نالت ظاهرة "التدريب على الحياة" أو “Life Coaching” قدراً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام، وأصبح "المدربون على الحياة" مصدراً معروفاً لتقديم الدعم النفسي. هكذا، صار في إمكان المتدربين إعادة توجيه خططهم، لتوليد أفكار فعالة، وتطوير وعيهم الذاتي، مما يؤدي إلى نتيجة واحدة إسمها السعادة!
التعريف الأكثر شيوعاً للتدريب علی الحياة هو شراكة بين المدرب والمتدرب في منهج يحفز الأخير علی التفكير والإبداع ويلهمه تطوير قدراته الشخصية والمهنية. يمكن تقفي أثر التدريب المعاصر على الحياة في تعاليم بنيامين كارتر Benjamin Karter، الذي تحول من مدرب لكرة القدم إلى محاضر لتحفيز الجماهير في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
بعد ذلك، بدأ هذا النوع من التدريب يظهر في المنظمات عام 1980 لمساعدة المديرين التنفيذيين على تحسين طريقة تفاعلهم مع موظفيهم. هكذا، تطور مفهوم التدريب التنفيذي ليشمل العلاقات والصلات الحميمة، التخطيط الوظيفي والتنمية، وكذلك الشؤون المالية وإعداد الموازنات، الإبداع، إضافة إلى الرعاية الذاتية.
تؤكد الإحصاءات أن التدريب بات ثاني أسرع صناعة نمواً في العالم بمعدل 18٪ سنوياً، ليساوي 2.4 مليار دولار. حتى أن الشركات المالية الكبيرة في القرن 21 تضيف التدريب على الحياة إلى برامجها لمساعدة الموظفين، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث تشير تقديرات بيانات السوق أن 40.000 شخص يعملون مدربين هناك، في حين يستمر تزايد وازدهار هذه الصناعة في المملكة المتحدة واستراليا.
يعود سبب هذه القدرة التنافسية العالية إلى نمو الطلب على خدمات تقدمها صناعة غير منظمة في ظل غياب هيئة إدارية للتدريب على الحياة، كما هو الحال بالنسبة للأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين. فالرخصة غير ضرورية، وكذلك العقود بين المدربين والمتدربين لديهم. لكن ذلك لا يمنع وجود عدد من المنظمات التي تأسست لوضع معايير محددة وهيكلية لهذا المجال، أهمها اتحاد المدربين الدولي ICF في الولايات المتحدة. ويقدر عدد المدربين الأعضاء فيه بـ 17000 في 90 بلداً. إضافة إلى ذلك، هناك اتحاد التدريب العربي ACF، وجمعية المدرب اللبناني LCA.
بالرغم من الفرق بين المجتمع الغربي، حيث لا يخجل الفرد من البوح بمشاكله، ومجتمعنا الشرقي، حيث تكبر مساحة العيب والممنوع؛ ظهرت اتحادات عربية ومدربون فرديون، تحاول أن تنهض بالفرد في حقبة تشهد ربيعاً عربياً مسروقاً على صعيد السياسة والاقتصاد والإنسان. الملاحظ في منطقتنا أن أكثر زبائن التدريب نساء ثريات في منتصف عمرهن، كما أن 70٪ من مشتري الكتب التحفيزية والمشاركين في الندوات، أو الجلسات الانفرادية (one to one coaching) هن من النساء أيضاً.
مما لا يختلف عليه إثنان، أن هذا العلم، أو الظاهرة، أو سمِّها ما شئت، باتت أمراً واقعاً، سواء لمن أراد امتهانها لامتلاكه بالفطرة نزعة النصح والإرشاد، أو لمن أراد أن يلجأ لها ويعيد ترتيب حياته.
ما الخطأ في منهج يساعد الناس على تحديد وتحقيق الأهداف الشخصية ولو اختلف عن الوسائل التقليدية كالطب النفسي؟ البحث عن السعادة ليس حكراً علی أحد! نحو 500 شخص، من فئات عمرية تتراوح بين الـ 18 و الـ60 عاماً، حضروا ندوة "القرارات تصنع المصير" أو Decisions Make Destinies في بيروت في العاشر من إبريل هذا العام. البعض دخل على أمل أن يجد حلاً "سحرياً" لمشاكله، والبعض الآخر بدى عابساً كأنه يخجل من أن يكتشف الآخرون وجوده في هذا المكان.
أسأل شاباً يجلس بقربي: لماذا أتيت؟ يجيب مبتسماً: "الإحباط". إنه أكثر العوائق تأثيراً في وجه تحقيق ذواتنا في مجتمعنا العربي. ما إن سألت الشاب عن مهنته، حتى افتتح المدرب على الحياة، هادي صفا، ندوته بالسؤال: لو لم يكن من أجل المال، ماذا كنت اخترت مهنة لك؟ الجمهور يفكر، والإجابات تصب في الخانة نفسها: الشغف. هذه تتمنى لو كانت مذيعة، وذاك يحلم أن يكون لاعب كرة قدم مثل ميسّي.
يضع هادي السؤال الأصعب: إذن، لماذا لا نمتهن هواياتنا؟ تقاطعه امرأة: لكن الظروف أقوى منا أحياناً! فيبادرها هادي: في الأوقات العصيبة نميل إلى الاستسلام لفكرة أن لشيء ما تأثيراً قوياً على حياتنا نسميه "الظروف"، فيرمي العقل الباطن باللوم على أي شيء أو شخص إلا على أنفسنا، كي ينعم ضميرنا بالراحة. يقف رجل ثلاثيني: لماذا تتحدث كأنك لم تشعر بالإحباط قط؟ فيسأله هادي بهدوء: ما هو الحادث الذي جعلك تشعر بالإحباط العام الماضي؟ يقول الرجل: فسخت خطوبتي. يرد عليه: كيف تشعر الآن؟ يجيبه: أنا بألف خير. يبادره هادي: ألست تضحك الآن؟ ماذا لو قررت أن تضحك عن ذلك في حينه بما أنك تعرف أنك ستضحك لاحقاً؟
تمر الساعات الثلاث بسرعة؛ فالبحث عن السعادة هو الشغف الذي جمعنا. يختم هادي بالقول: معتقداتك لديها القدرة على خلقك أو تدميرك، انظرْ إلى نفسك، ما أنت عليه اليوم هو بسبب ما اتخذته من قرارات بالأمس، ارسمْ طريقك، اتخذ القرار وامض نحوه. كل ما تحلم به ابدأه الآن، ففي الجرأة عبقرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين