أحمد ناجي، الكاتب المولود عام 1985، هو الآن في عنبر "الزراعة" في سجن طرة (شرق القاهرة).
مع دخول القضية في ماكينة التناول اليومي، لا يزال الإعلام المصري حائراً إذا كانت الكتابة إبداعاً أم خادشة للحياء؟ بينما الكتابة قد تكون إبداعاً يهدف لأن يكون خادشاً كذلك.
هذه لحظة عبثية في مصر، حبس كاتب لعامين بسبب ألفاظ وردت في نصه الأدبي، بينما لا يتناول الجدل في الميديا المصرية، كتابة هذا السجين، أو أفكاره ومشروعه الأدبي، ليبقى النقاش مقصوراً على القبول بتسمية ناجي الأعضاء التناسلية بهذه الألفاظ من عدمه!
[br/]الحياء يسجن
لا يزال المجتمع المصري محافظاً، بينما المشهد الأدبي تجاوز هذه الرؤى الرجعية. لنعترف أن نص أحمد كان منفلتاً، وفيما تعلو موجات التضامن بين الفنانين والكتّاب، تواجه هذه الموجات بحالة من التحفظ على استخدام هذه الألفاظ.
واقع بائس كشفته قضية ناجي، فحرية الإبداع ليست إلا وهماً. إذا نجا أي عمل أدبي أو فني من موجات التحفظ والاستياء، سيكون ضحية لترسانة القوانين الحاكمة لمصر.
أي كاتب مصري سجين مُحتمَل بسبب قوانين ترسم صورة حماية الدولة للأخلاق على حساب الحريات، المكفولة والمحمية بالدستور، لتكون هذه الوثيقة بلا قيمة فعلية!
في جلسة المحاكمة، يوم 20 فبراير الماضي، أكد وكيل النيابة أن الدستور لم يلغ المواد السابقة على صدوره، ليأتي الحكم بحسب المادة 178 من قانون العقوبات. خلال المحاكمة الأولى، كانت هيئة الدفاع عن ناجي طعنت سابقاً بعدم دستورية هذه المادة. وقد صدر حكمها، في 2 يناير، ببراءة الكاتب من دون النظر لما جاء بشأن عدم دستورية هذه المادة.
ينص الدستور على حماية حرية التعبير، وأن لا يعاقب المبدع بسبب علانية العمل الفني أو الإبداعي. إلا أن التربص بهذه الحريات يكمن في مواد قانون العقوبات، الذي يحتاج إلى فلترة عاجلة. مؤخراً تزايدت الوعود الحكومية بمراجعة هذه النصوص وتقديم تعديلات تشريعية للبرلمان، بينما جاء في حيثيات حكم الإدانة، الصادر عن محكمة جنح مستأنف في 7 مارس: "أي إبداع في ما سطره المتهم بكتابه من ألفاظ خادشة للحياء داعية لنشر الرذيلة والفجور". كما رأت أن الدستور لم يمنع العقوبة "بسبب صنع المنتج الخادش للحياء، وهو ما نسب للمتهم".
حبس أحمد ناجي كان درساً قاسياً، ليس له فحسب إنما لجميع كُتّاب مصر. منعت الدولة استخدام هذه الألفاظ، المتداولة بين الناس، إذ رأت المحكمة أن الكاتب ارتكب "جرماً" بدعوى حرية الإبداع والفكر. كأن مصر تعلن: ليتأدب الجميع.
[br/]
مكان خَرِبُ
قدم الكاتب روايتين، الأولى روجرز (2007)، والأحدث استخدام الحياة (2014). تفصل بينهما سبع سنوات، قضاها الكاتب في البحث عن نشأة العاصمة المصرية. كما قدم هذه المعرفة في شكل فني لافت،إذ يشارك ناجي في إنتاج هذا النص، الرسام أيمن الزرقاني، الذي تتقاطع رسومه مع الفصول المكتوبة، لنكون أمام رواية مرسومة لافتة في الأدب العربي. أما بالنسبة إلى أسلوب الكتابة، فالكاتب يدمج جماليات اللغة الفنية مع التعبيرات الدارجة والمستخدمة على شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات من قبلها، خصوصاً أن أحمد ينتمي إلى الجيل الأول للمدونين المصريين، عبر مدونته وسع خيالك.
تترجم "استخدام الحياة" حالياً للإنجليزية عن مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس الأمريكية، وستصدر ضمن سلسلة أصوات ناشئة من الشرق الأوسط.
جاءت الرواية في شكل مذكرات رجل عجوز، يستعيد وقائع غرق مدينة القاهرة بترتيب من جماعة سرية. تقدم الرواية الحياة في القاهرة بوصفها مكانا خَرِباً لم يعد ممكناً أن يرمم أو يصلح.
يخلط ناجي بين تقرير طويل يكتبه الراوي بسام بهجت، ووقائع تاريخية وأخرى فنية حول جماعات سرية تعمل على تغيير العالم، قررت جماعة منها تحويل مجرى نهر النيل لتغرق المدينة الحزينة، التي لا يبتسم أحد من سكانها. كما تتقاطع هذه الرواية مع تاريخ نشأة القاهرة. بينما تُرِك كل هذا، وتمسكت المحكمة بفصل منها نشر في جريدة "أخبار الأدب" الأسبوعية في أغسطس 2014. هذا الفصل يجسد جانباً من علاقة الراوي بالسيدة ملعقة.
خلال التحقيقات، قامت النيابة بتحرياتها لتبين طبيعة علاقة الكاتب بهذه الشخصية الفنية. كما كانت النيابة تنوي توجيه تهمة تعاطي الحشيش لناجي لأن بطل الرواية كان يدخنه، حسب ما جاء في شهادة رئيس تحرير أخبار الأدب طارق الطاهر في المحاكمة الأخيرة، المُدان في القضية نفسها بغرامة قدرها 10 آلاف جنيهاً (ما يزيد عن 1200 دولار) لنشره للنص.
تقدمت هيئة الدفاع عن ناجي للنائب العام المصري بطلب لوقف تنفيذ العقوبة، في 21 فبراير الماضي، للخطأ في تطبيق القانون. كما ستبدأ خطوات الطعن أمام محكمة النقض.
[br/]
"تلاميذ" ناجي
قبل سجنه، كان ناجي يعد كتاباً جديداً يضم عدة نصوص قصصية. "لغز المهرجان المشطور"، أول كتاب قصصي له، يحوي نصوصاً كتبت بين 2006 و2015. سيصدر هذا الكتاب قريباً، بينما كاتبه يدَوِّن نصوصه الجديدة خلسة، بعيداً عن رقابة السجان.
يُدرِّس الكاتب المدان بخدش الحياء، حالياً، الكتابة والقراءة للسجناء الأميين. سيكون هو معلمهم في السجن.
[br/]
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين