تكشف حكاية كل من أحمد ناجي ورنا السبكي عن سلطة الدولة على الفن والأدب، لتفرض قيودها وضوابطها، وتبدو كراعية للأخلاق والعادات.
بينما لا يزال ناجي سجيناً بسبب كتابته، صدر في 27 أبريل، حكم يبرئ المنتجة رنا السبكي، بعد أن صدر حكم بحبسها سنة قبل 4 أشهر، بتهمة نشر وصناعة مقطع فيديو يخدش الحياء العام للدعاية لفيلم ريجاتا (محمد سامي، 2015).
ترتبط الحكايتان بالمادة 178 من قانون العقوبات، الصادر في ثلاثينيات القرن الماضي، الخاص بخدش الحياء العام. ليكون مصير المبدع معلقاً بين حقوق دستورية تحميه، وقانون يدخله السجن.
نشهد الآن سلطة بلا حدود لمنصة القضاء في مصر في فرض القيود على الإبداع، إذ صار الحبس احتمالاً قائماً لأي مبدع، لأن اختياراته الجمالية والفنية تستدعي تدخلاً عقابياً.
منذ أكثر من شهرين يمكث صاحب "استخدام الحياة" (بالتعاون مع الرسام أيمن الزرقاني، دار التنوير 2014) في السجن، لأن محكمة قضت بأنه كتب ألفاظاً لا تعد فناً.
مساران مختلفان
يصدر قاضٍ حكماً بالبراءة، [/exter-nal_link]ليصدر آخر حكماً يناقضه أو العكس، ويحدث ذلك من دون حدوث أي طارئ في القضية. مرّ ناجي بهذا المسار الجنوني، فكان مثوله أمام القضاء لمرتين بسبب نشر فصل من روايته في جريدة "أخبار الأدب". الواقعة التي جرت في أغسطس 2014، أفضت لحكمين الأول جعله بريئاً، والثاني جعله سجيناً خلال فترة لم تزد عن شهرين. بينما كان مصير السبكي مختلفاً، فكانت البراءة الخاتمة لقضيتها. يكشف الفرق الكبير بين الحكميَن الصادرين بحق ناجي، أن المزاج الأخلاقي للقاضي قد يكون مؤثراً. تنقل أحمد وطارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب بين رؤيتين، الأولى تنحاز للحريات، والأخيرة تعاقب التجريب. في يناير، رأت المحكمة أن تقييم الألفاظ الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له، فما يراه الإنسان البسيط خدشاً للحياء، يراه الإنسان المثقف غير ذلك، وحكمت ببراءة الكاتب ورئيس التحرير لعدم توافر القصد الجنائي. بينما قضت محكمة الاستئناف، في فبراير، بحبس ناجي لحماية الفضيلة، وإلزام رئيس التحرير بدفع غرامة قيمتها 10 آلاف جنيه (1127 دولار). من ناحية أخرى، تم إبعاد تهمة خدش الحياء العام عن السبكي، عن طريق نفي صلتها بمقدمة منسوبة لفيلم ريجاتا. ورغم نفي رنا هذه الصلة في المحاكمتين، فإن حكماً بالحبس والغرامة صدر في حقها في يناير الماضي، وتم إلزامها بدفع كفالة مقدارها 5 آلاف جنيه (564 دولار)، مع غرامة 10 آلاف جنيه، وبراءة والدها المنتج محمد السبكي.خادش سري للحياء
يعيش صاحب استخدام الحياة أيامه خلف قضبان السجن، بسبب رفض القضاء لأسلوب وصفه لقاء يجمع رجلاً وامرأة، إذ تفترض حيثيات حبسه، أن يكون أي اجتماع بين الجنسين سرياً. حُبس ناجي كي لا يتراخى القضاء في تثبيت الفضيلة وحماية قيم الأسرة المصرية مما يمسها، وقد عوقب لأنه ردد "ألفاظاً بذيئة" بفصول الرواية "متلذذاً"، وليس المقتطف المقصود فحسب. بينما بدأت حكاية رنا السبكي مع وائل الإبراشي في برنامجه "العاشرة مساءً" في يناير 2015، قبل عرض الفيلم. وأعلن المحامي سمير صبري نيته مقاضاة صناع الفيلم، في مداخلة هاتفية في هذه الحلقة، لما ورد في المقدمة الدعائية من ألفاظ، وجدها خادشة للحياء. ورغم حيازة محتوى الفيلم على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية، فإن القضية كانت حول مقطع تم بثه على الإنترنت، إذ لا تملك الرقابة، من الناحية القانونية، صلاحيات بشأن ما يبث عبر مواقع هذه الشبكة. كان حكم حبس رنا يستند إلى فرضية قدمتها حلقة الإبراشي، وهي أن صنّاع الفيلم يلجأون عادةً لنشر هذه المقاطع سراً. قضت محكمة الاستئناف بالبراءة بعدما لجأ فريق الدفاع عن المنتجة الشابة، إلى تقرير لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات التابعة لوزارة الاتصالات المصرية، لاستبعاد التهمة عنها. يشير هذا التقرير إلى وجود حالة من "اصنطاع" لمصنف فني يخدش الحياء. وقد أحال الحكم أوراق القضية للنيابة العامة للتحقيق في واقعة نشر المقدمة، لتبحث جهة التحقيق هذه عن خادش الحياء الخفي.خدش حرية المبدع
البحث عمَن خدش الحياء مستمر، بينما يسعى فريق الدفاع عن ناجي إلى الدخول لمحاكمة ثالثة وأخيرة أمام محكمة النقض. قدمت مذكرة بأسباب الطعن على حكم حبس أحمد في 17 أبريل، وضمت 7 أسباب، منها أن الكاتب حبس بسبب علانية إبداعه، بما يخالف الدستور المصري، ومن ناحية أخرى ما كان ينبغي للمحكمة أن تحبسه تطبيقاً لقاعدة تنفيذ ما هو أصلح للمتهم. إذ يحمي الدستور حرية الإبداع، لهذا كان يجب إلزامه بالغرامة فقط وليس حبسه. ومن أسباب الطعن أن القضية جنحة، يفترض أن تنظرها محكمة الجنايات، وليس الجنح مثلما حدث مع الكاتب. كما تم تجاهل الدفع بعدم دستورية المادة 178 من قانون العقوبات، ومسألة عدم اختصاص هذه المحكمة النظر في هذه الدعوى. وتجاوز حكم الحبس موضوع الدعوى، ليشمل مسألة رواج "الرواية"، على موقع التواصل الاجتماعي Facebook، وليس الفصل موضوع القضية، ليكون الحكم بُني على أدلة لا وجود لها. ومع كل ما أحاط برواية استخدام الحياة وحبس كاتبها، ظلت متاحة للقراء حتى نفدت طبعتها الأولى. ما جرى مع ريجاتا أيضاً، إذ لا يزال الفيلم متداولاً، ويبث بشكل قانوني على الشاشات، وتباع نسخه الرقمية. ورغم اختلاف موقع كل من رنا وأحمد الآن، فإن مفارقة إتاحة العمل الفني ومحاكمة منتجه/ كاتبه، تكشف عن وجود رغبة لحبس المبدعين أو "خدش" حريتهم، عبر اتهامهم بخدش الحياء العام.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...