شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الألعاب: كيف ألهمت السياسيين وهدمت بلداناً بأكملها؟

الألعاب: كيف ألهمت السياسيين وهدمت بلداناً بأكملها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 27 يونيو 201711:30 م
نجحت السلطة السياسية تاريخياً في الاستفادة من الألعاب الذهنية والترفيهية لخدمة أغراضها الجيوسياسية. فلم يكن الحديث عن الكثير من الألعاب العالمية يأخذ سياقه الرياضي، والترفيهي، والذهني بقدر ما كان مساحة للجدل السياسي والخصومة بين القوى الكبرى المتناحرة تاريخياً. وتحولت العديد من أسماء الألعاب إلى نظريات سياسية حديثة، لا يتوقف المحللون السياسيون عن استخدامها في التنظير للكثير من الصراعات الحربية، والجدالات السياسية القائمة بين الحضارات، والبلدان المتناحرة، إذ باتت ألعاب كالدومينو، والبنغ بونغ (تنس طاولة)، والشطرنج وغيرها، مصطلحاً سياسياً يلخص تحركات ومخططات سياسية نشبت على إثرها حروب، وقامت على نتائجها ثورات، ومات في سبيلها ملايين البشر. يتجلى توظيف العقل السياسي لتلك الألعاب في المواقف التاريخية التي شهدتها بلدان الشرق الأوسط، ومختلف الصراعات التي قامت بين بلدان المد الشيوعي - الاشتراكي، مقابل القوى الرأسمالية المهيمنة بكل ما تفرضه من سياسات. فاستطاع كبار السياسيين في العالم استغلال مخططات الألعاب والتقنيات التي يمارسها اللاعبون الماهرون في تكوين مخططات سياسية، وحربية، واستعمارية. ونجحوا في توظيف جماهيرية الألعاب لتمرير وتغطية الكثير من الجرائم الإنسانية. ينكشف ذلك الدهاء السياسي بالعودة إلى تاريخ الحروب خلال المئة عام الماضية. لا ينظر الكثير من المتابعين لحركة التاريخ السياسي الحديث إلى الدور الذي قامت به الألعاب في تغيير مصائر بلدان كبيرة مثل أميركيا، وروسيا، والصين، واليابان. ولا يعتقد عدد كبير من المتابعين للشأن السياسي العربي، أن لعبة للتسلية والترفيه، استطاعت عبر استراتيجياتها الخورزمية والرياضية أن تسقط أنظمة، وتهدم بلداناً بأكملها.

الدومينو: حجارة الأنظمة العربية وملايين القتلى في الحرب الفيتنامية الأمريكية

dominoes-in-textdominoes-in-text رأى الكثير من مشاهدي فيلم V for Vendetta، بطل الفيلم بقناعه المعروف، وهو يصف أحجار الدومينو السوداء والحمراء في نسق تتابعي، ويدفع بالحجر الأول منها، لتنهار الحجارة كلها، ويظل الحجر الأخير واقفاً ومسنوداً من الحجرين اللذين سقطا على جانبيه. توقف الكثير من قُراء التحليلات السياسية في الصحف الغربية والعربية الكبيرة، عند مفهوم "أحجار الدومينو" في اللعبة الجيوسياسية، التي شهدتها بلدان العالم. يفسر تاريخ الدومينو، ومجمل النظريات السياسية الحديثة هذا المصطلح، وهذا التوظيف للعبة الشهيرة. إذ كشفت دراسة نشرتها وكالة "هيستوري" History للأخبار والبحوث، أن نظرية الدومينو هي النظرية السياسية الأولى التي استندت إليها أميركا في الحرب على فيتنام عام 1954. فما إن أعلن رئيس فيتنام الشمالية "هو تشي مينه" استقلال فيتنام عن الحكم الفرنسي، وتحقيق المشروع الشيوعي في البلاد، حتى انتبهت أميركا إلى خطر هذا المشروع في تحقيق المد الشيوعي. فسارعت إلى دعم حكومة فيتنام الجنوبية تحت القيادة الفرنسية، لمنع سقوط حجر الدومينو الفيتنامي في بلاد شرق آسيا. فكشفت أميركا استناداً إلى هذه النظرية، أن نجاح الحكم الشيوعي في فيتنام الشمالية سيدفع بأحجار بلاد شرق آسيا كلها إلى هذا المشروع، وبالتالي تحقيق الثقل السياسي الدولي مقابل المد الرأسمالي الذي ظلت أميركا تقارع به القطب الشيوعي، روسيا. وقد خاضت الولايات المتحدة حرباً طاحنة في فيتنام، استمرت من عام 1954 حتى عام 1975، راح ضحيتها، وفق الإحصاءات السياسية، مليون ومئة ألف قتيل، و3 ملايين جريح، ونحو  13 مليون لاجئ، من الطرف الفيتنامي. أما أميركا فقدرت خسائرها بما يفوق النصف مليون قتيل، وأكثر من مئة وخمسين ألف أسير. شكلت نظرية الدومينو حضورها بين المصطلحات السياسية، وصار التحسب لها مدروساً بإستراتيجيات يقوم على وضعها عقول سياسية كبيرة. فلم تكن حرب فيتنام حصيلة هذه اللعبة السياسية الخطيرة وحسب، إنما أجبرت معظم بلدان العالم العربي على خوض هذه اللعبة الصعبة. فما إن رتب العقل السياسي الدولي أحجار البلدان العربية في تتابع مدروس، حتى سقط الحجر التونسي الثقيل، معلناً ثورة ظلت تتهاوى بعدها الحجارة العربية حتى وصلت إلى اليمن. فشهدت المنطقة العربية سقوط أنظمة عربية، واليوم يحصد الحجر العالق في سوريا آلاف الأرواح المدنية، والعسكرية، ويشرع البلاد العربية على مزيد من الاحتمالات والتغيرات السياسية في الشرق الأوسط.

الشطرنج: القتال من أجل الهيمنة، ولاعبون عباقرة ينفذون مخططات عسكرية بالبيادق البلاستيكية

chesschess قد يستهين أحد المتابعين للشأن السياسي الدولي بما يمكن أن تحققه خورزميات الألعاب الذهنية والحربية. فلا يتخيل أن لعبة مثل الشطرنج استطاعت أن ترسم مخططات السيطرة الأمريكية على بلدان العالم. لكن الباحث في كواليس الفعل السياسي الدولي، يجد أن الشطرنج كانت واحدة من الأدوات التي جربت عليها أميركا الكثير من مخططاتها العسكرية، ونجحت في فرض هيمنتها، وتحقيق انتصارها بتحركات الجنود والقوى على الرقعة المربعة. يظهر ذلك في تقرير قدمته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، بعنوان "هل تملك الشطرنج ما يمكن أن تفعله للحرب؟" كشفت فيه عن استثمار أميركا لمخططات الشطرنج، إذ يشير المؤرخ العسكري أنتوني بيفور إلى مفهوم "الانتصار التام". ويقول: "يمكن لأحد أطراف الحرب أن يحقق النصر سريعاً، كحال أطراف اللعب في الشطرنج. لكن ذلك لا يقدم النتيجة، فالنصر النهائي هو الأهم، مستشهداً بذلك بما جرى للقوات الأميركية في العراق، ومقدماً نصرها السريع علامةً من العلامات التي شكلت ما يعرف بمفهوم "النصر التام" في المفهوم العسكري. ويكشف البروفيسور دونالد ميشي، أحد رواد الذكاء الصناعي، في التقرير نفسه، أن جهود تطوير إستراتيجيات لعبة الشطرنج، كانت تمول من مركز بحوث الجيش الأميركي. وأكد أن الخطة التي نجح فيها بطل العالم في الشطرنج غاري غاسباروف عام 1997، كانت بتمويل جزئي من وكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع في البنتاغون، التي عرفت بمخططات "الفكر العميق"، ولاحقاً بمخططات "الأزرق العميق". عام 1989، قال العقيد روبرت سمبسون، رئيس داربا لبحوث النظم الاسخباراتية، وفق تقرير BBC، إن برنامج الشطرنج "الفكر العميق"، كان أحد التطبيقات العسكرية المستخدمة في الملاحة الحربية، إذ استفادت المنظومة العسكرية من هذه التطبيقات في معرفة تضاريس العدو، ورقمنة جميع خيارات تحركاته على أرض المعركة.

هل أخفت لعبة "تنس الطاولة" جريمة راح ضحيتها 36 مليون شخص؟

pingpongpingpong لا يبدو الحديث عن استثمار مخططات لعبة الشطرنج فاجعة إنسانية، ولا حتى تلقف منظري السياسية لنظرية الدومينو. فلكل منهما علاقة لاحقة وإستراتيجية في شن الحروب، وهدم البلدان. لكن باحثاً مثل نيكيولس غريفن يكشف النقاب عن جريمة إنسانية راح ضحيتها 36 مليون مواطن صيني، بعدما استطاعت لعبة "بينغ بونغ" التستر عليها، وحجب أنظار العالم عن الكارثة التي يصفها الصينيون بـ"السنوات الثلاث المرة"، خلال الأعوام 1958 و1961. يكشف غريفن في كتابه الصادر تحت عنوان Ping-pong diplomacy، كيف استغلت حكومة الصين الشيوعية هوس المجتمع بلعبة تنس الطاولة، وحجم التوتر الذي لازم العلاقة الأميركية الصينية. فيبين كيف نظمت حكومة الصين بطولة العالم لتنس الطاولة، أثناء "المجاعة الكبرى" لتحجب أنظار العالم عن حجم الضحايا الذين ماتوا جراء سياسات الحزب الشيوعي الجديدة في الضغط الاجتماعي، والأخطاء الإدارية الاقتصادية، والتغييرات الراديكالية في الزراعة. ويشير إلى تاريخ مفصلي في العلاقة الأميركية الصينية، كانت "البنغ بونغ" هي المحرك الرئيسي في تحقيقه. فيروي الحكاية التي عنونت فيها الصحف العالمية صفحاتها بـ"البنغ بونغ تعيد تنظيم القوى العالمية"، عام 1971. في إشارة إلى البطولة الدولية التي تواجه فيها الصينيون مع الأميركيين. فتحولت أنظار المجتمع الدولي إلى فتح باب جديد من العلاقات السياسية والاقتصادية، وتحول الشارع الصيني حينها إلى حالة هياج جماهيري تصدره مهوسو اللعبة ومقامروها. وكان أبطال اللعبة هم الضحية الأولى في الصراع الثقافي للدولتين، وواجهوا الاضطهاد والتعذيب، الأمر الذي دفع بعضهم إلى الانتحار وآخرين إلى الاعتزال.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image