يحاول حسام أن يحسم جدله مع هيام أمام الأصدقاء من دون أن يتراجع عن موقفه: "إنها أمي واحترامك لها من حبك لي". تدير هيام ظهرها ممتعضة وتمشي للمطبخ لتجلب شراباً، وهي تمتم: "قلت لك ألف مرّة إنني لا أحب الرسميات والالتزامات". يرمش محمد بعينه لنور فتبتسم قبل أن تبتلع انفعالها.
أسرّت لي نور يومها، أنها تعيش مع محمد منذ عدّة أشهر في منزل واحد، وأنهما اتفقا على المساكنة قبل الزواج. سألتها مذهولةً "لماذا؟"، فنظرت إلي هيام وقالت مازحة "أتريدين أن ترينا سعداء مثلهما!"، مشيرةً بقليل من السخرية إلى حسام وهيام وخلافاتهما.
السريّة وبعض الجنس
"مجنونة! لماذا سيتزوجك إذاً! سيمّلك ويبحث عمن يتزوجها". كانت هذه ردّة فعل أخت نور الكبرى حين أخبرتها بطبيعة علاقتها مع محمد. تقول نور: "توقعت أن تفهمني أكثر، لا أرغب في أن أسمع إملاءات ونصائح أحد، لا أنا ولا محمد نشبه غيرنا، وتجارب غيرنا لا تنطبق علينا".
بالرغم من أن علاقة نور ومحمد لا تخفى على أحد، لم يتجرآ على الإفصاح بأنهما يعيشان معاً. شأنهم شأن الكثير من الثنائيات في سوريا، الذين اختاروا الانتقال بعلاقتهم العاطفية إلى المساكنة بسرية تامة. وفي حالات خاصة كانت معلنة أمام بعض الأشخاص الموثوق بهم، خوفاً من تهديد المجتمع أو العائلة أو تجنباً للملامة.
إلى جانب السريّة، تتميز بعض علاقات المساكنة في المجتمع العربي من شبيهاتها في المجتمعات الغربية، بأن الطرفين قد يختاران عدم الوصول إلى علاقة جنسية كاملة بينهما، وهو ما وصفته نور "بخط الرجعة للفتاة"، رغم أن هذا الخيار قد يكون رغبة الرجل أيضاً.
تشير مها الحاج أسعد، وهي محامية سورية، إلى أن "منبع الخوف المصاحب لهذا النوع من العلاقة يكون اجتماعياً أكثر منه قانونياً، فالقانون السوري لا يجرّم المساكنة، ولا يتطرق لها بشكل صريح، لكنه يعاقب على العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج ويعتبرها زنا". ويعاقب القانون على الزنا بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين للمرأة، ومن شهر إلى سنة للرجل، وتنفذ العقوبة في حال الإبلاغ عن العلاقة، وإثبات وجود علاقة جنسية وليس مجرد العيش معاً.
وتضيف: "شخصياً أعتبر أن هذا النوع من العلاقة يندرج في إطار الحريات الشخصية، التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان، لكن لا بد من الاعتراف بأنها تنطوي على العديد من التهديدات التي تترصد الطرفين، خصوصاً من أفراد عائلة الفتاة، لذا من المهم أن يدرك الطرفان حجم المخاطر عند اتخاذ القرار، وأن تتسم علاقتهما بالثقة المتبادلة، وأن يتم التخطيط والاتفاق على كل شيء مسبقاً حتى لا ينزلقا إلى مراحل غير محسوبة".
قناعاتهم ودوافعهم
التعرف أكثر على الشريك، هو السبب المعلن الأول من قبل الطرفين لخوض هذه التجربة، رغم الموانع، لكنه ليس الوحيد.
تقول نور: "لا يمكنك أن تعرف شخصاً حتى تعيش معه، فالحياة بين رجل وامرأة ليست هدايا ونزهات ومكالمات هاتفية ليلية، أو مشاهدة فيلم وهمساً للكلام المعسول. من الضروري أن تراه في كل الحالات خصوصاً تحت الضغوط، هذه المرحلة أشبه بالاختبار النهائي للتوافق بين الطرفين".
تضيف موجهة الكلام إلي: "صدقيني أنت بحاجة لتعرفي إن كان سيساعدك في غسل الصحون وتنظيف الحمام قبل أن تقرري الزاوج منه، كلام الحب لا يكفي".
أما محمد، فأبدى في حديثه عن تجربته تخوفاً مبطناً من وصول الزواج إلى الطلاق. يقول: "قرار الزواج مصيري، لا تجوز الرجعة فيه، المساكنة ليست بديلاً للزواج، إن كانت الظروف ملائمة لنا فلماذا لا نختبر هذه العلاقة قبل أن نسير بها إلى النهاية".
