريات. تقول راما إنها كانت بالكاد ترى بعد خروجها، بسبب عدم تعودها رؤية الشمس، لكنها وجدت سيارة أجرة أخذتها هي و3 من الفتيات إلى منطقة الشويفات، على مشارف الضاحية الجنوبية في بيروت. وعند سماع السائق لقصتهن، أخذهن إلى مكتب لحزب الله في المنطقة. فاتصل مسؤولو الحزب بقوات الأمن الداخلي، الذين استجوبوا الفتيات، ثم دهموا البيت وألقوا القبض على الشبكة. لكن قوى الأمن اللبنانية واجهت الكثير من الانتقادات عن كيفية استمرار شبكة ضخمة مثل هذه الشبكة واستمرارها 4 سنوات من دون اكتشافها. خصوصاً أن المعاملتين مشهورة بنواديها الليلة، وبانتشار بيوت الدعارة فيها.

القانون اللبناني

صادق مجلس النواب اللبناني على قانون لمكافحة الاتجار بالبشر عام 2011، لكن تلك الخطوة جاءت على عجل بسبب ضغط وزارة الخارجية الأمريكية. فعدم وجود قانون خاص بمكافحة الظاهرة، كان سيؤدي إلى تخفيض تصنيف لبنان من قبل لجنة الأمم المتحدة المختصة بمجال الاتجار بالبشر، ما كان سيؤدي إلى انقطاع المساعدات المالية الأمريكية. وحين صدر القانون، تمت تسمية فصيل شرطة الآداب في قوى الأمن الداخلي إلى فريق مكافحة الاتجار بالبشر والآداب، وجرى تدريب بعض العناصر على كيفية التعرف على الجرم ومعاملة ضحاياه. لكن النظم القانونية اللبنانية لمكافحة الاتجار بالبشر، والذي يؤكد المسؤولون أنه تفاقم مع ازدياد الصراع في سوريا، فيها نقاط ضعف عدة. أبرزها، تناقض القانون مع قانون الدعارة. فمادة الدعارة في قانون الجنايات، تساوي بين المرأة الضحية وقواد الشبكة في الجرم، وغالباً يتم إطلاق سراح المتهمين في قضايا الدعارة في لبنان بعد شهر أو شهرين من القبض عليهم. بينما قانون الاتجار بالبشر تراوح العقوبة فيه بين 5 و15 سنة، وتعتبر فيه المرأة ضحية. المشكلة في تناقض القانونين، هي في غياب التوعية حول الاتجار بالبشر، وإمكانية الاحتكام إلى قانون الدعارة في قضايا الاتجار بالبشر، ما يظلم الضحية. وبالرغم من أن قوى الأمن الداخلي قبضت على العديد من المتهمين بالاتجار في السنوات الماضية، لكن ناشطين حقوقيين يؤكدون أن القضاء اللبناني لم يصدر أحكاماً ضد أشخاص بتهمة الاتجار والعبودية الجنسية منذ إصدار القانون. وقد تكون قضية المعاملتين أولى القضايا التي يصدر فيها حكم من هذا القبيل. كما يضع القانون إثبات مسألة الإجبار على ممارسة الدعارة على الضحية، وهي مسألة واضحة في هذه القضية، لكنها قد تكون صعبة في قضايا أخرى مشابهة لم تحصل على القدر نفسه من التغطية الإعلامية. كما أن التأكيد على معاملة الضحايا كضحايا، قد يساعد في إعادة استيعابهن في المجتمع، ويساهم في تغيير وجهة نظر المجتمعات الشرقية التي تعتبرهن داعرات. إحدى العقبات أمام مكافحة الاتجار بالبشر هي تأشيرة الفنانين التي تسمح بدخول نساء، غالبيتهم من الجنسيات الإفريقية ومن أوروبا الشرقية، للعمل في ملاهٍ ليلية وحانات. وغالباً يعملن في مجال الدعارة، خصوصاً مع التحفظ على وثائقهن من قبل أرباب العمل في لبنان. ويرى نشطاء حقوقيون، خصوصاً المؤسسات مثل "كفى"، أن الحل يكمن في مكافحة طلب الدعارة عند الزبائن، وإلغاء مادة الدعارة، مع استمرار تجريم القوادين ومعاقبة الزبائن. فمسألة طلب الدعارة، أصبحت شبه مقبولة اجتماعياً بحسب استطلاع للرأي أجرته المنظمة مع زبائن الجنس في المعاملتين. إذ يرى الكثير منهم أن الدعارة مسألة لا بد منها، تساعد في خفض نسب الاغتصاب في المجتمع اللبناني، ما يبرر شراءهم للجنس. ويرى النشطاء أهمية القيام بتلك الخطوات مع تفاقم مسألة الاتجار بالبشر، بسبب استمرار الأزمة في سوريا. إذ يواجه النازحون السوريون الاستغلال بشتى أنواعه، خصوصاً مع تفشي ظاهرة عمالة الأطفال. وفي دراسة أجرتها منظمة إنقاذ الطفل في بيروت العام الماضي، رأى الباحثون أن مجال الدعارة هو الأعلى ربحاً لأطفال الشوارع في العاصمة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image