كثيرون من المصريين يعتبرون أن الثقافة الفرعونية تمثل ثقافة "الكفرة"، لكنّهم في الوقت نفسه يتبرّكون بما خلّفته من آثار، لا بل يعتقدون بقدرتها على شفاء أمراضهم وجلب الخير لهم ولذريتهم.
لعلّها الازدواجية المذهلة للشخصية المصرية والتي كشف عنها النقاب بعض المفكرين والباحثين وعلى رأسهم عالم الاجتماع سيد عويس. في ما يلي نعرض بعض الآثار التي يتبرّك بها المصريون أو كانوا يتبرّكون بها قبل أن تمنعهم بعض الظروف.
وأوضح أنه لا يُعرف تماماً متى بدأت هذه العادات أو كيف جاءت فكرتها، إلا أنها انتشرت بين الناس انتشاراً واسعاً بسبب تناولهم لبعض القصص التي لا أساس لها من الصحة حول التبرك بآثار الفراعنة لما نُسب إليهم من قدرات خارقة في السحر والخصوبة.
وتابع أن "البعض يرى أن الآثار الفرعونية هي الملاذ الأخير له بعد نفاد وسائله المادية فى تحقيق ما يريد".
وكان المفكر الراحل الدكتور سيد عويس عكف على دراسة الشخصية المصرية بكل جوانبها وكان له رأي في هذه القضية أورده في كتابه "الازدواجية في التراث الديني المصري". قال إنّ المصريين أوجدوا ديناً شعبياً يمارسونه بجانب دينهم الرسمي (الإسلام – المسيحية) وهذا ما يفسر تبركهم بالآثار الفرعونية رغم أن كثيراً من المتبركين يرونها حضارة كافرة، بل إن ما يمارسونه يتناقض مع العقائد السماوية.
وأضاف عويس أن مكانة الآلهة المصريين انتقلت تاريخياً، بعملية توفيقية، لتُعطى إلى الأنبياء والقديسين ثم الأولياء. وربما هذا ما يحمل تفسيراً آخر للموضوع.
مقبرة "دبحن"
في منطقة الأهرامات، مقبرة تُعرف بمقبرة "دبحن". قال مدير إدارة التوثيق الأثري في وزارة الآثار نور الدين عبد الصمد لرصيف22 إن دبحن كان من كبار رجال الدولة فى الأسرة الرابعة في عهد الملك منكاورع، ونُعت بألقاب كثيرة منها "المطلّع على أسرار الملك في بيت الصباح" و"السمير الأوحد والأول لدى الملك". وشرح أن المقبرة التي كان قد بناها دبحن أقام فيها في ثلاثينيات القرن الماضي الشيخ حمد السمان الذي كان يُعدّ من الدراويش، وكان له مريدون كثيرون يقبلون على المقبرة، وروى أنهم قاموا بتكسير بعض صخورها وأقاموا ما يشبه القبلة، وظلوا يترددون إليها حتى بعد موت السمان، وكانوا يقيمون حلقات الذكر. وأشار إلى أن السيدات الراغبات في الإنجاب كنّ يقبلن عليها، واستمر ذلك حتى أوائل الثمانينيات عندما منع مسؤولو الآثار تكرار هذه السلوكيات مرة أخرى، وقاموا بتنظيف المقبرة وإصلاحها وتهيئتها لكي تكون مزاراً سياحياً كما هي الآن.أبو الهول
وحسبما يشير عبد الصمد، توجد جنوب معبد الوادي في منطقة "أبي الهول" فتحة يقوم السائحون برمي بعض نقودهم داخلها معتقدين أن ذلك يحقق أحلامهم. ولفت إلى أن هذه العادة ترجع إلى زمن بعيد. وروى أنه عندما سأل سائح أحد الخفراء عنها أجابه الخفير بأن مَن يريد أن يحقق أحلامه عليه أن يرمي مبلغاً من نقوده داخلها وستتحقق كل أحلامه. وكان الخفراء في نهاية اليوم يجمعون هذه النقود ويتقاسمونها، إلا أن بعض السائحين تنبهوا لذلك فصاروا يقومون بقطع جزء من النقود قبل رميها حتى لا يمكن استخدامها مرة أخرى.هرم "سخم خت"
وأشار عبد الصمد إلى أنه بجوار هرم "سخم خت" الناقص بمنطقة سقارة توجد مومياء لطفل صغير، ويعتقد البعض أن رؤية هذه المومياء كفيلة بإحداث ما يُعرف في اللغة العامية المصرية بـ"الخضة" للنساء اللواتي لا ينجبن، وهو ما يزيل أسباب منع الحمل.البئر الفارسية
وفي سقارة أيضاً، توجد البئر الفارسية التي يرجع تاريخها إلى العصر الفارسي في نهاية عهد الأسرة 26 وبداية الأسرة 27. وهذه البئر مظلمة وعميقة وينزل إليها الأفراد بسلم حلزوني. وقال عبد الصمد أن بعض السيدات اللواتي لا ينجبن ينزلن إلى هذه البئر ويتم إطفاء الإضاءة من أعلى ويكون ذلك بالاتفاق بين أحد أفراد أسرتها وبين أحد الخفراء على البئر، اعتقاداً بأن ذلك سيحدث "الخضّة" وبالتالي حمل السيدة.معبد أبو سمبل
وفي معبد "أبو سمبل" بمدينة الأقصر، يؤكد مدير إدارة التوثيق الأثري وجود غرفة جانبية يعتقد بعض المواطنين أنه إذا دخلت امرأة إليها ثم أظلم المعبد فجأة فإنها ستشعر بـ"الخضّة".تل اليهودية
وروى أستاذ الآثار بجامعة طنطا حجاجي إبراهيم لرصيف22 أنه في شبين القناطر يوجد تل اليهودية الذي يحتوي على عمود أثري ملقى على الأرض ومنقوش عليه رسم لرمسيس الثاني، وذلك على بعد 100 متر من تل رملي مرتفع عن سطح الأرض. ولفت إلى أن السيدات يقمن برمي أنفسهن من فوق هذا التل إلى أن يصطدمن بالعمود، ثم يقمن بخلع ملابسهن والاستحمام عليه بماء يحضرنه في إبريق من الفخار، وبعد الاستحمام يكسرن الإبريق على العمود، وهذه العادة تقوم بها السيدات اللواتي لا ينجبن في منتصف كل شهر قمري اعتقاداً بأن ذلك من شأنه إحداث الحمل.تل بسطا
وأضاف إبراهيم أن ما يحدث في تل اليهودية يتكرر بشكل آخر في تل بسطا بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية حيث يوجد تمثال مزدوج لرمسيس الثاني وتمثال آخر للإله بتاح. وتقوم السيدة بالاستحمام بجوار التمثالين وكسر الإبريق الذي أحضرت به المياه على الأرض بعد ذلك.تل الضبعة
وفي منطقة تل الضبعة بمدينة فاقوس بمحافظة الشرقية، كان يوجد بحسب استاذ الآثار، تمثال صغير لـ"أبي الهول"، وكانت النساء يكررن المواقف السابقة نفسها وينتهي الأمر بكسر الإبريق على التمثال.صان الحجر
وقال إبراهيم إنه في منطقة صان الحجر في المحافظة نفسها توجد عدة آبار أعماقها منخفضة، وتقوم السيدات اللواتي لا ينجبن بالنزول إلى بئر مظلمة ليملأن منها المياه في إبريق من الفخار بعد أن يكن قد أصبن بـ"الخضة"، ثم يقمن بالاستحمام حول هذه البئر، وهذا برأيهنّ كفيل بزوال أسباب عدم الحمل.تل الرَبع
وفي محافظة الدقهلية، وتحديداً في مدينة السنبلاوين، يوجد ما يسمى بـ"تل الربع" الذى يحتوي على بقايا معبد "أوشي" للإله "خنوع" من الأسرة 26. ويتبرّك البعض بهذا المعبد أملاً في الإنجاب أو الزواج حسبما يشير إبراهيم.تل بلة
ويؤكد إبراهيم أنه في تل بلة بمدينة دكرنس بنفس المحافظة يعتقد الأهالي بوجود ديك أو ثعبان يظهر ليلاً، وإذا أمسك أحدهم به فإن الكنز الموجود في التل سينكشف له.معبد دندرة
