قد لا يفاجئ هذا العنوان غالبية المواطنين العرب أو الأجانب، فغالباً ما ارتبط اسم المنطقة العربية بالنزعات والحروب والتدهور والفساد والرشى. وقد جاء تقرير منظمة الشفافية الدولية بعنوان "الناس والفساد: دراسة مسحية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2016"، ليزيد الطين بلّة ويؤكد أنّنا، كحكومات ومواطنين، بعيدين كل البعد عن دفع منطقتنا إلى الأمام، على الرغم من بعض المبادرات المتشتتة والنادرة، التي كثيراً ما تقف عاجزة أو تترنح قبل أن تتمكّن من إحداث تغيير طفيف.
61% من مواطني الدول المعنية بالتقرير، اعتبروا أن الفساد ازداد انتشاراً العام الماضي، حتى لو أن البيانات اختلفت بين بلد وبلد. فاعتبر 92% من اللبنانيين أن الفساد ازداد في بلادهم و84% في اليمن، مقابل 28% في مصر و26% في الجزائر.
وقد شمل التقرير اليمن ومصر والسودان ولبنان والجزائر وتونس والمغرب والأردن وفلسطين. واستند إلى استطلاع رأي شمل نحو 11000 راشد، وأجري بين سبتمبر 2014 ونوفمبر 2015، بالشراكة مع "الباروميتر الإفريقي" Afrobarometer، وشركاء محليين لشبكة "الباروميتر العربي" Arab Barometer. وشكّل رسالة واضحة: فشلت حكومات المنطقة في تلبية توقعات المواطنين الذين لجأوا، في العديد من الحالات، إلى الشارع في السنوات الخمس الأخيرة لوضع حد للفساد والظلم ومطالبة الحكومات بالشفافية ومحاسبتها.
واستناداً إلى نتائج التقرير، قال جوزيه أوغاز، رئيس منظمة الشفافية الدولية: "وكأن الربيع العربي لم يكن. لقد فشل القادة في وضع حد للسرية، وتعزيز حرية التعبير، ووقف الرشى. كما فشلوا في إعادة الكرامة في الحياة اليومية للشعوب، التي تعيش في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد تأثرت بشكل كبير حقوق الإنسان".
الفساد في العام والخاص
رأى 45% من الأفراد الذين شملهم الاستطلاع، أن غالبية أو جميع اللاعبين الأساسيين في القطاع العام، من مسؤولين حكوميين، ومسؤولي الضريبة، وأعضاء برلمان، فاسدون. ونجد قوى أخرى في القطاع العام، ينظر إليها أقلية من المواطنين (31 إلى 41%) على أنها تعاني من فساد شديد، هي القضاة، والشرطة، ومكتب رئيس الدولة، وهيئات الحكم المحلي. كما يرى العديد من المواطنين، أن القطاع الخاص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فاسد بدرجة عالية. شخصان من بين 5 يعتقدان أن معظم أو كل رجال الأعمال فاسدون. يبقى القادة الدينيون والتقليديون الأقل تأثراً بالفساد في المنطقة، حتى لو أن 19% و29% على التوالي يعتبرونهم فاسدين.الرشوة سيدة الموقف
يبقى الارتشاء من أبرز المشاكل التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فشخص واحد من أصل 3 (أي ما يعادل 50 مليون شخص) دفع رشوة العام الماضي لإتمام مختلف المعاملات. ونلاحظ فروقاً كبيرة في معدلات دفع الرشوة بين بلد وآخر. ففي اليمن مثلاً، دفع 77% من المواطنين رشوة عند الاتصال بالخدمات العامة. كما أن الرشوة تعتبر أمراً اعتيادياً في كل من مصر (50%) والسودان (48%) والمغرب (48%) ولبنان (30%). إلا أن معدلات الارتشاء أقل بكثير في دول أخرى مثل الجزائر (14%) وفلسطين (13%) وتونس (9%) والأردن (4%). لا تقتصر الرشوة على قطاع دون سواه، فهي منتشرة في العديد من الخدمات العامة الأساسية. وقد سجلت المحاكم أعلى المعدلات في الخدمات التي شملها التقرير، إذ أفاد 31% من الأفراد أنهم دفعوا رشوة عند تواصلهم مع المحاكم. وأشار 27% منهم إلى أنهم اضطروا لدفع رشوة عند التواصل مع الشرطة، للحصول على مساعدة أو تفادي دفع غرامة. من الخدمات العامة الأخرى التي شملتها الرشى أيضاً، الخدمات الطبية والخدمات الحيوية مثل الكهرباء والماء، أو حتى الحصول على وثائق أو تصاريح. ولا شك أن ظاهرة الرشوة تضر بالطبقة الأكثر هشاشة، إذ اضطر أكثر من ثلث مواطني المناطق الريفية إلى دفع رشوة مقابل خدمات أساسية، إلى جانب الفقراء، فكانت النسبة مرتفعة في 5 من البلدان التسعة التي شملها التقرير (الجزائر، المغرب، فلسطين، تونس، السودان). ويلعب الجنس أيضاً دوراً في الرشى، فالرجال أكثر عرضة من النساء لدفع الرشوة (34%).لبنان واليمن الفائزان بكأس الفساد
حصلت مصر والأردن وتونس على أعلى عدد من التقييم الإيجابي من مواطنيها. وعلى الرغم من أنها ليست الأفضل، لا سيما مصر التي تصدرت معدلات دفع الرشوة، فإن التقييم كان أفضل من دول أخرى وتحديداً لبنان واليمن. انفرد البلدان بأكثر التقييمات سلبية من قبل مواطنيها. وعند إجراء الدراسة، كان اليمن على حافة الانهيار، والتقييمات تعكس فشلاً في إنتاج حكومة عاجزة وتوفير بنى تحتية وخدمات عامة (والوضع لم يتغير اليوم). الوضع ليس أفضل في لبنان، فأبدت المنظمة مخاوف إزاء هذا البلد الذي يعاني أزمة سياسية عميقة وأمثلة كثيرة عن الفساد (أزمة النفايات آخرها!). وقد أعلن القيمون على التقرير أن لبنان هو البلد الذي يثير قلقهم بشكل خاص، لا سيما أن الرأي العام يبدي انتقادات شديدة إزاء جهود الحكومة لمكافحة الفساد، وتصور المواطنين لمستوى الفساد في القطاع العام المرتفع جداً. 68% من الأفراد الذين شملتهم الدراسة يعتبرون أن أداء حكوماتهم سيئ في مواجهة الفساد، أداء يعتبر من أبرز توصيات تقرير منظمة الشفافية الدولية عقب النتائج التي توصلت إليها. فتحث المنظمة رؤساء الدول والحكومات على تكثيف وتفعيل الجهود لمكافحة الفساد، من خلال تطبيق الاتفاقية العربية والدولية لمكافحة الفساد مثلاً، أو تأسيس هيئات خاصة لهذا الغرض، أو حتى ملاحقة الفاسدين، مهما علا شأنهم وتقديمهم للقضاء. كذلك أوصت بإدماج المواطنين في هذه العملية وتطوير آليات للإبلاغ، تحصّن المواطنين وتحملهم على الإبلاغ، بدلاً من أن ينصاعوا للرشوة ويتحولوا ضحايا. استنتاجات وتوصيات كثيرة، علّها تجد آذاناً مصغية!رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...