بخطى واثقة، تصعد الحاجة عثمان بلة سلم الطائرة، تجلس في قمرة القيادة، تلعب بأصابعها على لوحة المفاتيح، تضيء الشاشات ذات الرموز الخضراء، فينطلق نداء وتتحرّك مراوح طائرة البوينج لتنطلق نحو السماء مخترقة عالماً كان حكراً على الرجال حتى وقت قريب، وكان وجود المرأة فيه يقتصر على أدائها دور الضيافة الجوية.
[br/]
حلم منذ الطفولة
على نحو يشبه لعبة "ماريو"، إحدى ألعاب الفيديو الشهيرة، كان على الحاجة بلة التحرر من القيود الاجتماعية التي تكبّل حلمها. في لعبة ماريو، يتعيّن على اللاعب أن يجتاز عدداً من الحواجز التي تبدو لا نهائية. الحاجة بلة يناديها كثيرون "الدكتورة"، وهو لقب ما أحبّته يوماً وتعتبر أنه كان عائقاً في طريق دراستها الطيران. فقد درست الطب في جامعة دمشق، نزولاً عند رغبة أهلها. وكأيّة ابنة لمعلم مدرسة كان والدها يحلم بأن يراها طبيبة أو مهندسة لا كابتن طيران. وكان على الشابة التي لم تتجاوز الثلاثين من العمر أن تتخطى العديد من الحواجز والضغوط الاجتماعية، لتتمسك بحلمها الذي لم تستطع تحديد زمن لبدايته، وكأنه نبت كزهرة برية. [br/]"كأنني أطير"
بدأت الحاجة بلة في دراسة الطيران بالسودان، ولكن ما حصّلته في بلدها لم يكن يؤهلها إلا إلى قيادة طائرة خاصة بها. وبعد أن لمست أسرتها عزيمتها وإصرارها على الطيران، قررت دعمها، فسافرت لإكمال دراسة الطيران بالأردن، وحصلت في سبتمبر 2015 على رخصة قيادة طائرة البوينج. لا تستطيع الحاجة وصف شعورها في أول تحليق منفرد لها. وقالت لرصيف22: "درج الناس على ربط السعادة بالطيران نحو السماء، فما بالك إن كنت في السماء حقاً؟". ومن داخل قمرة طائرة البوينج، أكّدت الحاجة بلة أنه "ليس صعباً أن تقود طائرة. فحينما تمتلك العلم والمهارة لا يتطلّب الأمر إضافة إلى ذلك إلا أعصاباً هادئة". [br/]بين استغراب وترحيب
في أثناء جلوسنا معها في صالة المغادرة بمطار الخرطوم، أتى شابان بعد أن أنهيا مهمتهما بإصلاح خلل في أحد أبواب الصالة. مبتسماً، سألها أحدهما عما إذا كانت هي مَن سيقود الرحلة المقبلة، وحينما ردت بالإيجاب حيّاها والتفت إلينا قائلاً: "قلّما تجد إمرأة سودانية تقتحم مجالات عصية. إنه لأمر ملهم للعديد من النساء". خلال تجربتها في الطيران، عمد الكثير من المسافرين إلى مصافحتها بعد إبدائهم استغرابهم لأن تقود طائرتهم امرأة. أما بنات جنسها فكثيراً ما يبدون سعيدات وهنّ ينتظرن لقاءها في نهاية الرحلة ليصافحنها ويعتبرنها ملهمة لهن. "من الرائع جداً أن أحظى بدعمهن"، قالت الحاجة. [br/]لا ينقصنا شيء كنساء
في بعض الأحيان، تستعين بلة بدراستها التي هجرتها عندما يتطلب الأمر إلقاء نظرة على مريض مسافر على متن رحلتها وتقييم حالته للبت في إمكانية نقله بالطائرة. "بعض الحالات أذهب للاطمئنان عليها أثناء الرحلة"، قالت.وتؤكد الحاجة أن المرأة السودانية متأخرة في مجال الطيران، وقد سبقها العديد من النساء في العالم والمحيط العربي والأفريقي في مصر والبحرين، وتفوّقت الجارة إثيوبيا مع طاقم طائرة كامل من النساء وهو ما تتمني أن تراه يتحقق بالسودان. "المرأة في العديد من الدول قطعت شوطاً كبيراً، وهنالك مَن تقود طائرة حربية"، قالت متابعةً: "لا ينقصنا شيء كنساء. علينا الإيمان بقدراتنا والتحلّي بعزيمة قوية والتحرر من القيود الاجتماعية. لدينا طموحات وأحلام نريد تحقيقها، وعلينا السعي إلى ذلك". [br/]"درج الناس على ربط السعادة بالطيران نحو السماء، فما بالك إن كنت في السماء حقاً؟"
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...