لا يتجاوز عمر موسيقى المهرجانات السنوات الخمس، تحولت خلالها إلى ظاهرة موسيقية وصوتية تجتاح الفضاء العام في مصر، وتتجاوزه ليصبح نجوم موسيقى وأغاني المهرجانات معروفين الآن أوروبياً وعالمياً.
المراهقون الذين كانوا قبل خمس سنوات يعيشون في حواري المطرية ومدينة السلام على أطراف القاهرة، وأقصى أمنياتهم الغناء في حفل زفاف أو أكثر أسبوعياً، يجوبون الآن أوروبا لإحياء الحفلات الموسيقية، ولتقديم تلك الصرعة التي رسخت نفسها في حركة موسيقى المهرجانات القصير عمرها، والكبيرة بما حققته. نتعرف إليها في التقرير التالي.
في البدء كان الـD.J
مع نهاية تسعينيات القرن الماضي، بدأت مهنة "الدي جي" في الظهور في حفلات الزفاف المصرية. وقد مثّل "الدي جي"، أو موزّع الموسيقى، وسيلة غير مكلفة لإحياء حفلات الزفاف بدلاً من الفرق الموسيقية والمغنين، وانتشر مع بداية الألفية وذيوع أجهزة الكمبيوتر في مصر، وانجذاب آلاف الشباب لتلك المهنة الصاعدة.
علماً أن الموسيقى الشعبية كانت تعاني حصاراً اقتصادياً كبيراً، فسوق الكاسيت يسيطر عليها المغنون الكبار من عمرو دياب إلى محمد فؤاد، وحفلات الزفاف التي كانت مصدر الرزق الأساسي للعاملين في الموسيقى الشعبية، باتت تعاني من حلول "الدي جي" مكانهم. لكن انتشار الكمبيوتر وبرمجيات التسجيل المختلفة، مثّل فرصة النجاة للموسيقى الشعبية، إذ ظهر مع مطلع هذه الألفية جيل جديد من المغنين الشعبيين كمحمود الليثي ومحمود الحسيني وغيرهما ممن اعتمدوا في تسجيل أعمالهم الأولى على مايكروفون وجهاز كمبيوتر هرباً من تكاليف التسجيل في الاستديو، كما كان هذا الجيل أول من أدخل المؤثرات الصوتية الإلكترونية في الموسيقى الشعبية.
ثم كان الموبايل
بعد أجهزة الكمبيوتر، بدأ الغزو الكبير لأجهزة الموبايل، وقبل ظهور خدمات الجيل الثالث، كانت متاجر بيع الموبايل كنشاط جانبي تبيع النغمات المولّفة. كل لحن لأغنية يتحول إلى نبضات يتم إدخالها بشكل مشفّر من خلال الضغط على لوحة أرقام الموبايل.
عمرو شاب من منطقة عين شمس، كان يعمل في أحد هذه المتاجر، وعلى سبيل التجريب، بدلاً من إدخال نغمة لأغنية شهيرة، قرر ابتكار لحنه الخاص، الذي تحول إلى رنة موبايل شهيرة في المنطقة، حتى وجد أمامه مطرباً شعبياً يطلب منه الحصول على هذا اللحن لغنائه.
طوّر عمر مهارته الموسيقية والتكنولوجيا، ليحمل بعد ذلك لقباً فنياً هو الدكتور عمرو حاحا، صاحب لحن الشندروبلا، أول الألحان الموسيقية المبكرة التي حملت صفة موسيقى المهرجانات.
على نحو قريب من إنتاج الموسيقى الإلكترونية، تعتمد موسيقى المهرجانات على صنع "اللوب" الأساسي، وبعكس الموسيقى الإلكترونية الغربية، يتكون "اللوب" عادة من إيقاعات شرقية، يقطعها لاحقاً صوت المغني في إلقاء يشبه إيقاعات الراب، مع مزيج من المؤثرات والأصوات الصاخبة.
عمل حاحا بعد ذلك مع عشرات الأسماء، الذين أصبحوا نجوماً لموسيقى المهرجانات: السادات، علاء فيفتي، أوكا وأورتيجا. إلى جانب أعمال مشتركة أحياناً مع موسيقى المهرجانات السكندري "فيلو".
لم يسع مغنو المهرجانات إلى شركات الإنتاج، إذ كانوا ينتجون الأغاني باستخدام تكنولوجيا متاحة للجميع، وينشرونها مجاناً على الانترنت، مكتفين بالعائد المادي من أدائهم للأغاني في الحفلات والأفراح، لكن آخرين لم يجدوا ذلك كافياً.
اقتصاد موسيقي المهرجانات
رغم انتشارها الجماهيري الكبير، حملت موسيقى المهرجانات ولا تزال وصمة أنها ليست أغاني الطبقة الوسطى، كما أن من يؤدونها لم يحصلوا على اعتراف رسمي من الدولة، فغالبيتهم ليسوا أعضاء في النقابات الموسيقية. وأخيراً أصبحت أغانيهم ممنوعة من الظهور على التلفزيون الرسمي، ويحرص مذيعو الراديو على رفضهم إذاعة "الحاجات دي"، كما يصفونها.
لكن موسيقى المهرجانات وسعت من نطاق دائرتها الإنتاجية والاقتصادية، فظهرت شركات إنتاج مغايرة كشركة 100 نسخة، التي كانت في البداية استديو لإنتاج الموسيقى الإلكترونية والتجريبية، وقد وفّرت لمغني المهرجانات منبراً لتسجيل أعمالهم، وأحياناً أنتجت بعض هذه الأغاني مقابل تكلفة زهيدة، بشرط أن تمتلك الشركة حقوق الأغنية المنشورة مجاناً على يوتيوب، على أمل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة، والحصول على عائدات الإعلانات، إلى جانب محاولات بيع الأغنية إلكترونياً بأشكال أخرى.
ركزت مجموعات كأوكا وأورتيجا، ومجموعة "الدخلاوية" على السوق المصري والدخول إلي السينما، والظهور أحياناً في عدد من الأعمال الدرامية كمهرجان فرحة اللمبي، الذي جاء في إطار أحداث مسلسل "فيفا أطاطا"، والأغاني التي قدمها بعض مغني المهرجانات في أفلام السبكي ومحمد رمضان. وحاولت مجموعة أخرى شق طريق مختلف، فبعد الربيع العربي تزايد الاهتمام الإعلامي والغربي بالمنطقة وبالمنتجات الثقافية الآتية منها، ووجدت موسيقى المهرجانات طريقها إلى الحفلات والمهرجانات الفنية الأوروبية. إسلام شيبسي أحد أبرز الموسيقيين، الذي طوّر أداءه لترافقه أشكال متعددة من الاستعراض والعروض البصرية، وليصبح لاحقاً أحد الوجوه الموسيقية الحاضرة باستمرار في الخارج.
وجاءت موسيقى المهرجانات في وقت شهد زيادة في مساحات العرض والمسارح، مع مناخ أكثر احتفاءً بالتنوع، وقد منح الفرصة للشباب، وتعبيراً عن مزاج ثوري وأيام عنيفة لا تزال مستمرة. انعكس هذا على كلمات أغاني المهرجانات التي نادراً ما تكون عاطفية، بل تعبيراً عن الحياة في بيئة صعبة حافلة بالغدر كما يخبرنا المهرجان الأكثر شهرة في مصر 2015 "مفيش صاحب بيتصاحب".
الآن تدخل مصر عام 2016 بقرارات مشددة لمنع إذاعة أغاني المهرجانات، مع منح الضبطية القضائية لهاني شاكر، الذي أصبح نقيباً للموسيقيين، متوعداً بـ"إعادة الانضباط إلى الساحة الموسيقية"، وإيقاف ما وصفه بالأغاني المفسدة للذوق العام. يبدو أن هناك عداء معلناً لموسيقى المهرجانات، لكن في المقابل، تزداد أعداد المشاهدة والاستماع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع