شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"سنة الراديو"، رواية تقرأنا وتقرأ خيباتنا وعلاقاتنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 5 يوليو 201602:23 م
في روايتها الجديدة "سنة الراديو" تقدّم "رينيه الحايك" تفاصيل يومية لسنة من حياة شابة في العشرينيات من العمر، تلك السنة التي تحل فيها كضيفة في أحد البرامج الإذاعية لتقدم نصائح للأهل حول كيفية التعامل مع أولادهم، ومن هنا تكتسب الرواية اسمها. لا أحداث كبيرة إذاً، ولا حكاية أو حبكة تدور حولها الأحداث. في كل روايات "الحايك" نحن أمام سلسلة كبيرة من التفاصيل اليومية الصغيرة، التي تشكّل حياة الشخصية/ الشخصيات الرئيسية في العمل. وفي هذه الرواية تذهب الكاتبة إلى الأقصى في أسلوبها ذاك، فتتعمد إهمال الحكاية أكثر، وإعطاء اليوميات الأهمية كلها. بطلة الرواية التي تسرد علينا تلك اليوميات على مدار سنة شابة اسمها "يارا غزال"، تبدأ حكيها في اليوم الذي صودف خروجها من المشفى إثر حادث تعرضت له، فترك ندبة على يدها، وآثاراً نفسية تظهر على امتداد السرد. "خرجت في 15 كانون الثاني من المستشفى. ندبة حمراء عميقة تغطي ذراعي. كانت أمي تحيط كتفي وتمسك بالجاكيت الذي بقي كمّها الأيسر متدلياً. (...) في الأيام التي استعدت فيها وعيي سمعت أبي وأمي يكرران وقائع الحادث على أصدقائي وأقاربي. كانا يخفضان رأسيهما في كل مرة ويقولان "الحمدلله. الله يعين أهل سامر"، ثم يؤكدان بأنني لم أكن أعرفه قبل السهرة. فعلياً ما كنت أعرفه. ركبت سيارته لأدع كريستيل وأحمد وحدهما. أحمد من دعا سامر ليعرفني عليه. طوال السهرة كنت أدخن سيجارة تلو الأخرى. أرد على أسئلته أو أتظاهر بعدم سماعها. ما عرفته عنه هو ما سمعته بعد الحادث". هكذا، تسير حياة "يارا" بإيقاع روتيني، لا شيء جوهري يتغيّر، تذهب إلى عملها في المدرسة حيث تعمل اختصاصية بتقويم النطق، تلتقي بأصدقائها بعد العمل، تتذكر أحداثاً ماضية من طفولتها أو مراهقتها أو من سنوات قريبة ماضية. الروتين والملل واللاجدوى التي تشعر بها يمكن لمسها وهي تتسرب من ثنايا السرد. ثمة علاقة عاطفية عاشتها في وقت قريب، وانتهت بعد سفر الشاب إلى الخارج للدراسة، هي أكثر ما تتذكره وتحنّ إليه. يأتيها عرض عمل في الإذاعة، فتغدو الخبيرة النفسية في برنامج يُبث على الهواء مباشرة تقدّم فيه النصائح حول كيفية التعامل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات ما، وهذا سيعود بالفائدة عليها فتحصل على زبائن يأتون لمكتبها. وباستثناء السهرات واللقاءات مع أصدقائها لا شيء يحرك الركود سوى علاقة عاطفية ثانية لكنها كغيرها تنتهي بعد فترة قصيرة. ليست وحدها على هذه الحال، كأن اليأس واللاجدوى إحساساً مشتركاً لدى جميع أفراد هذا الجيل الذي تنتمي "يارا" إليه، لدرجة قد تدفع أحدهم للسؤال دوماً: "هل عشت الحياة الخطأ؟". الثيمة الأبرز الموجودة في الرواية هي كشف العلاقات الإنسانية، والنبش فيها، و"الحايك" بارعة في الغوص هناك، تلك منطقتها التي تكتب من أجل كشفها. علاقات حب تبدأ وتنتهي سريعاً، علاقات تورّط عاطفي، خيانات، علاقات صداقة، علاقات زواج، علاقات الأهل بأبنائهم، والأولاد بآبائهم... شبكة معقدة وكبيرة من العلاقات التي تنسجها على امتداد السرد. عمل "يارا" في الإذاعة وفي مكتب يتابع حالات الأطفال يتيح لها أن تتعرف على حالات أخرى من العلاقات، والكاتبة تعمل على حياكتها، وأحياناً على شبكها، مع نسيج العمل الأساسي. "الصمت دفعنا إلى تبادل الكلام همساً. حكت عن إحساسها فجأة بأنها ليست المرأة ذاتها. لذلك لا تستطيع العودة إلى بشارة. كأن ما فعله، فتح عينيها على حقيقة كانت تجهلها. ليست كما يعتقد الجميع مجروحة من خيانته. هي متألمة لأنها لا شيء طوال السنين. كيف تظن أنها أنجزت شيئاً. بكاؤها صعّب علي فهم كلماتها". تسير الرواية هكذا، بإيقاعها نفسه الذي بدأت به، لا تصاعد درامي يشد انتباه القارئ. حتماً هي ليست رواية لمن يبحث عن تسلية سريعة، ولا لمن يبحث عن حكاية أو مقولة جاهزة. هي رواية تقرأنا، وتقرأ علاقاتنا وخيباتنا تلك التي نعيشها أو نراها حولنا. وهي أولاً تحتاج إلى الصبر، وتحتاج منا اعترافاً في النهاية إلى أن رواية كهذه يمكن أن تخربط أفكارنا المسبقة حول كيف يجب أن تكون الرواية. رينيه الحايك روائية لبنانية، ولدت في جنوب لبنان ودرست الفلسفة في الجامعة اللبنانية. لها مجموعتان قصصيتان: "بورتريه للنسيان" و"بيوت المساء". وتسع روايات: "شتاء مهجور"، "البئر والسماء"، "العابر"، "بلاد الثلوج"، "بيروت 2002"، "أيام باريس"، "صلاة من أجل العائلة"، "حياة قصيرة"، "رسالة من كندا"، و"سنة الراديو". وصلت اثنتان من رواياتها إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2009 و2010.   الناشر: دار التنوير/ بيروت - القاهرة - تونس عدد الصفحات: 272 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية على موقع "نيل وفرات" وعلى موقع متجر الكتب العربية جملون  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image