شهدت مصر خلال الأعوام الأربعة الأخيرة تغيرات سياسية واجتماعية نجم عنها دخول أشخاص كثر غمار السياسة. من بين هؤلاء، مشاهير سببت مواقفهم كابوساً لبعضهم، ومصدراً رئيسياً لنيل المزيد من الشعبية لبعضهم الآخر.
منذ اليوم الأول للثورة، حدث انقسام بين المشاهير على الطرف الذي ينبغي تأييده، وعاشوا صراعاً داخلياً بين خيار الالتحاق بالشباب الثائرين، وهو جمهورهم، وبين خيار مناصرة النظام الذي لم يكن من المؤكد سقوطه. هكذا قرّر مثقفون وفنانون ورياضيون المشاركة في الحياة السياسة وتأييد أحد الاطراف المتنازعة، فشكلت مواقفهم عنصراً أساسياً في حكم الرأي العام عليهم.فنانو الثورة
اختار العديد من الفنانين مناصرة الثورة وتحولوا إلى رموز ثورية وحصدوا احترام المتجمهرين في الساحات. وفي مقدّم هؤلاء الفنانين، المطرب محمد منير الذي أنتج أغنيته "إزاي" لتصير أغنية الثورة محققاً شعبية غير مسبوقة جعلته يتصدر نجوم الصف الأول خلال الأعوام التالية للثورة.
وحصل الشاعر المعروف عبد الرحمن الأبنودي على شعبية كبيرة بعد قصيدته الثورية "الميدان". كما انعكست مشاركة بعض الفنانين في التظاهرات إيجاباً على شعبيتهم وعلى نجاح أعمالهم الفنية. فتحول الممثل خالد أبو النجا إلى نجم شباك التذاكر وحقق فيلمه "ميكروفون" نجاحاً باهراً بعد موقفه المؤيد للثورة ومشاركته في تظاهرات ميدان التحرير، وتأكيده أنه لن يتخلى عن موقفه الداعي إلى رحيل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك كون سنوات حكمه كانت عنواناً للظلم السياسي وشاهدة على اعتقال شخصيات مرموقة.
لم يكن أبو النجا الوحيد الذي جازف عندما تظاهر ضد نظام مبارك قبل أن يسقط. فالممثل خالد الصاوي شارك في التظاهرات المناهضة للنظام، بل قاد تحركات للشباب والفنانين أمام نقابة المهن التمثيلية. وكان من بين مشاهير الشاشة الذين توافدوا إلى ميدان التحرير مطالبين بتنحية مبارك كلّ من عمرو واكد ومنى زكي وآسر ياسين وأحمد عيد وغيرهم.فنانو مبارك
في المقابل، أعلن فنانون دعمهم الكامل للرئيس مبارك ونزلوا إلى الميادين بمبادرات شخصية أو باتفاقات مع السلطة، لحثّ الشباب على الخروج منها. كذلك تهجموا على ثوار التحرير في وسائل الإعلام وحاولوا تصويرهم كمخربين. وهذا ما أدى إلى تعرض بعضهم للضرب. أبرز هؤلاء الفنانان تامر حسني ومحمد فؤاد.
هذه المواقف دفعت تيارات ثورية إلى نشر قائمة بأسماء الفنانين والرياضيين الذين ينبغي مقاطعتهم بسبب موقفهم السياسي المنحاز إلى مبارك وذلك تحت اسم "القائمة السوداء للفنانين المصريين". وتصدرت القائمة أسماء مثل عمرو مصطفى، الذي وصف المتظاهرين بالخونة وأعلن أن مبارك هو والده بل أصبح من قادة حركة "إحنا آسفين يا ريس". كذلك تضمنت القائمة اسم الفنان طلعت زكريا. ولم يكن مستغرباً أن يقف بطل فيلم "طباخ الريس" في صف الرئيس مبارك وأن يتهم المتظاهرين بارتكاب تجاوزات أخلاقية. هذه التصريحات جعلته يتعرض للضرب من قِبل المتظاهرين الذين شنّوا حملات مقاطعة لفيلمه "الفيل في المنديل"، الصادر آنذاك.
إلهام شاهين كانت أيضاً في عداد الأصوات التي دافعت عن مبارك. ففي لقاء تلفزيوني قالت: "عيب أن نقول للرئيس مبارك إرحل بهذه الطريقة وننسى كثيراً من الخدمات التي قدمها لمصر". كذلك كان موقف عادل إمام الذي وصف التظاهرات بأنها "عبثية صادرة من مندسين لا يمتون لشعب مصر بأيّة صلة"، معتبراً أن سياسة مبارك "حفظت مصر طوال فترة حكمه". كذلك شارك لاعب كرة القدم السابق حسام حسن في مسيرات مؤيدة لمبارك، وطالب ثوار التحرير بالخروج من الميدان لأن "مبارك رمز الوطن".
ولم تشفع نجومية الفنانين بهم أمام المد الشعبي الثوري إذ أدركوا أن مواقفهم السياسية سببت لهم كابوساً أبعد عنهم محبيهم. وهذا ما دفع بعضهم إلى التراجع كحال الفنان عمرو دياب الذي قامت عشرات الحملات ضده على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلته ينأى بنفسه عن الإدلاء بمواقفه السياسة.فنانون مع الإخوان وضدهم
مع تولي الإخوان المسلمين الحكم، سعى بعض الفنانين المغمورين إلى تعويض نقص شعبيتهم من خلال الخوض في السياسة، فذاع اسم الراقصة سما المصري التي شنت حرباً على الرئيس محمد مرسي وجماعته وأدت رقصات وأغاني حوّلتها إلى رمز لأنصار النظام السابق. كذلك قدّم الممثل أحمد آدم برنامجاً سياسياً ساخراً بعنوان "آدم شو" للاستفادة من موجة المتابعة الكبرى للبرامج السياسية، ومثله فعل الممثل هاني رمزي.
في المقابل كان الدعم الفني للإخوان ضعيفاً، خاصة مع اشتعال الصراع بينهم وبين الفنانين عقب تعيين وزير الثقافة علاء عبد العزيز واتهامه بالسعي إلى "أخونة" الوزارة. فشارك عشرات الفنانين وعلى رأسهم خالد النبوي ونبيل الحلفاوي ومحمود قابيل والمخرج خالد يوسف وغيرهم، في اعتصامات أمام وزارة الثقافة في بداية يونيو 2013 مطالبين بإقالة الوزير.
هذا في حين اختار فنانون مثل أحمد عيد وحمزة النمرة والشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي دعم الرئيس مرسي فشنوا هجوماً على الجبهة الوطنية المعارضة التي قادها حمدين صباحي ومحمد البرادعي.فنانو "النظام الجديد"
بعد تظاهرات 30 يونيو وإقصاء الإخوان عن السلطة، شكل الفنانون جزءاً أساسياً من "النظام الجديد". فقد أدركت السلطة أهمية دورهم في مواجهة الإخوان وسعت عبرهم إلى كسب الشرعية والشعبية. هكذا، أعاد الرئيس السابق عدلي منصور الاحتفال بيوم الفن. وقد تلاقى توجه السلطة مع رغبة النجوم في التقرب منها والدعاية لها كوسيلة للظهور الإعلامي والاستفادة من شعبية اللواء عبد الفتاح السيسي، التي كانت مرتفعة جداً. فتصدرت الممثلة إلهام شاهين ولاعب كرة القدم السابق أحمد شوبير والمعلق الرياضي مدحت شلبي وغيرهم واجهة الدفاع الإعلامي عن النظام. وتحولت أغاني بعض المطربين إلى رموز للنظام الجديد كأغنية "تسلم الأيادي" لمصطفى كامل.
وتولّت القوات المسلحة إنتاج برنامج كوميدي للمغني محمد فؤاد، تحت عنوان "الفؤش في المعسكر"، كوسيلة دعائية للنظام الجديد. وأعلنت سما المصري أنها ستخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة مؤكدة أن لديها تاريخاً ثورياً كونها المرأة التي هزت عرش الإخوان، وزاعمة أيضاً أن لديها مشروعاً يخدم المرأة.
وأدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية مناصرة الفنانين والمشاهير له منذ ترشحه للانتخابات، فعقد في مايو الماضي لقاءً معهم وشرح لهم دورهم في نصح الشباب وتصحيح الخطاب الديني. يضاف إلى ذلك استخدام الفنانين في الإعلانات المناهضة للإرهاب.وحدث أن دفع التقارب بين الفنانين والسلطة بعض المشاهير الذين كانوا يعتبرون ثوريين، إلى مناصرة الرئيس السيسي. فشارك محمد منير في احتفال تنصيبه رئيساً وأصدر أغنية "متحيز"، من ألحان عمرو مصطفى، التي اعتبرها البعض "تطبيلاً" للرئيس. وكتب الأبنودي قصيدة "باب المجلس" وصف فيها الثوار بالخونة والعملاء.
صعوبة المعارضة
في موازاة ذلك، أطلقت السلطة، بمشاركة الإعلام الخاص، حرباً على الكتّاب والرياضيين والفنانين المعارضين. فخسر جمهور كرة القدم الموهبة الكبيرة محمد أبو تريكة الذي قرر الاعتزال بعد حملة شنها الإعلام عليه باعتباره أحد الداعمين للإخوان المسلمين. كذلك امتنعت الإذاعة المصرية عن تقديم أغاني حمزة النمرة، بسبب مواقفه المؤيدة للإخوان. ومنع عرض مسلسل "أهل اسكندرية" الذي كتبه بلال فضل وكان سيلعب دور البطولة فيه عمرو واكد وبسمة وهشام سليم، وهي أسماء معروفة بمعارضتها للنظام الحالي.
وفي المدة الأخيرة تعرض الفنان خالد أبو النجا لحملة شرسة اتهمته بخيانة الوطن ثم بالشذوذ الجنسي. كذلك رُفعت دعاوى قضائية عليه بعد انتقاده تهجير الأهالي في رفح بسيناء ووصفه مصر بأنها دولة يحكمها نظام فاشي عسكري يحاول إرهاب كل من ينتقده. أخيراً، بعد صدور حكم براءة مبارك، شارك الفنان محمد عطية في التظاهرات ضد الحكم وانتقد الرئيس السيسي والحكومة وجهاز علاج الأيدز الذي أعلن عنه الجيش، فأثار ذلك غضب وسائل الإعلام التي اتهمته هو الآخر بالشذوذ الجنسي. وأقيمت دعاوى قضائية عليه بتهمة التعاون مع جهات استخباراتية أجنبية عن طريق منظمات مدنية، وهذا ما يؤكد أنه من الصعب على الفنانين اتخاذ موقف معارض للنظام في الوقت الراهن.الصورة من أ ف ب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون