اختطفت مجموعة من الشبان في إحدى قرى البقاع اللبناني، سامي قبل ليلة من زفافه، واحتجزته في منزل أحدهم. صباح اليوم التالي، أتى أهله لاصطحابه حاملين معهم بذلة العرس. تناولوا الفطور في منزل الخاطفين كما تفرض التقاليد، ألبسوه ثياباً جديدة وانطلقوا عائدين به إلى منزله حيث استقبله باقي أفراد العائلة وأصدقاؤه وعشيرته، ثم توجه الجميع إلى منزل العروس.
إنها واحدة من عادات الزواج الغريبة التي ما زالت بعض المجتمعات تمارسها من دون أن يعي أصحابها حتى مدلولاتها ورموزها. تختلف هذه العادات من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى منطقة ضمن الدولة الواحدة، وحتى ضمن القبائل والعائلات.
في بعض مناطق سوريا مثلاً، يذهب العريس في الزفة إلى منزل عروسه مشياً، يرافقه أصدقاؤه. أما في السودان، فيقوم العروسان خلال حفل الزفاف برقصة ثنائية، تحيط بهما مجموعة من الأصدقاء. تحاول العروس إسقاط نفسها على الأرض وفي كل مرة، على العريس أن يحاول التقاطها وإلا تعرض لسخرية المدعوين.
في قبيلة الشحوح الإماراتية يجري الشاب نحو منزل الفتاة التي يريد الزواج بها وينزع عنه بعض ملابسه (كالعمامة) خلال الجري. في العراق، تقوم الفتاة التي تبحث عن زوج بكتابة اسمها على حذاء العروس في يوم الزفاف، أما العروس، فتقرص خد صديقتها لاعتقادها أن ذلك يسرّع في جلب العريس لها. للقرص أيضاً مدلولاته في مصر، إذ تجتمع الفتيات حول العروس وهي مرتدية فستان الزفاف، وتحاول كل واحدة منهن أن تقرص ركبتها عسى أن تجد شريك حياتها خلال حفل الزفاف.
في البحرين ومع بداية مراسم العرس، تحضر الداية وعاءً من الفخار وتضعه وسط باحة المنزل ثم تدعو العروسين لأن يجلسا متقابلين. تضع قدميهما في الوعاء بحيث يتلامس إبهام كل منهما إبهام الآخر وتغسلهما، بينما يقوم العريس برمي قطع نقدية في الوعاء.
للفأل والحسد والخرافات نصيب من تقاليد الزواج. ففي محافظة ديالي في العراق، تتبارك بعض العوائل إذا تبوّل طفل ذكر على فراش العروس ليلة الدخلة لأن ذلك يعني أنها ستنجب مولوداً ذكراً. أما في المغرب، فتوضع العروس فوق فرس لاعتقادهم أن ذلك يساهم في جلب المواليد الذكور.
يتم إطلاق حمامتين في الهواء في بعض المناطق اللبنانية كنوع من التفاؤل، في حين تحمل العروس قطعة من العجين وتلصقها على باب منزلها الجديد في مناطق أخرى.
في مدينة صفاقس التونسية، تقفز العروس فوق السمك مرات عدة طلباً للحظ السعيد، أما في مدينة بنزرت، فتجر العروس سمكة مربوطة برجلها بضعة أمتار ثم تقفز فوقها سبع مرات قبل أن تكون أول من يأكل منها، لإبعاد العيون الشريرة.
للبيض أيضاً دوره في جلب السعادة في بعض المناطق التونسية والمغربية، إذ تكسر العروس ليلة دخلتها بيضة مطلية بالحناء على جدار منزلها الجديد. ولحماية العروس من الحسد في سلطنة عمان، تضع على رأسها مصحفاً وتقودها امرأة عجوز إلى عرسها. وفي العديد من الدول العربية، لا يتزوج شقيقان في يوم واحد لاعتقاد الأهل أن إحدى العروسين لن تنجب أولاداً.
تعتبر الأعراس كذلك مناسبة لإثبات القوة البدنية لدى العريس وعائلته، وهو مطالب بذلك أمام العروس وأهلها. في لبنان، كان على العريس في بعض المناطق الجبيلة أن يحمل جرن الكبة بيد واحدة حتى يثبت قوته وأهليته للزواج. أما في موريتانيا، فعلى العريس أن يحضر عروسه من بيت صديقاتها اللواتي يحاولن منعه مستعينات ببعض الشبان. ويحدث أن يتدافعوا بالأيدي، ومن الممكن أن يتطور العراك. وقد يتعرض العريس لضرب مبرح. في بعض القبائل السودانية الجنوبية، هناك عادة تدعى “البطان” يجلد خلالها العريس أقرانه ليثبت لأهل عروسه قدرة عائلته البدنية.
تحمل بعض تقاليد وعادات الأعراس الكثير من الذكورية، وتصل أحياناً إلى حدّ احتقار المرأة. ففي بعض مناطق السودان مثلاً، يضرب العريس عروسه أثناء العرس تعبيراً عن سيطرته عليها وعن كون الكلمة الفصل من نصيبه هو. وفي العديد من المناطق، يقوم العريس، عند الانتقال إلى بيت الزوجية، بالدوس على قدم العروس إشارةً إلى سيطرته عليها. أما إذا كانت هي السبّاقة إلى الدوس على قدمه، فتقول الشائعات إن الحكم سيكون لها.
لدى بعض قبائل اليمن يقوم العريس ليلة زفافه بتلاوة دعاء “اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه”. وفي ليلة الدخلة، تنتظر الداية على باب البيت لتأخذ الخرقة البيضاء الملوثة بالدم إثباتاً على عذرية العروس وفحولة العريس. في الإمارات يطلق العريس ثلاث طلقات في الهواء إذا كانت العروس عذراء، أما في موريتانيا، فلا تبدأ الاحتفالات قبل خروج العريس من غرفة الزوجية حاملاً شمعة مضاءة دلالة على عذرية الفتاة.
تشكل موريتانيا حالة خاصة في تقاليد الأعراس. تلبس العروس في الزفة ثوباً أسود وشالاً أبيض تعبيراً عن حزنها وعدم رغبتها في الزواج، وتشترط على الزوج في عقد القران أن لا يتزوج غيرها وإلا اعتبرت طالقاً. في حال الطلاق، تكون الأفراح والاحتفالات في بيت العروس، لدى أهلها وأصدقائها، مساوية لاحتفالات الزواج.
اجتاحت الأعراس على النمط الغربي المدن الكبيرة اليوم، وقضت على العديد من هذه العادات والتقاليد. أصبح بعضها محصوراً في القليل من المناطق الريفية أو البدوية، يمارسها أصحابها من دون الغوص في دلالاتها ومعانيها. فالفتيات لا يؤمنّ بأن قرص ركبة العروس سيجلب شريك العمر، لكنهن يفعلن ذلك على سبيل التسلية والترفيه. تمتد جذور هذه العادات إلى معتقدات موغلة في القدم، وهي ما زالت محفورة في "اللاوعي الجماعي للمجتمعات الشرقية، وتعكس نظرة هذه المجتمعات إلى الرجل "القوي والصياد والفحل"، وإلى المرأة "الجميلة والمطيعة والخجولة.
نشر هذا الموضوع على الموقع في تاريخ 23.11.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...