"تحقيق رفاهية المواطنين وإسعادهم" هو الهدف الأول ضمن 6 أهداف وضعتها حكومة الإمارات في خطتها لعام 2021، وتخصيص وزارة للسعادة كان خطوة ضمن عدة مسارات لتحقيق ذلك. مزيج من المشاعر استقبل فيه العالم العربي ذلك الخبر، تراوحت بين الفخر والتحسّر. الفخر كون الإمارات ستكون الدولة العربية الأولى التي تهتم رسمياً بسعادة مواطنيها، والتحسر كون السعادة في رقعة كبيرة من العالم العربي لاتزال تعني للكثيرين توفرالخدمات الأساسية في الحياة كالماء والكهرباء والرعاية الصحية.
على الرغم من مفاجأة الخطوة لنا نحن العرب، فإن الحقيقة أن توجه الإمارات جاء متماشياً مع التوجه العالمي الذي بدأ رسمياً عام 2012، عند إصدار التقرير الرسمي الأول للرفاهية الشخصية برعاية الأمم المتحدة، والذي يقيس بشكل علمي مدى سعادة الشعوب. بعده تمت دعوة جميع الدول الأعضاء للاستفادة من المعلومات الواردة في الدراسة فيوضع الاستراتيجيات والسياسات العامة للبلاد. منذ ذلك الحين مازال معيار تحقيق السعادة للمواطنين ينمو ليصبح تدريجياً هو المقياس الأساسي لقياس التقدم الاجتماعي، وبدأت الدول تخصص له وزارات وهيئات مستقلة لمتابعته. بدأت في ألمانيا والدنمارك وكوريا الجنوبية، ولن تنتهي في الإمارات العربية المتحدة.
السؤال الذي يطرح هنا، كيف يمكن للدولة معرفة إذا كنت سعيداً أم لا، وهل هناك مقياس رقمي تعتمده الحكومات في معرفة مدى نجاحها أو إخفاقها في تحقيق السعادة لمواطنيها؟
عوامل الرفاهية الشخصية
يقترح تقرير الرفاهية في نسخته الأخيرة عام 2015، 6 عوامل لقياس كمية السعادة، بعضها رقمي والآخر حسي. العوامل هي نصيب الفرد من الناتج المحلي لبلده (الدخل الفردي)، ومستوى الدعم الاجتماعي، ويقاس بعدد الأشخاص الذين يمكن أن تلجأ لهم وتطلب منهم المساعدة حين تواجهك مشكلة أو كارثة، والحرية في اتخاذ قرارات حياتك دون التعرض للضغط، ومدى إنفاقك على الأعمال الخيرية، الذي يجعلك تشعر بالرضا، والفساد، وهو نسبة الفساد التي تعتقد أنها تؤثر سلباً في الأعمال والحكومة في بلدك.
كما يدخل في العوامل عامل العواطف الإيجابية التي تنتابك خلال يومك العادي، وهي مقدار ما تمارسه من الضحك، والسرور، والشعور بالراحة الجسدية، والشعور بالأمان، والشعور بالحماسة تجاه ما تقوم به من أفعال. أما العواطف السلبية فتشمل مقدار ما تشعر به خلال يومك من قلق، وضغط، وحزن، وغضب، وإحباط، وتعب جسدي.
هل الشرق الأوسط سعيد؟
تم قياس العومل السابقة على مقياس من واحد إلى عشرة، من خلال إحصاءات شملت جميع دول العالم، في ما يلي قيم السعادة وتغيراتها في دول الشرق الأوسط.
تتصدر إسرائيل دول الشرق الأوسط في معدل سعادة الشعوب، تليها الإمارات الأولى عربياً، وسوريا في المرتبة الأخيرة عربياً وعالمياً. الدول العشر التي تسبق سوريا عالمياً جميعها دول إفريقية، بالإضافة لأفغانستان، وجميعها تعاني من حروب وعدم استقرار اجتماعي وسياسي. أما الدول العشر الأولى على مستوى العالم، فجميعها دول أوروبا الغربية. ويذكر أن الدخل الفردي يساهم بما مقداره الثلث تقريباً من مجموع العوامل الأخرى المسببة للسعادة، يليه في الأهمية عامل الشعور بالدعم الاجتماعي والشعور بالأمان.
هل تطورت الدول العربية في تحقيق السعادة في العقد الأخير؟
من خلال تغييرات السعادة خلال السنوات العشر الماضية، يلاحظأن الكويت والإمارات هما الدولتان الوحيدتان اللتان حققتا تغيراً إيجابياً في تحقيق السعادة لمجتمعاتهما، بينما قلت مستويات سعادة الشعوب العربية في كل من السعودية والأردن ولبنان ومصر واليمن، ولم تتوفر معلومات عن بقية الدول.
على المستوى العالمي كانت دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية في قائمة الدول التي حقق تتغييرات إيجابية في تحقيق السعادة لشعوبها، ولم تحقق الدول العشر الأكثر سعادة في العالم أي تقدم يذكرلشعوبها في هذا المجال، بل حافظت على مستويات السعادة فيها في السنوات العشر الماضية. وبالمقابل فإن الدول العشر الأكثر هبوطاً في مستويات السعادة على مستوى العالم كانت اليونان وإيطاليا وإسبانيا، بسبب المشاكل الاقتصادية التي عصفت بها. بقية القائمة كانت دول إفريقية ودول في الشرق الأوسط، تعاني من حروب ومن عدم استقرار اقتصادي وسياسي.
هل الرجال العرب أكثر سعادة من النساء؟
تعرض تقرير الرفاهية أيضاً لتغير السعادة بحسب العمر والجنس، فتبين أن الشرق الأوسط هو أكثر مناطق العالم إظهاراً للفرق بين الرجال والنساء في مقدار السعادة. النساء عموماً أكثر سعادةً من الرجال في الشرق الأوسط، ويكون الفرق بكمية السعادة أكبر بين الجنسين في عمر العشرين، ثم يبدأ الفرق بالتقلص مع التقدم بالعمر، ويبقى نصيب النساء أكبر. أقاليم أخرى شملتها الدراسة أظهرت أن الأفراد يحافظون على مستوى سعادة واحد تقريباً خلال حياتهم دون زيادة أو نقضان يذكر، مثل دول غرب آسيا.
كيف يشعر العرب بالسعادة؟
المشاعر الإيجابية التي تم احتسابها لتقدير قيمة السعادة في الجدول السابق شملت ما يلي:
الابتسامة والضحك
المستوى العام للضحك عند مواطن دول الشرق الاوسط يتدنى مع التقدم في العمر، وقد بدت النساء أكثر ممارسةً للضحك في النصف الأول من العمر حتى بداية الأربعين، ليعود الرجال ويضحكوا أكثرمن النساء بعد الأربعين.
الراحة الجسدية
بالنسبة إلى الراحة الجسدية، أظهر المخطط أن الرجال تحت الثلاثين يبدون أكثر تعباً من النساء في العمر نفسه، وفي حوالي الخمسين ينعكس المخطط البياني ليصبح الرجال أكثر راحةً على حساب النساء مع التقدم في العمر.
الشعور بالأمان
هناك فرق كبير بن الجنسين من ناحية الشعور بالأمان ليلاً، فأبدت النساء في دول الشرق الأوسط دائماً قلقاً وعدم شعور بالأمان مقارنة بالرجال الذين بدوا أكثر شعوراً بالأمان على طول المخطط العمري، وكان الشرق الأوسط أكثر المناطق التي تشعر فيها النساء بعدم الأمان مقارنةً مع دول أخرى من العالم.
الشعور بالحماس
أظهر التقرير أن الرجال عموماً أكثر حماس لعمل أشياء تثير اهتمامهم من النساء، يزداد حماس الرجال العرب بشكل أكبر بعد الأربعين ثم يعود ويقل مع التقدم بالعمر.
أما المشاعر السلبية التي تمت دراستها في الجدول السابق فكان أهمها:
الشعور بالغضب
بالرغم من أن الشائع هو أن الرجل الشرق أوسطي سريع الغضب أو أكثر غضباً من المرأة، إلا أن الدراسة أظهرت أنه في معظم المراحل العمرية تكون المرأة العربية أكثرعرضة لمشاعر الغضب من الرجل، ويكون شعور الغضب في أعظم درجة له بين الثلاثين والأربعين ثم ينخفض تدرجياً لدى الجنسين مع التقدم بالعمر، ويكون أكثر انخفاضاً عند المرأة بين الستين والسبعين.
الشعور بالقلق
تتشارك الشعوب الشرق أوسطية مع شعوب أمريكا اللاتنية بأنها تتعرض لأكبر نسبة من القلق في العالم، كون القلق في أعلى معدلاته عند الجنسين بين سن الأربعين والخمسين، وتكون النساء أكثر قلقاً من الرجال، ثم يبدأ بالتناقص تدريجياً لدى تقدم العمر، مع حفاظ النساء على نسبة القلق الأعلى.
الشعور بالإحباط
تفوقت النساء العربيات على الرجال مجدداً في مشاعرالإحباط، إذ إن كلا الجنسين يبدآن بالشعور بالإحباط في مطلع العشرين بالمستوى نفسه تقريباً، إلا أن معدل الإحباط يزداد بشكل ملحوظ عند النساء عند بلوغ الثلاثين، ويستمر بالازدياد مع تقدم العمر، في حين أن مستويات الإحباط عند الرجال تبلغ حدها الأقصى بين العشرين والثلاثين ثم تبدأ بالانخفاض مع تقدم العمر.
الشعور بالألم
الفجوة كانت كبيرة بين النساء والرجال لناحية الشعور بالألم في الشرق الأوسط مقارنة مع دول العالم الأخرى، ففي بقية الدول أظهرت النساء عموماً شعوراً بالألم أكثر من الرجال، ولكن الفرق الأكبر بين الجنسين كان في منطقة الشرق الأوسط. شعورالألم الجسدي هو بالطبع شعور متزايد مع التقدم بالعمر لكلا الجنسين.
لعل السؤال الذي يطرح الآن ما هو الشيء الذي يجعل دولاً ما تحقق أرقاماً متقدمة في زيادة مستوى السعادة عن غيرها من الدول الأخرى، هل هو التطور الاقتصادي والدخل المادي للفرد؟ هناك دول ذات اقتصادات عملاقة، لكن شعوبها تأتي في أسفل جدول السعادة. يجيب التقرير عن ذلك السؤال بأن النسيج الاجتماعي للدول هو العامل الأكبر في تحقيق السعادة للأفراد، وهو يتمثل في الثقة بمؤسسات الدولة، وهو يشكل سد المقاومة المنيع الذي تستخدمه الشعوب تجاه ما يواجهها من هزات سياسية أو اقتصادية، النسيج الاجتماعي القوي يمكن أن يزيد من مستوى سعادة الفرد لأنه يمكن الأفراد من العمل معاً لخدمة غاية سامية تحقق مصالحهم جميعاً وتجعلهم يشعرون أنهم جزء من مجتمع يهتم بهم ويرعاهم. فقدان الثقة بالمؤسسات وبالمجتمع هو من أهم الاسباب التي تجلب التعاسة للفرد، وعلى المدى الطويل للمجتمع والدولة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...