شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عن

عن "توم هانكس السوري" وأخواته: عندما يصبح المطار سجناً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 24 مارس 201603:45 م
من يتذكر فيلم "البوابة" (ذا ترمينال) للمخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ وبطله توم هانكس؟ يبدو أن هذا الفيلم الذي انبثق من قصة حقيقية عن حياة المواطن الإيراني مهران كريمي ناصري المعروف باسم السير ألفريد، لا يزال يجد أبطاله في الواقع عاماً بعد آخر وحرباً بعد أخرى. ناصري علق نتيجة الظروف السياسية في بلاده وضياع أوراقه الثبوتية مدة 18 عاماً في صالة الانتظار الرقم 1 في مطار شارل ديغول الدولي. أما مناسبة استذكار قصته فهو إعلان منظمة العفو الدولية مرور عام على وجود المواطن السوري فادي منصور في غرفة "الركاب المشكوك فيهم" في مطار أتاتورك في اسطنبول. فادي منصور في رواية ناصري تمر 18 عاماً يعتاد فيها الأخير حياة المطار ويحبها، وتنتشر قصته عبر العالم فيبدأ بتسلم رسائل الدعم، ويحظى بدعوات للجوء، ويكتب صحافي بريطاني مذكراته وتباع في المكتبات، وعندما تحل فرنسا قصته بعد 18 عاماً يرفض مغادرة المطار طوعاً، فيشخّص الأطباء إصابته باضطرابات نفسية وينقل إلى مركز للتشرد. في الفيلم تروي الأحداث حكاية مواطن من جمهورية كراكوجيا آت إلى الولايات المتحدة، وأثناء وجوده في الطائرة قادماً من بلده، التي ترفض أميركا الاعتراف بها، فيعلق في مطارها كشخص بلا جنسية لسنة قبل أن تعود الولايات المتحدة عن قرارها وتعترف مجدداً بكراكوجيا. يصور الفيلم في هذه السنة العلاقات الإنسانية التي ينسجها من يعيش في المطار في وضع مماثل، وكيف يتحكم بيومياته. وإن كانت الأفلام تأخذ طابعاً فكاهياً في بعض الأحيان مع قصص من هذا النوع، فإن واقع فادي منصور يخالف تماماً أي مظهر من مظاهر الفكاهة. إنه القهر ولا شيء آخر، يظهر في صورة منصور المنشورة وهو يحمل لافتة كتب عليها "عام كامل يكفي"، مذيلة بـ"#أريد_حريتي". الغرفة التي يظهر فيها منصور وصفتها "منظمة العفو الدولية" بأنها تفتقر لأبسط حقوق الإنسان إذ لا يوجد فيها سرير للنوم ولا ظروف العيش الانساني متوافرة، كما منع منصور من التعرض للهواء أو الضوء الطبيعي. وبحسب ما نقلت صحيفة "الاندبندنت" عن أقارب له بأنه يُنظر في طلب إعادته إلى سوريا على الرغم من المخاطر الأمنية، باعتبار أنه "سيموت مرة واحدة ويرتاح، بدل من الموت يومياً في المطار"، بينما دعت المنظمة السلطات التركية للإفراج عنه بحجة أن اعتقاله "وحشي وغير إنساني ينتهك حقوق الإنسان المحلية والدولية". وكان رصيف22 نشر تحقيقاً عن تلك الصالة التي خصصها الأمن التركي للمسافرين "غير المرغوب فيهم" على الأراضي التركية. وفي التحقيق الذي تحدث مع مسافرين يقيمون في الصالة، شهادات عن "رعب يسمّر الركب، وعن أناس لا يعرفون النوم، وعن تهم لا أساس لها من الصحة، وعن أمهات وأطفال…". فادي منصور، الذي فر من سوريا عام 2012 إلى لبنان فمنع من الدخول قبل أن يتوجه إلى تركيا ويعلق، كان واحداً ممن تحدثوا في ذلك التحقيق، وكان خلال إجرائه يمضي شهره الثامن، "يائساً ينتظر المجهول في هذا المكان البائس"، ولا يزال. وإن كانت الغرفة تضم أفراداً من جنسيات مختلفة، فللسوريين فيها الحصة الأكبر نتيجة الحرب وويلاتها، بينما يلف الغموض ما يجري وراء جدرانها حفاظاً على وجه تركيا السياحي ورفاهية مطارها الذي تعبق فيه الروائح الزكية، ويعج بالسياح من مختلف أنحاء العالم. قصة "توم هانكس السوري" ليست فريدة، فقبل عامين ضجّت وسائل الإعلام بقصة السوري وصفي تيسير الجرد الذي رحل من دبي بعد اتهامه بالاتجار بالمخدرات، وأعطي خيار السفر إلى أي بلد تقبله. فسافر إلى لبنان لكنه أعيد من المطار إلى دبي، ثم جرب حظه مع تركيا ففعلت الأمر نفسه. وجد الجرد نفسه عالقاً في المطار يعيش على شطيرة هامبرغر يومياً ويستحم في دورات المياه، حتى بات يتمنى العودة إلى السجن في دبي. لطالما عرفت المطارات بأنها محطة مؤقتة نعبر منها إلى أفق جديد، أو نعود عبرها إلى حلم قديم تركناه خلفنا. كل المطارات كانت شاهدة على كميات من الدموع المذروفة، لدى الوداع والاستقبال، لكن تلك الدموع التي يذرفها من يعيش تحوّل المؤقّت إلى دائم، ومن يصبح المطار مقره لا ممره، فقد تكون الأقسى. كثير من السافرين يتذمرون من تمضية ساعات طويلة في المطار في انتظار موعد طائرة ثانية يستقلونها، فكيف بمن ينتظرون عاماً كاملاً (دون جدوى) في انتظار وطن يضمهم حتى لو كان وطن لجوء؟  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image