بعيداً عن مشاهد الدمار والمأساة التي نراها في الصحف والوكالات العربية والعالمية عن قطاع غزة، لم يعد غريباً أن نرى صوراً لهذه المنطقة تحمل معاني الحب والتفاؤل والسلام، كحبيبين يتأملان عروب الشمس على البحر، أو مشاهد أخرى لطبيعة القطاع وقوارب الصيادين. بهذه المشاهد وغيرها يحاول مصورو غزة رصد الحياة الجميلة للقطاع، وإبرازها بأبهى صورها .
محمد البابا (45 عاماً) مصور صحافي لوكالة الأبناء الفرنسية، يقول لرصيف22: "المصور المحترف هو من يُلّم بعدسته جميع المشاهد على اختلافها، مع احتفاظه ببصمة خاصة له في مجال معين". فهو يجد نفسه مبدعاً في رصد الحياة اليومية لابن غزة، لكن ذلك لا يعني أنه ينأى بنفسه علن تصوير دمار الحروب.
الجمال يجذبهم أكثر
يضيف البابا: "أهل القطاع ملّوا الصراعات وصور الدمار والأشلاء، هم أصلاً ما زالوا يعيشون ويلات ما بعد الحروب، لذا أجد لديهم تفاعلاً وإقبالاً نحو الصور التي تبعث الحياة فيهم". ويكمن جمال الصور التي يرصدها البابا بعدسته من تلقائية المشهد، من دون تكلف، هكذا يكون الواقع أكثر جمالاً، ويلقى تفاعلاً وانتشاراً أوسع بين الجمهور . لكنه يشير إلى أن "ذلك لا يعني عدم تدخل المصور في بعض الحالات لصناعة صورة جميلة عن قصة صحفية مثلاً لرصد حياة أهالي البحر أو عمل المزارعين، فالتكلف المبالغ فيه هو المرفوض".
وكان البابا رُشّح ضمن قائمة أفضل 10 مصورين في العالم لعام 2015 من قبل صحيفة الغارديان البريطانية، من خلال بضع صور له، رصدت الحياة اليومية في القطاع بعد حرب 2014، وإعادة الإعمار، وأحوال الصيادين الرازحين تحت الانتهاكات البحرية الإسرائيلية، والنشاطات الرياضية التي يقوم بها شباب فوق البيوت المدمرة كرياضة الباكور. ويؤكد: "لا نواجه نقداً من الجمهور المتابع لنا، لأن عدستنا ترصد أوجه الحياة من بين الركام ، وأهل غزة، بإرادتهم ومحاولاتهم العيش والفرح، فرضوا علينا تصوير هذه المشاهد وتوثيقها للعالم".
المغتربون أكثر تفاعلاً
أما عماد موسى، فهو مصور بدأ مشواره في التصوير هواية بعيداً عن الحروب، يقول: "عدستي تُحب شروق غزة وغروبها، وتميل إلى جمال المساحات الزراعية الخضراء، وتناغم مكونات الطبيعة، وكل ما يتعلق بالحُب والتفاؤل". ويضيف: "العالم في الخارج لا يعرف عن غزة سوى أنها منطقة جغرافية مدمرة، لا متنفس فيها إلا للحروب، لا حياة تُذكر. لذا عزمت على تصوير كل ما هو جميل داخلها ونقله للخارج لا سيما الطبيعة".
يعتقد موسى أن الفلسطينيين في غزة متلهفون لهذه الصور، ويتفاعلون معها أكثر من تفاعلهم مع صور الدمار والأحداث الإخبارية اليومية، لأنهم في حاجة لمن يبعث فيهم التفاؤل والأمل، في ظل الحصار المستمر منذ سنوات وانعدام الحلول. بينما يستغرب المتابعون في الخارج ما تحمله هذه الصور من مشاهد جمالية، لأن تصوّرهم عن غزة لا يتعدى "ملامح الموت والمأساة" .
