شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الكحول والسجائر في تونس... حين تتحكم الدولة بمزاج المواطنين

الكحول والسجائر في تونس... حين تتحكم الدولة بمزاج المواطنين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 18 يوليو 201603:43 م

كانت السنوات الأخيرة التي تلت ثورة يناير 2011 في تونس، أصعب فترة على المستوى الاقتصاديّ، إذ تدهورت مؤشّرات الاستهلاك والإنتاج في كل القطاعات، نتيجة ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائيّة للمواطن.

غير أن الكحول والسجائر حصراً حافظت على عرشها في سلمّ الاستهلاك، وهو ما أثبتته منشورات حكوميّة ودولية كان آخرها التقرير الصادر عن منظمّة الصحّة العالميّة. فقد رصد نسق استهلاك الجعة والخمور في مختلف دول العالم، حيث جاءت تونس في صدارة الدول العربيّة بمعدلّ استهلاك سنويّ تجاوز 26 ليتراً للفرد الواحد، بل تفوّقت على دول أوروبيّة، كفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

وبعكس جيرانها الأوروبيّين، لم تفرّط الدولة في هذا القطاع، بل تمسّكت باحتكار إنتاجه وتوزيعه ليتحوّل إلى أحد أهمّ موارد الدولة وآلية أساسيّة في تعديل عجز الموازنات العموميّة.

وزن قطاعي الخمور والتبغ في الاقتصاد

إنتاج النبيذ والخمور في تونس صناعة عريقة وأحد مقوّمات القطاع الفلاحيّ. وقد اشتهرت تونس منذ قرون بمزارع العنب والكروم المنتشرة في الشمال الشرقيّ للبلاد. وتطوّرت هذه الصناعة مع دخول الاستعمار الفرنسيّ، ووجّه أغلب إنتاجها إلى التصدير، خصوصاً للأسواق الفرنسيّة. أمّا بعد الاستقلال، فقد وضعت الدولة يدها على هذا القطاع خلال مرحلة بناء المؤسّسات العموميّة عبر شركة التبريد ومعمل الجعّة في تونس، الذّي يعتبر الهيكل المشرف على صناعة وتوزيع الكحوليات منذ تأسيسه سنة 1936.

أمّا التبغ، فقد احتكرت الدولة إنتاجه وتوزيعه منذ سنة 1964 عبر إنشاء الوكالة الوطنيّة للتبغ والوقيد التي تشرف على عمليّة الإنتاج عبر معمل تبغ القيروان وشبكة من الموزّعين الخاضعين للوكالة، بالإضافة إلى الإشراف على عمليّة الزرع والتجميع.

ويعود استمرار الدولة في التسيير، فضلاً عن الإشراف المباشر على هذين القطاعين ورفضها للخصخصة، إلى أهميّة إيرادات إنتاج وتوزيع الكحوليات والتبغ في تونس، إذ تشير إحصاءات وزارة التجارة التونسيّة إلى أنّ معدّل إنتاج الجعّة في تونس بلغ 180 مليون قارورة سنويّاً، بمقدار نموّ يناهز 15%. أما التبغ فقد بلغ إنتاجه السنويّ بمختلف الأصناف 1350 طنّاً، وعلى مستوى التصنيع تنتج مصانع التبغ في تونس 460 مليون علبة في السنة.

هذا الإنتاج الوافر والسوق النهمة مكّنا الدولة من تحقيق إيرادات ماليّة عالية، إذ تعود زراعة التبغ وانتاج الكحول في تونس على خزائن الدولة سنويّاً بما يقارب الـ671.136 مليون دولار، تتوزّع بين 413.728 مليون دولار من التبغ، و257.408 مليون دولار من المنتوجات الكحوليّة. وهو ما يعني أن هذه الأنشطة الاقتصاديّة تساهم بما يقدّر بـ7% من الناتج المحليّ.

وتشغّل صناعة الجعّة والخمور ما يقارب 100 ألف مواطن، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، سواء في مصانع الإنتاج أو القرى الفلاحيّة أو في الحانات والمطاعم، بالإضافة إلى نقاط البيع وأعوان التوزيع. هذا في حين يشغّل قطاع التبغ حوالي 20 ألفاً موزّعين بدورهم بين الأنشطة الزراعيّة ومصنع صناعة السجائر وأعوان التوزيع ونقاط البيع، بالإضافة إلى الأكشاك الخاصّة المرتبطة بالوكالة الوطنيّة.

التبغ والبيرة استهلاك محلي واسع

الإنتاج الضخم من المواد الكحوليّة والسجائر في تونس، لم يكن يوماً موجّهاً للتصدير فقط، وإن كان جزء منه قد حجز مكاناً له في الأسواق الأوروبيّة، فضلاً عن السوق الليبيّة بعد سقوط معمّر القذّافي. فالسوق المحليّة كفيلة أحياناً بامتصاص جزء كبير من الإنتاج، خصوصاً في المناسبات الكبرى كليلة رأس السنة والمواسم السياحيّة.

وبرغم وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم سنة 2011، وانتشار الخطاب الديني المتشدّد في الشارع التونسيّ، فإنّ مبيعات الكحول والتبغ اللذين تعدهما تلك الجماعات من المحرّمات، زادت بشكل ملحوظ بعد الثورة. وقد ارتفعت إيرادات مبيعات البيرة والخمور بين سنتي 2011 و2013 بنسبة 10% برغم رفع أسعارها مع الحكومات المتتالية بعد الثورة بما نسبته 20% خلال ثلاث سنوات. كذلك زادت أسعار السجائر في تونس بنسبة 40% بين سنتي 2010 و2014. برغم ذلك فإنّ نسق الاستهلاك لم يتراجع في ظل ظهور السوق الموازيّة، وتطوّر مبيعات السجائر المهرّبة التي، لتدنّي ثمنها، استأثرت بنصيب كبير من السوق الاستهلاكيّة بلغ 42%.

الطريف أنّه برغم خروج عشرات التظاهرات خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب حالة الغلاء العام وارتفاع نسبة التضخّم التي بلغت 10% بالنسبة للمواد الاستهلاكيّة الغذائيّة إلى جانب المحروقات والعقارات، فإن عشاق التبغ والبيرة قلما تذمّروا من ارتفاع الأسعار، وإن حصل بعض التململ، فإنهم سرعان ما يذعنون للواقع وينصاعون لحاجاتهم إلى جرعات النيكوتين والكحول لتجاوز القلق والغضب من الغلاء وضغوط المعيشة الصعبة أحياناً، ومن الفقر والبطالة أحياناً أخرى.

نشر هذا الموضوع على الموقع في 21.01.2015


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image