تصاعدت في المغرب في السنوات الأخيرة أصواتُ بعض المثقفين والسياسيين مطالبةً باسقاط كلمة "عربي" من "اتحاد المغرب العربي" والاكتفاء بتعبير "المغرب الكبير". كما عمدت بعض المنظمات، لا سيما الأمازيغية منها، إلى المطالبة بحذف كلمة "عربي" من الحراك الاجتماعي المعروف "بالربيع العربي" الذي انطلق من تونس وأسقط أنظمة سياسية في هذه البلدان. ترى هذه النخبة أن الإبقاء على كلمة "عربي" فيه إقصاء لشعوب المنطقة التي لا يدخل في تركبيتها العرقية العنصر العربي فقط.
فاجأ سعد الدين العثماني، وزير الخارجية المغربي السابق والقيادي بحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة الحالية، الرأي العام المغربي عندما دعا أكثر من مرة إلى تبنّي مصطلح المغرب الكبير بدلاً من مصطلح المغرب العربي. وقال في تصريحات صحافية: "مصطلح المغرب العربي لا يتماشى مع الدستور الجديد خصوصاً أن هنالك في دول الاتحاد المغاربي كثيراً من الأمازيغ، وهم يشكّلون الأغلبية".
ورد في الدستور المغربي الذي نقّح لأول مرة عام 2011 مصطلح "المغرب الكبير" مكان "المغرب العربي"، في محاولة لإقرار مزيد من الحقوق للفئات الأمازيغية في البلاد، كجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
يلفت رشيد رخا، المناضل عن الحركة الأمازيغية المغربية والعضو في "التجمع العالمي الأمازيغي"، إلى أن "الدستور المغربي الجديد متقدم بخصوص المسألة الأمازيغية مقارنة بالدساتير السابقة، لكن ذلك غير كاف إذ لا بدّ من تفعيل القوانين وإخراجها إلى حيز التطبيق".
إن مصطلح "المغرب العربي"، بحسب رخا، عنصري ويقصي عشرات الملايين من الأمازيغ في المغرب وشمال أفريقيا. يقول: "يجدر استعمال مصطلح "شمال أفريقيا والشرق الأوسط" عوضاً عن مصطلحات كثيرة رائجة مثل الشعوب العربية والأمة العربية وغيرهما من التسميات التي تحيل على أحادية لغوية وإثنية وعرقية غير صحيحة. كما أن التغيير في المصطلحات يجب أن يشمل جميع المواضيع التي ترتبط بالمنطقة بأسرها. يفضّل مثلاً أن يحل محل مصطلح "الربيع العربي" مصطلع "الربيع الديموقراطي".
في الإطار نفسه، يعتبر أحمد عصيد، الباحث في "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" والناشط الحقوقي، أن "مصطلح المغرب العربي" يحيل على سياق استعماري يرجع إلى فترات التحرر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، عندما قسّم زعيم القومية العربية شكيب أرسلان مناطق التحرر في المنطقة إلى منطقتين، منطقة المشرق العربي والمغرب العربي. فبعد خروج الاستعمار "كل جهة أخذت تعمل جاهدة للهيمنة ولكي تتبوأ مكانتها في الدولة المستقلة حديثاً".
تنطلق هذه الرغبة المشروعة بتغيير المصطلحات من صراع يتخذ بعداً أعمق في المجتمع المغربي. يرفض عدد من النشطاء الأمازيغ مثلاً الحديث عن اندماج العنصر العربي والأمازيغي ليتكوّن بذلك الانسان المغربي باعتبار أن الأمازيغ كانوا في شمال أفريقيا قبل العرب الذين قدموا مع الفتوحات الإسلامية، وأن ظلماً طالهم عبر الزمن مع سيطرة اللغة والحضارة العربية على المنطقة متناسية فضل الأمازيغية. يقول رخا "حتى التقاليد والعادات المهيمنة على المغرب هي في مجملها في الأصل أمازيغية في حين أن التأثيرات العربية في المغرب ضعيفة".
يشكل الأمازيغ نحو 60% من سكان المغرب إلا أن عدداً من المهتمين يرون أن العرب والأمازيغ، بالإضافة إلى مكونات أخرى من المجتمع المغربي كالأندلسيين والأفارقة، انصهروا عبر التاريخ وكوّنوا الهوية المغربية.
ازدهرت الحركة الأمازيغية في المغرب مع صعود العاهل المغربي محمد السادس إلى العرش إذ استعادوا بعض حقوقهم، على عكس عهد أبيه الملك الراحل الحسن الثاني. أنشأ معهداً خاصاً بالثقافة الأمازيغية، همّه البحث في شؤون اللغة والثقافة الأمازيغية وكذلك الحرص على لمّ شمل حرف الكتابة الأمازيغية المسمى "تيفيناغ"، كما يسعى المعهد إلى توحيد اللهجات الأمازيغية الثلاث المعروفة في المغرب، وهي "الريفية" و"الشلحة" و"السوسية".
ينفتح العاهل المغربي الحالي أكثر فأكثر على التنوع المغربي. التقط بعض المتتبعين إشارته في خطاب ألقاه في البرلمان التونسي عند زيارته تونس في يونيو الماضي، إلى مصطلح "المغرب الكبير" بدل "المغرب العربي" على أنها إشارة إيجابية تحترم مقتضيات الدستور الجديد.
علماً أن اتحاد" المغرب العربي" أو "المغرب الكبير" الذي تأسس عام 1989 يضمّ بالإضافة إلى المغرب، كلاً من تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا ولم يجتمع قادته سوى مرة واحدة بسبب النزاع على الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر.
في مقابل هذا المنحى، يدافع فؤاد بو علي، الأكاديمي المغربي ورئيس "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية" عن العروبة باعتبارها مكوّن هوياتي في المغرب وفي المنطقة. يقول لرصيف 22 "هذه النزعة العرقية الاستئصالية تربط فكرة العرب بالجنس" مضيفاً أن "العروبة هنا مكون هوياتي ضمن التعدد الذي عرفته شعوب هذه المنطقة. وهي منحت المغرب عمقاً استراتيجياً سواء في علاقاته مع أوروبا أو مع المشرق العربي. إذا أردنا أن نتخلى أو نستغني عن العمق العربي فسنتحدث عن مغرب منزوٍ داخل زاويته القطرية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...