لا تكاد حدّة الصراع بين الدولة المغربية وجماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة تتراجع قليلاً، حتى تعود إلى سابق توترها. تتهم الجماعةُ المعارضةُ نظامَ الحكم بعدم تفويت أيّة فرصة أو مناسبة للتضييق عليها والحدّ من حرية نشطائها دون استغلالها، في محاولة منه لإخراس صوتها الرافض قبول اللعبة السياسية بشكلها الحالي.
في أحد آخر بياناته، شجب المجلس القطري للدائرة السياسية للجماعة "انفراد المؤسسة الملكية بكل مرافق الدولة وقراراتها، واحتكار ثروات البلاد، وإضعاف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين والاقتصاديين، بما يزيد من تمييع الحياة السياسية وتأزيم المشهد الاقتصادي وتهديد مستقبل البلاد وعرقلة التنمية". كذلك انتقد التعاطي الرسمي بخصوص ملف الصحراء الغربية... في بيان واحد كاد ينتقد جميع سياسات المملكة. الصراع على الإحصاءوكان سحب أسماء عدد من الأعضاء المنتمين إلى الجماعة من قائمة المشاركين في عملية الإحصاء السكاني العام، في أغسطس الماضي، قد شكّل آخر فصول الصراع الممتد منذ سنوات الثمانينيات بينها وبين الدولة. اعتبرت الجماعة المعارضة الأكثر تنظيماً وقدرةً على الحشد، والتي أسسها الشيخ الراحل عبد السلام ياسين، أن حرمان أعضائها المشاركة في عملية التعداد السكاني، برغم قبول أسمائهم في البداية، ما هو إلا دليل على سياسة الدولة الهادفة إلى التضييق على المنتسبين إليها.
يُضاف هذا الخلاف إلى سلسلة من الأفعال وردود الأفعال التي طبعت سنوات من الصراع. ويبقى ما يعرف إعلامياً بـ"حرب الشواطىء" أشهر تجليات هذا الصراع. فكل سنة، تتجدد محاولات أعضاء الجماعة الإسلامية إقامة مخيمات صيفية إسلامية خاصة بهم تحترم مقتضيات الشريعة والهوية المغربية، غير أن هذه المحاولات تواجه قرارات تقضي بمنعها، وذلك منذ أن قرر وزير الداخلية الراحل أحمد الميداوي، سنة 2000، منع "المصايف الإسلامية".
يومذاك، أعلن الوزير أنه "ليس من حق أي أحد أن ينصب نفسه وصيّاً على العقيدة الإسلامية" وأنه "لا وجود لشواطئ إسلامية وأخرى غير إسلامية". واعتبر أنه "لا يمكن لأي أحد أن يفرض على الآخرين فهمه وتأويله الخاص للشريعة الإسلامية وأحكامها" متّهماً الجماعة بحشر الأطفال والسيدات و"شحنهم بأفكار منحرفة". أما الجماعة فترى أن من حقها التخييم بالطريقة التي تفضلها وتتهم الدولة بمحاولة فرض نمط ثقافي وسياحي وحيد ومعزول. إلى "المصايف الإسلامية" الخاصة بالجماعة، تطفو إلى السطح أزمة سنوية أخرى هي أزمة "الاعتكاف في المساجد" خلال شهر رمضان. فبينما تفرض الدولة المغربية شروطاً تنظم عملية الاعتكاف بالتنسيق مع السلطات الأمنية وتشترط لذلك إرسال طلب مكتوب والتحقق من هوية طالبي الاعتكاف، تعتبر الجماعة أن هذه الإجراءات المتشددة متعمدة وتستهدف حق أعضائها في أداء هذه الشعيرة الدينية وتكرس احتكار الدولة للشأن الديني. مجابهة أخلاقيةوتتهم العدل والإحسان الأجهزة الأمنية بالعمل على تشويه صورة الجماعة في أوساط المجتمع المغربي، عبر تلفيق ملفات وقضايا خيانة زوجية لعدد من أعضائها. وكانت آخر تلك الحالات اعتقال أحد أعضاء الجماعة في مدينة الخميسات بتهمة خيانة زوجته وتسريب شريط فيديو يظهر عملية الاعتقال، قبل أن يتمّ الإفراج عنه. وسبقتها حالات مشابهة تبقى أشهرها: حالة المنشد الشهير رشيد غلام، وحالة القيادية هند زروق قبل سنتين في فاس، كما برزت أخيراً قضية الشاعر منير الركراكي، عضو مجلس إرشاد الجماعة، الذي يحاكم بسبب كتابته قصيدة شعرية يتضامن فيها مع عدد من معتقلي الجماعة في فاس.
على هذه الممارسات، علّق عمر إحرشان قائلاً إن المتتبع للنتائج النهائية لهذه الملفات سرعان ما يتأكد له أنها مفبركة. وقال: "ملف الفنان رشيد غلام انتهى بصدور حكم نهائي ببراءته مما لفق له، وهذا هو حال كل الملفات الأخيرة مثل الخميسات ومراكش. ما يدفعه هؤلاء الإخوة هو ضريبة الانتماء إلى الجماعة وضريبة كونهم معارضين حقيقيين للنظام السياسي في المغرب". وأكد أن "استهداف الجماعة بهذه الملفات سببه محاولة النيل من صدقيتها لدى الشعب". ولكن، في رأيه، "دائماً تأتي النتائج عكسية" و"لو كانت هذه السلطة حريصة على الأخلاق لتصدّت لأوكار الدعارة ولما أفرجت عن المدانين بأحكام قضائية بسبب جرائم اغتصاب أطفال". أما الباحث منتصر حمادة فقد رأى أن هذه الاعتقالات "معضلة أخلاقية تعني الجماعة بالأساس والدولة بدرجة أقل. فالجماعة توهم الرأي العام بأن جميع أعضائها يكادون يكونون طهرانيين ومعصومين من التورط في زلات أخلاقية تندرج في إطار الطبيعة البشرية. في حين توظّف الدولة بعض هذه الحوادث لنقد مشروع الجماعة". لا عدالة ولا تنميةتجدر الإشارة إلى أن الجماعة المحظورة شكلت أحد أبرز مكونات حركة "20 فبراير" التي مثلت النسخة المغربية لـ"الربيع العربي" وقادت حملة مقاطعة للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أعلنها الملك نهاية 2011. فهي ترفض الاعتراف بشرعية النظام الملكي وتنتقد تفرّد الملك بالسلطة والقرارات والثروات، كما ترى أن الوضع الحقوقي في المغرب متردٍ وأن هناك تضييقاً كبيراً على حرية التعبير والرأي.
وتتميز العلاقة بين جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي بجفاء يعتبر امتداداً لصراع إيديولوجي طويل بين التنظيمين. هذا الجفاء يجد جذوره في الافتراق العقائدي بين الجماعة بصفتها حركة صوفية متوغلة في السياسية وبين حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية. وتختلف رؤى وتصورات كل من الحركتين للشأن العام. فبينما تؤمن العدل والإحسان بفكرة "القومة" (الثورة) لتحقيق التغيير السياسي، يتبنى حزب العدالة والتنمية فكرة الإصلاح من الداخل. ولا ترى الجماعة في تجربة إسلاميي العدالة والتنمية في الحكومة أيّة إيجابية ما دامت المنظومة لم تتغير. وتعدّ مؤسسة الحكومة مسخرة وتفضّل توجيه سهام النقد مباشرة إلى المؤسسة الملكية. وفي الجهة المقابلة يعتبر إسلاميو العدالة والتنمية الجماعة تنظيماً عدمياً عليه حسم خياراته، وهو ما عكسه تصريح لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران قبل بضعة أسابيع، قال فيه إن العدل والإحسان أمامها ثلاثة خيارات، "إما أن تشارك في العمل السياسي أو تدخل في صراع مع السلطة أو تبقى جماعة كبيرة، تستعرض قوتها، كلما اقتضت الضرورة". ولفت إلى أن خيار الانتظار خارج المؤسسات السياسية حتى يتحسن الوضع والحالة الاجتماعية وحتى القضاء على الفساد هو "خيار غير منطقي". مصدر الصورة: أ ف برصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...