شباط 2015، إحدى النقاط المفصلية في تاريخ الأشوريين في الشرق الأوسط. دخل تنظيم الدولة الإسلامية إلى قرى الخابور شمال شرق سوريا، واختطف نحو 300 مواطن أشوري من القرى التي سكنوا فيها منذ وجودهم في سوريا، قبل الحرب العالمية الثانية، هرباً من مجازر قامت بها الحكومة العراقية آنذاك.
يعود وجود الأشوريين في العراق إلى آلاف السنين، وهو ازداد مع نزوح أعداد كبيرة من الجالية الموجودة بتركيا مع مطلع القرن الماضي، بسبب الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها هم والأرمن تحت الخلافة العثمانية. وكان معظم الأشوريين الذين توجهوا إلى العراق هم من منطقة هكاري قرب الحدود التركية العراقية.
أما وجودهم في سوريا، فبدأ بنزوحهم من المدن التركية كديار بكر، وازداد بعد هروب عدد منهم بسبب مجازر قامت بها الدولة العراقية (1933)، نتيجة رفضهم تسليم أسلحتهم، خوفاً من تكرار مجازر العثمانيين. ومثلت مجازر 1933، نقطة انتهاء آمال الحكم الذاتي التي نمت عند الأشوريين في نهاية الحقبة العثمانية. ومذاك، باتوا على قناعة أن استمراريتهم مرتبطة بالدول التي انتموا إليها، كسوريا وأهمية استمراريتها كدولة موحدة برغم خصوصيتهم الثقافية. وهي وجهة نظر ارتبطت بسيكولوجية الشعب السرياني بسبب الإبادة والمجازر.
يشكل الأشوريون نحو 50 ألف نسمة من سكان سوريا، و400 ألف من سكان العراق. ورغم انتشارهم في مناطق مختلفة في العراق، فقد سكنوا في سوريا في منطقة نهر الخابور والقامشلي والحسكة، وشاركوا في البرلمان السوري، وسمح لهم بتدريس اللغة السريانية لساعة واحدة في الأسبوع في كنيستي الشرق والأورثودوكس، ومنع في المدارس.
في سوريا، أنشأ الأشوريون مدينة القامشلي عام 1926، وهي الآن تحت سيطرة قوات حماية الشعب الكردية والنظام السوري. كما أنشأوا أحد أقدم الأحزاب السياسية في سوريا، المنظمة الأشورية الديموقراطية عام 1957، وهي الآن جزء من المعارضة السورية. لكن غالبية السريان يرون، رغم فساد حزب البعث، أن مناهضة النظام لا داعي لها.
تحت النظام السوري، سمح للأشوريين بتملك الأرض، رغم حجب ذلك الحق عن الأكراد. ويشكل دور الأكراد في المذابح العثمانية، أحد أسباب النزاع التاريخي بينهم وبين الأشوريين. وهي عقبة تحول دون مساندتهم لاستقلال الأكراد، أو إنشاء حكومة فيديرالية تحت إمرتهم.
الميليشيات الآشورية
بدأ الأشوريون بناء ميليشيات الدفاع عن النفس بعد عامين من اندلاع الأزمة في سوريا، فأنشأ حزب الاتحاد السرياني جناحه العسكري، السوتورو. ونشأ المجلس العسكري السرياني لحماية المناطق الأشورية، وغالبية أعضائه من اليساريين، الذين تعاونوا مع حزب العمال الكردستاني في التسعينات كنوع من الصداقة الثورية، ويعتبر المجلس العسكري تحت إمرة قوات حماية الشعب الكردية.
أما قوات حماية الجزيرة، فهي تحت إمرة قوات النظام، وتتضمن حرس الخابور المسؤولين عن حماية القرى الأشورية في المنطقة. وفي العراق، أنشأ السريان قوات حماية سهل نينوى، بعد دخول داعش إلى الموصل وتهجيره لآلاف المسيحيين والسريان.
يدعم بطرك السريان الأورثودوكس النظام السوري، وقوات حماية الجزيرة، كونها تابعة للنظام، وهو مقيم في دمشق. أما كنيسة الشرق السريانية في العراق، فنقلت مقرها إلى إربيل، وهي تدعم الحكومة الكردية، لأنها لا تواجه تعقيدات مثل منع بناء الكنائس وتأدية الطقوس المسيحية، برغم خسارة الأراضي للأكراد.
يشكل تناقض الهويات بين المسيحية والأشورية أحد أبرز محاور السجال في المجتمع السرياني. يقول مارديان إسحق، وهو كاتب أشوري مقيم في لندن، إن مسألة ترجيح أي من تلك الهويات هي مسألة محورية للكثير من الأشوريين. فمن يرى نفسه مسيحياً أولاً قد يرجح ترك المنطقة، هرباً من مد الإسلام السياسي والتطرف. أما ترجيح الهوية الأشورية، فيضفي فكرة التصميم على البقاء في المنطقة التي عاشوا فيها آلاف السنين.
تتألف قوات حماية الجزيرة في سوريا من مجموعة من الشباب المسيحي. وهي ميليشيا أشورية مركزها الحسكة في الشمال الشرقي. وكان السوتورو تشكل في شهر آذار 2013 بسبب الفراغ الأمني الذي طال المنطقة منذ انسحاب أغلبية قوات النظام. وكانت مهمة قوات السوتورو في البداية هي منع الجرائم كالسرقة، إلا أن عمل المكتب تطور مع انتساب أعداد أكبر من الشباب المسيحي للمجموعة. وشاركت القوات في معارك إلى جانب الجيش السوري في القريتين في حمص، وفي الحسكة وحفر وصدد.
يقول جورج مالكون، الناطق باسم القوات: "انطلقنا من دافع ذاتي وطني مع خصوصية كوننا شباباً مسيحيين. كانت ظاهرة، لأول مرة يحمل شباب مسيحيون السلاح دفاعاً عن الأرض".
ويضيف: "يتدرب الجنود في القامشلي والحسكة، في مؤسسة تدعى أكاديمية آغا بطرس، حيث يخضعون لدورات عسكرية ورياضية وعقائدية تنص على أن المسيحيين جزء أصيل من التكوينة المجتمعية في المنطقة".
ويرفض مالكون إعطاء رقم محدد لعدد المقاتلين في صفوف قوات الجزيرة، ولكنه يقول إن الأعداد تأثرت بسبب الهجرة، التي يعتقد أن التشجيع عليها يشكل جزءاً من مخطط تهجير المسيحيين من المنطقة، وتفاقمت بسبب التسهيلات التي منحتها دول أوروبية للنازحين المسيحيين من المنطقة.
وتتمحور سياسة قوات الجزيرة حول الحفاظ على سوريا كدولة موحدة ومدنية تراعي خصوصيات القوميات المختلفة، وتناهض أي معارضة مبنية على أسس طائفية أو دينية.
وبرغم ما يصفه مالكون بالاحترام المتبادل والتعاون في مكافحة الإرهاب بين المسيحيين وخصوصاً السريان، وقوات حماية الشعب الكردية، لا سيما بالنسبة لحماية المناطق المسيحية، فإن رؤية السريان التي تضعهم ضمن إطار دولة سورية موحدة، تجعلهم في موقع اختلاف مع مشروع الفيديرالية الكردية.
ويوضح مالكون وجهة النظر المسيحية والأشورية من الفيديرالية: "أي ضرر بالنسيج المجتمعي السوري، ضرر لكل الفئات الموجودة فيه. فالتنوع يعطي ضمانة اجتماعية أفضل من خصخصة مناطق وأقاليم تحمل صفات دينية وقومية".
ويعاني المسيحيون في الحسكة من الغلاء المعيشي، خصوصاً أنهم مقطوعون عن بقية الأراضي، مع إغلاق المعابر البرية إلى سائر المناطق الأخرى. وهناك ازدواجية في الحكم في المدينة، إذ يوجد مثلاً بلديتان وماليتان تتبع إحداهما النظام والأخرى القوات الكردية. بالإضافة إلى الضرائب والتجنيد من قبل الطرفين.
شكل الهجوم على قرى الخابور نقطة تحول في التفكير الأشوري والمسيحي، أجبرهم على الدفاع عن النفس، وبلور لديهم فكرة المخطط المتشعب للقضاء على الوجود المسيحي، وفكرة ضرورة عدم تقسيم الدول ليبقى المسيحيون جزءاً من النسيج المجتمعي الشرقي، وفكرة البقاء ضمن دولة علمانية مدنية تحمي خصوصياتهم هي الضمان الأقوى.
ويقول آثرا كادو، الذي كان مدرساً للغة السريانية قبل قدوم داعش، وانضمامه لقوات حماية سهل نينوى، إن الأشوريين لن يكون لهم مستقبل في المنطقة إذا لم يدافعوا عن أنفسهم، بسبب عدم وجود فصائل أخرى لتحميهم. ويضيف: "الشعب الأشوري شعر بخيبة أمل وخيانة من الجيران حين دخل التنظيم الموصل ونينوى، فالقوات الكردية والعراقية وعدت بالتصدي للتنظيم لكنهم انسحبوا وتركوا الأشوريين لمواجهة مصيرهم".
خضع كادو لدورتين تدريبيتين في القتال، كونه لم يحمل السلاح قبل انضمامه للقوات. ولا تزال القوات تبني معسكراً للمقاتلين في نينوى. واستغرق بناء المعسكر وقتاً طويلاً بسبب عدم تلقي المساعدات من الحكومتين العراقية والكردية، إذ تعتمد القوات السريانية على المعونات المالية من أبناء الجالية في الداخل والغربة.
غياب الدعم
يرى الأشوريون غموضاً في مستقبلهم في العراق وسوريا، مع استمرار وجود التنظيم. لكن إنشاء قوات الحماية أضفى القليل من الأمل عليهم.
لم يتلقَ الأشوريون دعماً مباشراً حتى الآن من المجتمع الدولي أو الحكومة العراقية، باستثناء بعض الدعم المالي لدفع معاشات المقاتلين. ولم يحصلوا على أي نوع من السلاح. كما لم يصلهم أي دعم مادي من الحكومة الكردية.
برغم مرور قرن على المجزرة، لا يثق الكثير من الأشوريين في الحكومات الكردية بسبب السيفو، وهو الاسم الذي أطلق على الإبادة العثمانية التي طالت الأرمن والسريان، بسبب الدور الذي لعبه الأكراد في المجازر.
دور قوات حماية نينوى دفاعي بحت، يقتصر على حماية القرى الأشورية من داعش، ومراقبة حدودها، خصوصاً المناطق المجاورة للأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، بسبب قلة العتاد والدعم.
ويختم كادو: "مستقبل الأشوريين واستمراريتهم في العراق، متصلان بفكرة الحكم والحماية الذاتية. ويعني ذلك إما اعتبار المناطق الأشورية محافظة بحد ذاتها في حال بقي العراق موحداً، أو استقطاع تلك المناطق كدولة خاصة بالأشوريين والمسيحيين، خصوصاً أن البقاء تحت إمرة الأكراد سيهمش الدور الأشوري في المجتمع بدرجة كبيرة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...