يقول بعض الخبراء إن على دولة قطر أن تتغلب على عقبات ثقافية واجتماعية ضخمة، قبل أن تصبح قادرة على استضافة الحدث الكبير المتمثل في بطولة كأس العالم لكرة القدم. إذ ما زالت التساؤلات تطرح عن إمكانية استيعاب مجتمع محافظ كالمجتمع القطري حدثاً كبيراً ككأس العالم بما يجلبه من تناقضات إلى البلد الصغير.
أحد أكبر هذه التساؤلات هي إمكانية توافر المشروبات الكحولية لري ظمأ الـ500 ألف مشجع المتوقع استقطابهم. كغيرها من دول الخليج تضع قطر قيوداً وشروطاً على تناول وبيع وتداول الكحول. لذا يجد الزائر والمقيم نفسه أمام خيارات محدودة للاستمتاع بزجاجة بيرة مثلاً.
قبل الدخول إلى البار أو النادي الليلي تفحص لوحة التعليمات جيداً فالشروط تتعدد وتتنوع: بخلاف شرط تجاوز الساهر عمر 18، فإن هذه الأماكن لا تسمح للسيدة القطرية بالدخول، ولكن يسود الاعتقاد أن بعض السيدات القطريات يحصلن على بطاقة هوية مزورة من الكويت بهدف دخول النوادي الليلية. أما الرجال، فيشترط أن لا يكونوا باللباس الوطني. وبعض النوادي يصر على أن تكون برفقة صديقتك، ويستنكر عليك تمضية السهرة وحيداً، وفي نواد أخرى لن تدخل قبل أن تدفع ما بين 14 و40 دولاراً أميركياً.
في الداخل، غالبية الوجوه أجنبية، يندر وجود العرب هناك. فبالإضافة إلى الفروق الثقافية يمنعهم أيضاً عامل الدخل. في قطر، البلد الذي يعرف بارتفاع كلفة المعيشة قد تدفع نحو 13 دولاراً مقابل كوب من البيرة، و4 إضافية إذا نسيت علبة سجائرك في البيت.
لحائز بطاقة الإقامة القطرية خيار آخر للحصول على الكحول، هو رخصة الكحول التي تصدرها "مؤسسة قطر للتوزيع" وهي شركة يملكها الطيران القطري. وتحتكر الترخيص الحصري لبيع الكحول ولحوم الخنزير. وتكون أسعار الكحول فيها أقل بكثير من أسعار السوق غير الشرعية أو البارات. فسعر صندوق البيرة من نوع Carlosberg يمكن شراؤه بـ37 دولاراً من المؤسسة، في الوقت الذي يشتريه الشارب نفسه بـ50 دولاراً تقريباً من البائع، وقنينة الويسكي من نوع Dimple يمكن شراؤها بـ80 دولاراً، ولتر عرق "كسارة" اللبناني بـ45 دولاراً، وأرخص أنواع النبيذ في المؤسسة إطلاقاً يفوق 30 دولاراً.
لا تخلو عملية الحصول على هذه الرخصة من بعض المفارقات، فهي مشروطة أولاً بموافقة الشركة، التي يعمل فيها المقيم، وبكتاب رسمي يحمل خاتمها، ويشترط لحاملها حد أدنى لراتبه 4000 ريال قطري أو 1100 دولار أميركي، يستطيع أن يصرف منه ما لا يتعدى 15% على الكحول.
والأهم أنها تمنح لغير المسلمين فقط.
"ارتعشت يداي وأنا أدون كلمة مسيحي في خانة التصريح عن الديانة"، يقول غسان 27 عاماً، فهو مسلم، لكنه من المحظوظين الذين لا تحمل أسماؤهم دلالة على ديانتهم، ولا شيء من الوثائق الرسمية يشير إليها. ويضيف: "أشعر بقليل من الحرج، لكن لا بأس فأنا أصلاً أشتري الكحول بغرض إعادة بيعه. ليست عملية قانونية، ولكن بعضاً من الأكياس السوداء تفي بالغرض، فأنا أؤمن دخلاً جيداً من بيع الكحول".
وبسبب القانون الأزلي المرافق لمنع أي مادة كانت في دولة ما، يستطيع غسان بيع الكحول بأسعار قد تصل إلى ضعفي الثمن الذي اشترى به، لكنه يحدد زبائنه بالأصدقاء والزملاء والدائرة المحيطة بهم. إذ لإتمام تجارة كهذه الحذر واجب، وهو لا يشعر بأنه يبالغ بطلب الأسعار، فمن وجهة نظره، "من يدفع السعر المطلوب يدفعه وهو مرتاح بل سعيد أيضاً ما دام لا يستطيع الوصول إلى مصادر أخرى للشرب". ويشير إلى أن: "السعر الذي أبيع به مهما ارتفع فلن يصل إلى مستوى النوادي الليلية، بعض المشترين يعرف يقيناً الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع، ولكنه سعيد بما يحصل عليه".
تتنوع طرق حصول القطريين على الكحول بين استخراج رخصة شراء لأحد مكفوليهم من الآسيويين، أو الحصول عليها من السوق السوداء، التي تنشط في المدينة الصناعية نتيجة التشدد في المنع، أو حتى تصنيعه منزلياً. فنسبة كبيرة من الكحول المستهلك هي من العرق الذي يسهل تصنيعه من الفاكهة، برغم عدم مطابقته للشروط الصحية. وفي نيسان عام 2013 طبقت وزارة البيئة القطرية شروطاً مشددة على استيراد العطور، التي يدخل في أساس تركيبها مادة الإيثانول، وذلك لمنع "استخدامها بشكل خاطئ". فتم منع استيراد مادة الكولونيا، الا بشهادة من المختبر تثبت عدم صلاحيتها للشرب. ومن الشروط المفروضة أيضاً أن لا تكون قارورات العطور ذات فوهة مفتوحة، واعتماد البخاخ بديلاً.
يظهر الخليجيون قلقاً شديداً من المضاعفات السيئة لتعاطي الكولونيا والكحول المنزلي، ويتوقع خبراء أن تخفيف القيود على تداول الكحول سيؤدي تلقائياً إلى انكماش السوق السوداء والطرق غير القانونية.
مجدداً، ماذا عن المونديال؟
برغم أن هذه المعضلة ليست الوحيدة أو الأهم، التي تواجه دولة قطر، لا تزال الإجابة عن هذا السؤال غامضة مبهمة ومراوغة. الجهات الرسمية تقول إن تناول الكحول سيكون مسموحاً في مناطق معينة، ولا يتم توضيح أي نقطة تتعلق بطبيعة هذه المناطق وانتشارها وحجمها وكيفية تزويدها بالمشروبات الكحولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...