بعد أكثر من 3 سنوات على صدور نظام دور إيواء ضحايا الاتجار بالبشر، بدأت أول دار حكومية في الأردن باستقبال الضحايا من النساء، في وقت تتوقع مصادر رسمية أن "تباشر الدار استقبال الرجال والأطفال قريباً".
عام 2009، أقرّ الأردن قانون منع الاتجار بالبشر، وتبعه عام 2012 إصدار نظام لتشكيل دور إيواء الضحايا والمتضرّرين منه، وأخيراً جاء إنشاء الدار تنفيذاً للقانون والتزامات الأردن الدولية خصوصاً اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ولمطالب منظمات حقوقية وعمالية.
يقول الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط: "بدأت الدار باستقبال الضحايا من النساء، لكن لم يتمّ افتتاحها بشكل رسمي بعد. وهي تضم 3 أجنحة، واحد للنساء وثانٍ للرجال وثالث للأطفال". ويضيف: "تبلغ الطاقة الاستيعابية للدار 50 شخصاً، وقد أثبتت الدراسات أن الضحايا في العمل القسري، هم الفئة الأكبر من ضحايا الاتجار بالبشر في الأردن، التي تشمل حالات عاملات المنازل وعمال القطاع الزراعي والإنشاءات. أما الحالات الأقل شيوعاً، فتتعلّق بالاستغلال وتجارة الجنس".
ويشير إلى أنه "تمّ توفير الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع الضحايا، وهم من موظفي الوزارة، بينما تشرف على المأوى اللجنةالوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وفقاً لقانون منع الاتجار بالبشر".
لكن خلال السنوات الماضية، أين كان يتم إيواء الضحايا؟ وهل كانت توفر لهم الحماية؟ يوضح الرطروط أنه "خلال العام الماضي، تم استقبال الضحايا مؤقتاً في دار الوفاق الأسري المخصصة للنساء المعنفات"، لافتاً إلى أن "جميع الحالات التي تمّ استقبالها هنّ من العاملات الوافدات، تحديداً عاملات المنازل من دول شرق آسيوية وإفريقية".
وبحسب أرقام الوزارة، استقبلت الوفاق العام الماضي 39 امرأة، تراوحت إقامتهن بين عدة أيام وأسابيع إلى حين حلّ مشاكلهن وإعادتهن إلى بلادهن.
وتقول مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية ليندا كلش: "منذ دخول القانون حيّز التنفيذ عام 2009 عمل اتحاد المرأة على سد فراغ كبير في استضافة ضحايا الاتجار بالبشر في دار الضيافة التابعة له، لكن الاتحاد كان يوفّر خدمته للنساء من الضحايا فقط، في حين كان يتمّ، في كثير من الأحيان، توقيف النساء إدارياً في السجون بسبب إشكالية التكييف. ففي عدد من الحالات، يتمّ تكييف الحالة على أنّها مخالفة عمالية، أو مخالفة لشروط الإقامة بدلاً من تكييفها على أنها حالة اتجار بالبشر. أما الرجال، فلم يكن هناك أي مكان آمن لاستقبالهم".
"مرفوعة" هي إحدى ضحايا الاتجار بالبشر، التي تمّ إيقافها إدارياً في سجن الجويدة للنساء 3 أعوام لمخالفة شروط الإقامة، رغم أنها ضحية للاستغلال الجنسي وعمل السخرة من قبل رجلين ادّعيا أنهما زوجاها.
قدمت مرفوعة الإندونيسية الجنسية إلى الأردن عام 2006 للالتحاق بسوق عاملات المنازل، وعملت 6 أشهر في منزل أسرة أردنية، لكن العائلة لم تكن تدفع لها أجرها، فتركت المنزل وعادت إلى مكتب استقدام عاملات المنازل. استغلّ المكتب مرفوعة عن طريق تشغيلها بالمياومة مقابل إعادتها إلى بلدها الأم، لكن صاحب المكتب لم يلتزم بتعهده، واستمرّ في تشغيلها من دون أجر إلى أن قررت الهروب مع أحد الاشخاص بعد وعده لها بالزواج.
تقول مرفوعة: "أوهمني بالزواج عن طريق عقد مزور، وأنجبت منه طفلين. خلال فترة الزواج كنت أعمل في المنازل في قطاع العمالة غير المنظم، وكان يستحوذ على كل ما كنت أحصل عليها. بعدها قرّر تركي باتفاق مع صديق له، وتزوجت من صديقه زواجاً مزوراً أيضاً". وتضيف: "أنجبت طفلاً آخر من زوجي الثاني، الذي استحوذ على كل دخلي. وبقيت على هذا الحال إلى أن ألقت الشرطة القبض عليّ في أكتوبر 2012، وسُجنت لتجاوزي شروط الإقامة".
مقالات أخرى
حملات توعية لن تنسوها أبداً
وتضيف: "بعد توقيفي، كشفت للشرطة عن هوية الرجلين اللذين تزوجت منهما، وتبيّن لاحقاً أن الزواج غير حقيقي". تمّ الحكم بالسجن على الرجلين بتهمة الاغتصاب بالاحتيال المكرر، فحكم على الزوج الأول بالحبس 13 عاماً والثاني 10 أعوام. إلا أن أياً منهما لم يُدن بتهمة الاتجار بالبشر، رغم أن "عناصر جريمة الاتجار بالبشر واضحة ومتوفرة في الحالتين"، بحسب كلش. تسعى مرفوعة التي تمّ الإفراج عنها لاستعادة أطفالها الذين يقيمون حالياً في إحدى دور الرعاية، والسفر الى إندونيسيا، في حين لم تحصل حتى الآن على أي تعويض عن الضرر الذي لحق بها.
تقول كلش: "هناك الكثير من العوامل التي تبثّ التفاؤل لجهة تخفيض عدد حالات ضحايا الاتجار بالبشر التي يتم إيداعها السجون كحالة مرفوعة، ليس فقط نتيجة إنشاء الدار، بل بسبب وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لمديرية الأمن العام التي تمكّنت، خلال العامين الماضيين، من القيام بعمل جيد جداً في إطار الكشف عن الحالات والتعامل معها".
في العام 2014، تمّ التعامل مع 316 حالة اشتباه بالاتجار بالبشر، وتحويل 58 منها إلى القضاء. وتأمل كلش أن "يساهم افتتاح الدار في تقليل عدد حالات النساء المجنى عليهن اللواتي يتمّ إيداعهن السجون". وترى أن "المأوى سيوفّر فرصة للنساء والرجال للبقاء في الأردن، لحين اتخاذ كل إجراءات التقاضي ضد الجناة وإنصافهم قضائياً". وتبيّن أن "نظام دور الإيواء يحوي أيضاً على بنود إيجابية كتلك المتعلقة بأن الدخول إلى الدار والخروج منها يكون بقرار من الشخص المجنى عليه، وهذا أمر جيد".
لكن كلش تشير إلى عدد من البنود السلبية، "مثل تحديد فترة إقامة الضحية في الدار بشهرين فقط، وهذا ما قد يؤثر سلباً على الضحايا". وتضيف: "للأسف هذه الفترة ليست كافية للسير في إجراءات التحقيق والمحاكمة، وإصدار حكم بحق الجاني، وهذا يعني أنّه في كثير من الحالات ستضطر الضحية، إذا كانت من جنسية أخرى، إلى العودة إلى بلدها قبل صدور قرار قضائي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...