عندما تحولت كرة القدم من مجرد رياضة ولعبة شعبية إلى واحدة من أقوى الصناعات الترفيهية التي عرفها العالم، تغيرت معها الكثير من القوانين والمفاهيم.
تقلصت الحرية الشخصية للذين اعتمدوا كرة القدم مهنة يعتاشون منها، وباتت الشهرة تفرض عليهم الالتزام بمعايير محددة، كان تجنب "التدخين" أبرزها.
فقد أصدر الاتحاد الآسيوي بحق المنتخبات الثلاثة التي خرجت من الدور الأول للبطولة، قراراً يقضي بدفع غرامة مقدارها ألف دولار، وذلك بسبب قيام لاعبيها بالتدخين في غرف تبديل الملابس خلال المباريات. معلوم أن التدخين رافق كرم القدم منذ بدايتها، ومع مرور الزمن تطورت طريقة التعامل معه، وتغيرت علاقته الحميمة مع الساحرة المستديرة إلى أن وصلت حد الطلاق.
لأكثر من قرن، كان الرابط بين التدخين والكرة لا يتوقّف على تدخين اللاعبين، بل إن غرابة هذه العلاقة أوقعت في فخ مغرياتها نجوماً لا يهتمون بالتدخين ولم يسبق لهم تجربته أساساً.
في عام 1890 استثمرت مصانع التبغ صور نجوم كرة القدم، وقامت بتحويلها إلى بطاقات تذكارية توضع مع علب السجائر، ومع انتشار كرة القدم وتطورها أكثر فأكثر، عمدت الشركات الكبرى إلى استثمار النجوم بطريقة جديدة وأكثر فاعلية، فكان النجم الإنكليزي الأسطوري ديسكي دين Dixie Dean، أول لاعب يروّج لمنتج سجائر. اللاعب الذي نال لقب هداف الدوري الانكليزي عام 1928 بعد تسجيل 60 هدفاً (رقم قياسي)، ظهرت صورته عام 1930 في إعلان مطبوع لماركة "Wix"، وهو يؤكد أن سجائرها هي الأفضل من حيث النكهة، وينصح اللاعبين الشبان بها دون غيرها.
السير ستانلي ماثيوز Stanley Matthews، أسطورة إنكليزية أخرى روجت للسجائر، على الرغم من كونه بعيداً كل البعد عن التدخين. اللاعب الذي كان أول من يتوج بجائزة الكرة الذهبية، ظهر عام 1952 في إعلان لماركة "Craven" وهو يمسك لفافة مشتعلة ويقول: "من أجل لفافة ترضيك وتكون لطيفة على حلقك، أعطني كريفن في كل مرة".
وفي عشرينيات القرن الماضي، بدأ ظهور الدراسات التي تحذر من التدخين وأخطاره، ومع اختلاف ردات فعل المدخنين حيالها، كان عدد من المدربين قد اتخذوا خطوات استباقية، ومنعوا لاعبيهم من التدخين. على سبيل المثال، اشترط مدرب آرسنال هيربيرت تشابمن Herbert Chapman على اللاعب إيدي هابغود Eddie Hapgood عدم التدخين لإتمام التعاقد معه عام 1927.
وفي سيرته الذاتية، قال جاكي ميلبورن Jackie Milburn نجم نادي نيوكاسل، إنه ذهب إلى حيث المراحيض ليدخن لفافة تبغ قبل نهائي كأس إنكلترا 1951 أمام بلاكبول، ففوجىء بوجود أربعة من زملائه وهم يدخنون. فور انتهاء اللفافة، خرج ميلبورن إلى الملعب وأحرز هدفين قاد نيوكاسل بهما إلى الفوز، ، فيما اشتهر عن السير بوبي تشارلتون Bobby Charlton تدخينه بين شوطي المباراة النهائية لمونديال 66. من النجوم الذي أفرطوا في التدخين، يأتي الحارس الإسباني الشهير ريكاردو زامورا Ricardo Zamora الذي كان يستهلك ثلاث علب من السجائر يومياً على رأس القائمة، ويليه نجم الوسط البرازيلي سقراط Socrates بمعدل علبتين يومياً على الأقل.واضطر الجناح الهولندي الطائر يوهان كرويف Cruyff للإقلاع عن السجائر التي كان يستهلك علبة كاملة منها، عندما خضع لعملية جراحية في القلب عام 1991، قبل أن يقود حملات صحية ضد التدخين لاحقاً.
روبرت بروزينسكي Robert Prosinecki قد لا يكون اسماً مألوفاً للكثيرين، لكنه هو الذي قاد فريق ريد ستار بلغراد للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا 91، ولعب لكل من ريال مدريد وبرشلونة وإشبيلية، وهو اعتاد أن يدخن يومياً 40 لفافة، خفّضها إلى 20 بعد أن انتقل إلى بورتسموث في نهاية مشواره.
ومن نجوم التسعينيات والألفية الجديدة، تبرز أسماء الإيطالي جانلوكا فيالي Gianluca Vialli نجم يوفنتوس وتشلسي الذي كان يدخن بشراهة خلال مسيرته، والحارس الانكليزي ديفيد جميس David James الذي ظل متعلقاً بالسجائر حتى الثلاثين من عمره، والحارس الفرنسي فابيان بارتيز Fabien Barthez الذي اعتاد التدخين من دون أن يكتشف ذلك السير أليكس فيرغسون مدربه في مانشستر يونايتد، كما أنه لم يكن الوحيد المدخن في المنتخب الفائز بكأس العالم 98، بل كان إلى جانبه كل من لوران بلان Laurent Blanc وزين الدين زيدان الذي التقطته عدسات المصورين وهو يدخن قبل أن يخسر نهائي مونديال 2006 أمام إيطاليا.
أما على صعيد نزوات التدخين العابرة، فتضم القائمة أسماء كثيرة أشهرها مارادونا وميسي ورونالدو داليما وروبيرتو كارولوس وروني وأوزيل وويسلي شنايدر Wesley Sneijder وجاك ويلشير Jack Wilshere وبالوتيلي وبيرباتوف Berbatov وآشلي كول وكوينتراو Coentrão.
اختلفت القوانين المتبعة إزاء التدخين في العالم، فمن الدول من تركت حرية الخيار للمشجعين، ومنها من فرض حظراً كاملاً على السجائر في الملاعب، فيما انتهجت الفيفا نهجاً تدريجياً بدأ بطلب غير ملزم في مونديال 2006، وانتهى بإعلان كأس العالم 2014 بطولة بلا تدخين.
الصورة الرئيسية من أ ف ب
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين
Jack Anderson -
منذ أسبوعشعور مريح لما اقرا متل هالمقال صادر من شخصك الكريم و لكن المرعب كان رد الفعل السلبي لاصحاب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعانا بشكُر حضرتك جدا جدا جدا جدا علي المقاله المهمه والرائعه دي
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعمقال قوي. أحييك عليه.