ماهو العقد الاجتماعي؟
معروف أن في البلدان العربية حالة من الاتفاق غير المكتوب بين السلطات الحاكمة والشعوب، يقضي بأن الحكومة تقوم بتوفير الدعم الكامل أو شبه الكامل للوقود والغذاء، وتوفر الخدمات الصحية والتعليمية بشكل مجاني، مقابل قدرة محدودة للمواطن للتعبير عن رأيه، والمشاركة في الحياة السياسية. يسمى ذلك الاتفاق في العلوم الاجتماعية والسياسية "العقد الاجتماعي"، وهو كان رمزاً محركاً لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ، لم تكن بدايتها الثورة الفرنسية، ولن تكون نهايتها الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية منذ عام 2010.
إن العقد الاجتماعي القائم استطاع أن يحقق نتائج جيدة في الدول العربية بشكل عام. إذ شهد العقد الأخير جهوداً كبيرةً في العمل على التشريعات، التي لها علاقة بالحقوق والحريات، كما تطورت معدلات التعليم، وزادت المعرفة، وتم الاستفادة كثيراً من ثورة الاتصالات. وبحسب دراسة نشرها البنك الدولي، وأعدها شانتا ديفارجيان وليلي متقي حديثاً، فإن البيانات التالية تظهر على سبيل المثال، كيف تحسن التحصيل العلمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنةً بمناطق أخرى من العالم. كذلك تظهر كيف انخفضت نسبة الوفيات بين الأطفال، ومعدلات الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع.
ما الذي حصل بعد عام 2010؟
على الرغم من النتائج الإيجابية السابقة، فإن مجموعة من التغييرات المتسلسلة كانت تحدث في المنطقة العربية، أدت تدريجياً إلى تغير الوعي العام لدى الشعوب. فزيادة معدلات التعليم وثورة الاتصالات، ساهمت بشكل عام في زيادة مستوى المعرفة والوعي، وجعلت الطبقة الوسطى تشعر بأن ما تقدمه الحكومات لم يعد كافياً، وكان هناك إحباط عام بسبب عدم قدرة القطاع العام على توفير المزيد من الوظائف، وبسبب سوء الإدارة وغياب المساءلة. كما أن مستوى الرضا عن نوعية الحياة في العالم العربي كان منخفضاً لدى شريحة واسعة من المواطنين. أضف إلى ذلك أن المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة التي بقيت خارج التحولات الديموقراطية، التي عمت معظم أنحاء العالم، خلال الربع الأخير من القرن الماضي، ما جعلها عرضة للانتقاد من قبل مواطنيها، والعالم الخارجي أحياناً.
وبالرغم مما تبدو عليه من أنها تلقائية وغير موجهة من قبل أي قوة اجتماعية أو سياسية، فإن المشاكل السابقة، مع عدم قدرة الحكومات على حلها، وتوفير البديل، والوصول إلى كل شرائح الشعب، كانت المحرك الأساسي وراء قيام الاحتجاجات التي بدأتعام 2010.
كانت فترات التحول منذ عام 2010 مؤلمة، ولسوء الحظ فإن الأوضاع التي جعلت الناس تعساء قبل قيام الاحتجاجات ما زالت قائمة إلى اليوم. فالهشاشة هي السمة الجديدة للمنطقة العربية، إذ دخلت سوريا والعراق واليمن وليبيا في حروب أهلية، وتواجه البلدان الأخرى هواجس أمنية بسبب الإرهاب.
إن الاهتزازات العميقة التي طالت المنطقة العربية منذ عام 2010، والتي لا تزال مستمرة إلى أجل لا تبدو نهايته واضحة، كشف عن واقع موضوعي في البلاد العربية، يمثل بزوغ حقبة سياسية واجتماعية جديدة. فقد أكدت الأحداث العنيفة في سوريا، واليمن، والعراق، وليبيا، واليمن، والبحرين أن هناك إصراراً في المجتمعات على قطع حالة التكيف والانصياع، والانتقال إلى المطالبة بالتغيير والاستعداد لدفع ثمن ذلك التغيير. من هنا جاءت الحاجة إلى بناء عقد اجتماعي جديد.
ما هو العقد الاجتماعي الجديد المنشود؟ وما هي سماته؟
هناك قيم أساسية للعقد الاجتماعي المنشود، من أهمها المواطنة، وهي المساواة التامة بين جميع الأفراد أمام القانون، بغض النظر عن الجنس والدين والخلفية الاجتماعية. كما أن العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يكون قائماً على قطاع خاص قوي، يستطيع أن يوفر فرص عمل متكافئة تقدم في إطاره خدمات تشمل الجميع وتخضع للمساءلة.
المسؤولية الاجتماعية هي أيضاً من ركائز العقد الاجتماعي الجديد، وهي تعني إمكانية تخلي جميع الأفراد عن جزء من مصالحهم الخاصة في سبيل تحقيق جزء أكبر من المنفعة العامة. وأخيراً، فإن العقد الجديد يجب أن ترتفع فيه نسبة مشاركة المواطن في الحياة السياسية، ويرتفع صوته فيها، وأن يكون فاعلاً ومتفاعلاً ومشاركاً، وبذلك يستطيع المواطنون أن يمتلكوا المرافق العامة والخدمات ويحرصوا على الحفاظ عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...