وفي معبد دندرة في محافظة قنا، قال إبراهيم أنه يوجد مقياس النيل الأثري، وتقوم السيدات اللواتي يرغبن في الحمل بالنزول إلى المقياس وغسل أرجلهن فيه اعتقاداً منهن أن ذلك سيحقق ما يردنه.حمام كليوباترا
وفي قنا أيضاً، بحسب إبراهيم، يوجد حمام كليوباترا في الكيلو 90، وتقوم السيدات أيضاً بزيارة المعبد والاستحمام بمياهه أملاً في تحقيق أمنياتهن خاصة ما يتعلق بالإنجاب.معبد آمون
وفي بني سويف، وتحديداً في إهناسيا المدينة، يقول مفتش أثري طلب عدم ذكر اسمه أنه يوجد معبد آمون الذي يطلق عليه الناس هنا تسمية "الكنيسة" ويرجع تاريخه إلى الأسرة 19 وقد بناه رمسيس الثاني. وفي هذا المعبد بئر تنزل بداخلها النساء الراغبات في الإنجاب ويتقلبن في مياهه أثناء صلاة الجمعة من كل أسبوع.المغارة المظلمة
وفي الحيبة بمركز الفشن في المحافظة نفسها، قال المصدر عينه أنه توجد مغارة مظلمة يرجع تاريخها إلى الأسرة 22، وفيها نفق مظلم ولها بابان أحدهما للدخول والآخر للخروج، ويعتقد بعض المواطنين أن مجرد دخول المرأة من باب وخروجها من باب آخر يساعدها على الحمل.هرم ميدوم
ووفقاً للمفتش الأثري نفسه، يوجد في مدينة الوسطى بمحافظة بني سويف هرم "ميدوم" الذي بناه الملك "خنسرو"، والد الملك خوفو، في عهد الأسرة الثالثة. وهذا الهرم فيه نفق يبلغ طوله 57 متراً، وتدخله السيدة وتحدث لها "الخضة". وأشار نور عبد الصمد إلى أن عدداً كبيراً من التماثيل الفرعونية في كثير من المناطق فيها حُفر صغيرة. وشرح أن هذه الحفر ليست بفعل العوامل الطبيعية ولكنها محفورة عن عمد بواسطة بعض المواطنين، إذ يستخدم بعض الدجالين عيّنات من الآثار في أعمال الدجل والنصب على المواطنين، وخاصة السيدات الراغبات في الزواج أو الإنجاب.المصريون أوجدوا ديناً شعبياً يمارسونه بجانب دينهم الرسمي (الإسلام – المسيحية)
وأوضح أنه لا يُعرف تماماً متى بدأت هذه العادات أو كيف جاءت فكرتها، إلا أنها انتشرت بين الناس انتشاراً واسعاً بسبب تناولهم لبعض القصص التي لا أساس لها من الصحة حول التبرك بآثار الفراعنة لما نُسب إليهم من قدرات خارقة في السحر والخصوبة.
وتابع أن "البعض يرى أن الآثار الفرعونية هي الملاذ الأخير له بعد نفاد وسائله المادية فى تحقيق ما يريد".
وكان المفكر الراحل الدكتور سيد عويس عكف على دراسة الشخصية المصرية بكل جوانبها وكان له رأي في هذه القضية أورده في كتابه "الازدواجية في التراث الديني المصري". قال إنّ المصريين أوجدوا ديناً شعبياً يمارسونه بجانب دينهم الرسمي (الإسلام – المسيحية) وهذا ما يفسر تبركهم بالآثار الفرعونية رغم أن كثيراً من المتبركين يرونها حضارة كافرة، بل إن ما يمارسونه يتناقض مع العقائد السماوية.
وأضاف عويس أن مكانة الآلهة المصريين انتقلت تاريخياً، بعملية توفيقية، لتُعطى إلى الأنبياء والقديسين ثم الأولياء. وربما هذا ما يحمل تفسيراً آخر للموضوع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...