التوزان مطلوب
وأوضح موسى أن المشاهد التي تبعث التفاؤل والحياة في نفوس العابرين، تفرض نفسها على المصورين أحياناً، كأجواء الربيع، وممارسة ركوب الخيل، واصطفاف قوارب الصيادين على الشاطئ كعقد اللؤلؤ. ولم يكن موسى يرغب بالتوجه للعمل في مجال التصوير ، لأنه يعتبره هواية فقط. لكنه أخيراً قرر العمل في هذا المجال، نظراً لتمضيته غالبية وقته مع عدسته والطبيعة، إضافة لإقبال الجمهور الكبير على هذا النوع من الصور .
الحُب يفوز
حبيبان تتشابك ذراعيهما يقِفان متأملين الشمس في البحر وأمواجه الهادئة تلفهما من كل جانب، صورة التقطتها عدسة المصور عطية درويش (28 عاماً) على شاطئ بحر غزة، وحازت المرتبة الأولى في معرض صور بانوراما غزة. يوضح درويش أن هذه الصور تُعطي رونقاً آخر لغزة من خلال تصويرها ونقلها للعالم. ويقول: "المصورون أنفسهم أتعبتهم صور الموت ومشاهد الدماء، فهم بشر ويحتاجون لمن يبعث فيهم الأمل والحياة ويمحو ما فرضته الحروب عليهم".
الصورة هي الوجه الآخر للبندقية
ويرى أن التصوير هو نقل للواقع، ولا بد للمصور أن يرصد بعدسته شتى مجالات الحياة، لكن ذلك لا يعني التقيد بالظروف التي يعيشها. ويضيف: "المواطن قبل المصور في غزة يبحث عن النور وسط الظلام، وعن الجمال رغم البؤس، لذا تنال هذه الصور إعجاب الكثيرين لا سيما المغتربين، فهم يرون أن وطنهم ما زال جميلاً رغم ما حلّ به". هل من الممكن إذن القول إن هذه الصور تُضيف شيئاً إيجابياً للمواطن ؟ يجيب: "هي لا تُضيف شيئاً إيجابياً فحسب، إنما تدب فيهم الحياة، بعد أن أفقدتهم إياها آلة الحرب الإسرائيلية ، الصور هي الوجه الآخر للبندقية. هكذا أؤمن".
عبد الحكيم أبو رياش (26 عاماً)، من المصورين الذين كثّفوا عملهم في مجال تصوير الطبيعة في غزة، يشير إلى أن الانتقاد الذي يواجهه بعض المصورين، سببه غياب الفكرة الصحيحة للصورة عن ذهن فئة من الجمهور. ويقول: "إبراز الوجه الجميل لغزة مهم جداً لدعم القضية الفلسطينية من جهة، وتغيير وجهة نظر العالم تجاه غزة من جهة أخرى، إضافة إلى صنع اسم يُميزني عن غيري من المصورين" .
ويلفت أبو رياش إلى البحث عن الاختلاف والوجه الآخر للحياة ليس سهلاً ويحتاج لجهود مكثفة، ويُتابع: "التميز طريق للاختلاف، وإثبات الذات، لذا لا بد من تسخير ما يلزم لتحقيق الفكرة التي يؤمن بها المصور،ومع العلم أن ما نلتقطه من صور هو جزء من المشاهد التي نراها كل يوم بين أزقة مخيمات اللجوء وفوق ركام البيوت".
ويختم: "المصور الذي ينقل مشهدي الجمال والحرب، لعب دوراً مزدوجاً في نقل الموت والحياة". لكن هل أصبح من السهل نقل مشهد عن الحب في مجتمع غزة المحافظ ؟ يُجيب: "الحُب جميل، وأعلم أننا في مجتمع شرقي محافظ، لكن ما الذي يمنع انتشار ثقافة الحب بيننا؟ وأين الخلل إذا جسّدت فكرة أؤمن بها من خلال صورة؟ وقد ساهمت ببعض صوري في تغيير آراء الكثيرين في هذا الموضوع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...