صافي وحنان ثنائي سوري آخر خاض تجربة المساكنة نحو عام قبل الزواج، بالنسبة إليهما لم تكن التجربة نابعة عن قناعة تامة. تقول حنان: "كنا مخطوبين، كان يفترض أن نكون متزوجين منذ ثلاثة أعوام، لكن الحرب قلبت كل مخططاتنا، تدهورت أحوال صافي المادية، ولم يوافق والداي على زواجنا في تلك الفترة، لم نكن نملك ثمن فستان عرس، خسر صافي اثنين من إخوته وأنا تشردت عائلتي. أعتقد أننا لم نكن نفكر بشكل متوازن، انتقلنا لنعيش معاً من دون تخطيط، كان كل شيء يحدث بشكل فوضوي، كنا نفكر أننا قد نموت في الغد أو بعد غد ولا وقت نضيعه، فقررنا أن نعيش كما نشاء وحسب".
تزوج الثنائي شرعياً بعد خروجهما من سورية إلى تركيا. وعن الفروق التي لمستها بعد الزواج تقول حنان: "كل ما تغير أننا نملك الآن ورقة زواج شرعي في خزانتنا، وزواجنا بات معلناً لعائلتينا وبات بإمكانهما إسداء النصائح بما يجب ولا يجب أن نفعل أو نشتري مثلاً، تغيرت أيضاً الكثير من التفاصيل الصغيرة التي كنا نقوم بها حتى لا يكتشف أمرنا، كأن نصعد درج البناء منفصلين وأن نضع خاتم الخطبة في اليد اليسرى أمام الجيران. أشعر أحياناً أننا بتنا أكثر أنانية في تصرفاتنا بعد الزواج".
ما تكشفه الدراسات
يقتصر الإفصاح عن هذه الظاهرة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية على بعض الأعمال الدرامية، بينما ينكر المجتمع وجودها وتتسابق بعض وسائل الإعلام والنقاد إلى تصنيفها ضمن المظاهر الدخيلة والغريبة على المجتمع، وتستفيض في التحذير من تداعياتها. في الوقت الذي تغيب فيه الدراسات أو الأبحاث الأكاديمية التي تتناولها بخصوصيتها العربية.
إلا أن دراسة عربية أخيرة أجرتها شركة Leo Burnett حول الشكل الجديد للأسرة العربية، كشفت أن الزواج بات خياراً بالنسبة للمرأة وليس فريضة، وأن موقف الفتاة العربية من الزواج تغير، حتى أن الكثيرات لا يرغبن في الزواج، وأن عمر الثلاثين لم يعد "المهلة" المتبقية للفتاة للإقدام على الزواج.
في المقابل، تكشف لنا الدراسات العالمية بعض أسرار هذا النوع من العلاقة الاجتماعية، ومدى تأثيرها على العلاقة الزوجية لاحقاً.
أوضحت دراسة نشرت عام 2014 في مجلة Social Science Research أن اختيار الشريك في علاقة المساكنة بخلاف الزواج، لا يرتبط عادة بالرضا الكامل عن جاذبيته أو مظهره أو شخصيته، إلا أن علاقات المساكنة التي تصل للزواج غالباً ما يكون هذا الرضا محققاً تقريباً، خصوصاً بالنسبة لرضا الطرف الآخر عن مظهر المرأة وعن شخصية الرجل.
ولفتت دراسة أخرى نشرت في العام نفسه، إلى أن للعلاقة الزوجية فوائد صحية وبدنية للطرفين لا يتمتع بها الثنائي الذي يعيش من دون علاقة زواج. وربط الباحثون الأمر بالشعور بالأمان الذي يمنحه الالتزام بين الزوجين.
ويشير بحث تناول 2174 شخصاً في ألمانيا، ونشر في ديسمبر عام 2015، إلى أن الأشخاص الذين انفصل آباؤهم خلال طفولتهم، يميلون أكثر من غيرهم لخوض تجربة المساكنة قبل الزواج، كما يميلون للاستقلال في حياتهم عن منزل العائلة. وهم في الوقت نفسه أكثر عرضة لتكرار تجربة الطلاق. بينما أكدت الدراسة عدم وجود علاقة بين تجربة انفصال الآباء وقابلية هؤلاء الأشخاص لاتخاذ قرار الزواج.
وأكدت الموسوعة الدولية للعلوم السلوكية والاجتماعية، في نشرة لها في مارس 2015، درست ظاهرة المساكنة قبل الزواج في الولايات المتحدة الامريكية، أن الأشخاص ذوي الدخل العالي والتعليم العالي في أميركا، يميلون أكثر من غيرهم إلى خوض تجربة المساكنة قبل الزواج.
في المقابل خلصت ورقة بحثية لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، تناولت مجموعة من المتزوجين حديثاً، إلى عدم وجود علاقة واضحة بين تجربة المساكنة قبل الزواج بفترة ما بعد الزواج، لناحية الاستقرار أو السعادة أو الطلاق.
وبقيت العلاقة بين المساكنة قبل الزواج واحتمال الطلاق محط جدل كبير في العديد من المجتمعات الغربية. وبخلاف عدد من الدراسات السابقة، أكدت دراسة نشرت في أبريل عام 2014 في "The Journal of Marriage and Family"، عدم تأثير المساكنة قبل الزواج على احتمال الطلاق في المستقبل، معتبرةً أن عوامل النضج والخبرة تلعب الدور الأكبر في الزواج المستقر، وأن اتخاذ قرار الارتباط قبل سن 23 عاماً يزيد من احتمال الانفصال مستقبلاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع