خلف الأبواب المغلقة لكنائسهم، التي بالكاد يصل عددها إلى 20 كنيسة، تقبع حكاية الأدفندست Advendist، الطائفة المنبوذة. الأدفندست هي إحدى الطوائف المسيحية في مصر، التي يلفظها المجتمع المسيحي مشككاً في عقيدتها. يبلغ تعداد الطائفة 800 شخص من بين 90 مليون نسمة، أي نحو 1% في الألف من نسبة السكان، لذلك يمثلون أقلية داخل الأقلية المسيحية. ورغم أن الدولة المصرية تعترف بهم كطائفة مسجلة رسمياً، وأحيانا تتم دعوتهم في الاحتفالات القومية، فهم غير معروفين.
ويحضر رئيس الطائفة القس كليتون فيتوزا (البرازيلي الجنسية، لأن هذه الطائفة تصنف نفسها كنيسةً عالمية)، احتفالات رسمية مثل أي مسؤول في الدولة، لكن ذلك لا يكسبه أي أهمية في هذه الاحتفالات.
ظهرت هذه الطائفة في مصر عام 1932 في الصعيد، تحديداً في أسيوط، وكان عددهم يصل إلى 7 آلاف. لكن عددهم انخفض مع الوقت، بسبب هجرة كثيرين منهم خارج البلاد. تعني كلمة أدفنت Advent المجيئ، ويعود ذلك إلى إيمانهم بقرب مجيئ المسيح الثاني، كما يطلق عليهم أيضاً "السبتيون"، نظراً لتقديسهم يوم السبت، وتحريمهم ممارسة أي أعمال في هذا اليوم.
يؤمن أتباع هذه الطائفة أن المسيح هو رئيس الملائكة، الملاك ميخائيل، وأن يوم السبت هو يوم الرب بدلاً من الأحد. ولا يعتقدون بوجود الكهنوت، فلا يرتدي قساوستهم الزي الأسود مثل الأقباط الأرثوذكس، ويقومون بتعميد أعضائهم في سن متقدمة، بخلاف الأقباط الذين يعمّدون الطفل في عمر 40 يوماً والبنت بعد مولدها بـ80 يوماً.
بسبب تلك الاختلافات، تواجه هذه الطائفة مشاكل عدة، على رأسها الإقصاء والنبذ وعدم اعتراف الطوائف المسيحية الأخرى بها، لا سيما الأرثوذكسية، التي تشكل الغالبية في مصر. يعاني أتباع هذه الطائفة من اتهام الطوائف المسيحية الأخرى لهم بالهرطقة والتكفير، ويعتبرونهم يهوداً غير مسيحيين. لا تتم دعوتهم إلى المشاركة في مجلس كنائس مصر، الذي يضم جميع الطوائف المسيحية، ويواجهون مشاكل اجتماعية، حين يضطرون لعدم حضور فصولهم الدراسية أو الامتحانات إذا وافقت يوم السبت.
الهجوم القبطي عليهم
تتشابه عقيدتهم مع طائفة الصديقين اليهودية، وقد هاجمهم البطريرك الراحل البابا شنوده كثيراً، ووصف معتقداتهم بالبدع، وحذّر الأقباط منهم، قائلاً إنهم "ليسوا مسيحيين". كما هاجمهم الأنبا بيشوي، أحد أهم أساقفة الكنيسة القبطية، وقال إنهم يقومون بالتبشير واستمالة المسيحيين الأرثوذكس، لإقناعهم بالانضمام إلى طائفتهم. يقع المقر الرئيسي لطائفة الأدفندست في ميدان روكسي في مصر الجديدة (أحد أحياء القاهرة الراقية)، ويحمل شعار الطائفة، الذي يجمع بين الصليب والإنجيل والشعلة. يختلف الأمر كثيراً بين كنائس الأدفنتست وكنائس بقية الطوائف المسيحية في مصر، إذ دائماً توجد على أبواب كنائس الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليين حراسات أمنية مشددة، أو إجراءات للتحقق من هوية الزائرين والسماح لهم بالدخول من عدمه. بينما باب مقر الأدفنتست، الذي يطل على شارع القبة العمومي، لا توجد فيه أي حراسة، ما يمكّن أي شخص من الدخول متى شاء.
يصعد الزائر على درجات سلم مبنى الخدمات الملحق بالكنيسة.. لا يجد من يسأله في نهار يوم الجمعة عما يريد، وانفتاح الأبواب وحركة القاطنين في المبنى تقودانه إلى الطابق الثاني، ليجد 3 فتيات يتخذن من الغرفة مسكناً لهن، يقمن بتنظيفها وطهو الطعام.
حالة اليسر في دخول المقر ليست تابعة فقط لغياب الإجراءات الأمنية، إنما أيضاً بسبب الترحيب الذي يتعامل به المتواجدون في المبنى. هللت سيلفيا فرحاً حين عرفت أن سبب الزيارة هو التعرف إلى عقيدتهم للكتابة عنها. بينما اختصرت انتصار مشكلة نبذهم من الطوائف المسيحية الأخرى في كلمة واحدة: "يزعمون أننا يهود رغم إيماننا بالإنجيل". تحاول سيلفيا التوضيح، فتضيف: "يقولون هذا لتقديسنا يوم السبت بدلاً من الأحد، لكننا مسيحيون ونؤمن بالمسيح". على الرغم من محدودية عددهم، لا يجوز لهم الزواج من خارج الطائفة. لكن والدة سيلفيا الأدفندستية، التي نشأت في صعيد مصر، تزوجت من والدها الأرثوذكسي بعد قصة حب منذ نحو 30 عاماً. تقول سيلفيا: "تحول أبي للأدفندست منذ 8 سنوات، كانت أمي قوية في إيمانها، فتحول أبي إلى مسيحي أدفندستي بعد سنين طويلة من الزواج بأمي".
صبيحة يوم السبت، يفتح باب كنيسة الأدفندست ويتوافد إليها عدد قليل من الناس، كما يفتح باب الكنيسة في الفجالة وتبدأ الصلوات، يقرأون الإنجيل، ويقضون وقتاً للتأمل، ويحكون قصة للأطفال، ثم يستمعون إلى الترانيم المختلفة، ويقوم رئيس الطائفة بإلقاء العظة. تعتبر الصلاة في كنيسة مصر الجديدة أهم بسبب حضور القس كليتون فيتوزا، الذي يتحدث باللغة الإنجليزية. يقول للمصلين إنهم يقومون بتبادل الخبرات عن طريق قدوم المرسلين من الغرب إلى الشرق، ويشرح أن هناك فرقاً بين المعجبين بالمسيح وأتباعه. تمحورت العظة حول الفرق بين الإعجاب بالمسيح واتباعه، إذ هناك الكثير من المسيحيين المعجبين بالمسيح، لكنهم لا يتبعونه ولا يؤمنون به حق الإيمان. يقول كيتوزا لرصيف22 إنه رغم قلة عددهم في مصر، فإن عددهم حول العالم يتجاوز 20 مليوناً في أكثر من 200 دولة، وأن نبذهم من الآخرين يرجع إلى اختلاف هذه الطائفة عن بقية الطوائف. ولكنهك رغم إقصائهم ونبذهم، يكفيهم اعتراف الدولة بهم كطائفة رسمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...