من الصعب على مسيحي مغربي أن يكشف عن دينه، إذ سيعتبر هذا الأخير مرتداً عن الإسلام وكافراً، وهذا غير مسموح بتاتاً ومرفوض من المجتمع والقانون. ورغم أن الدستور ينص على حرية العقيدة والدين، إلا أن المسيحيين المغاربة قد يواجهون مشاكل مع الأمن تصل إلى الاعتقال.
تاريخ المسيحية في المغرب
فلنعد قليلاً إلى الوراء، ونتذكر تاريخ المسيحية في المغرب. دخل الدين المسيحي المغرب مع الامبراطورية الرومانية، ثم بدأ يختفي إلا في أماكن محددة، مع ظهور الدولة الموحدية التي وحدت المغرب تحت راية الإسلام. أما المسيحية الحديثة، فبدأت في أواسط الأربعينيات، إذ كان أقدم مسيحي مغربي معاصر، هو السيد مهدي اقصارة، الذي اعتقل في طنجة عام 1998 بتهمة التبشير (نشر الدين المسيحي)، كما حصل من سنتين مع شاب من قرية في مدينة تاونات، اعتقل بالتهمة نفسها، وأطلق سراحه مؤقتاً عقب شهر من اعتقاله، بعدما واجه معاملة قاسية من السجناء والسلطات.
في مغرب غالبيته مسلمة، لا يعترف المشترع المغربي بالمغاربة اللادينيين أو غير المسلمين، فيعتبر أن جل المغاربة الحاملين للبطاقة الوطنية مسلمون. ويقدر عدد المسيحيين في المغرب بين 5000 و40،000، بحسب موقع "فايس نيوز" Vice news، لأنه لا توجد إحصاءات رسمية أو غير رسمية لعدد المسيحيين. وغالبية الصحف المغربية تعتمد على تقارير أجنبية في ما يخص هذا الموضوع. "بحسب علمي، لم تنجز أي دراسة حول المسيحيين في المغرب، وهذا يجعل من الصعب على الباحثين أن يتحدثوا في الموضوع من دون وجود معطيات"، يقول مراد المخنتر، باحث اجتماعي ومتخصص في الأديان.
يقدم المغرب نفسه كبلد متسامح، لكن بطريقة انتقائية، بمعنى أن المغاربة يتقبلون اليهود مثلاً والأجانب، لكنهم يرفضون وجود مسيحيين عرب بينهم، ما يجعل المسيحيين المغاربة يعيشون في سرية تامة. "نحن غير معترف بنا إنسانياً وممنوعون من ممارسة طقوسنا ومضطهدون في المغرب، حتى من أقرب الناس لنا، لا نستطيع حمل الكتاب المقدس أو زيارة كنيسة"، يقول لرصيف22 أمين (اسم مستعار)، مدير صفحة إحدى تجمعات المسيحيين المغاربة على Facebook.
هذا الاضطهاد الذي يحكي عنه، يفوق الكراهية ويصل إلى العنف وتهديدات بالقتل على صفحات Facebook، أو الطرد إذا انكشفت الهوية الدينية. يضيف أمين: "هناك إخوة لنا الآن من دون مأوى، ينامون في الشارع ومطرودون من أهاليهم وهناك من طردوا من عملهم".
التمييز القانوني
في ما يخص القوانين والدستور، يقول مراد المخنتر إنه من مكامن الضعف في الدستور والقانون المغربي عدم تفصيله في مسألة الحريات الدينية، فقد أشار فقط إلى عدم التمييز وحرية التدين، ولم يشر إلى حرية العقيدة صراحة. وقد أثارت مسألة حرية المعتقد نقاشاً حاداً أثناء تعديل الدستور سنة 2011، إذ يرى الفقهاء المغاربة والجهة الرسمية المتخصصة في الفتوة أن أي مغربي غير دينه مرتد عن الإسلام ويجب ان يطبق عليه الحد، غير أن هذا الأمر يظل نصاً من دون تطبيق، على اعتبار أن تغيير المغربي لدينه يكون في الغالب بطريقة سرية. ورغم أن المشترع يغض الطرف عنه، فإن المجتمع غير متسامح، فالمغاربة لا يفهمون أن يكون مغربي يتكلم لغتهم غير مسلم. وبالتالي قبل أن يقمع المسيحي من قِبل السلطة سيتعرض للتضييق من قِبل الناس.
ومن مظاهر التضييق على المسيحيين، منع التبشير، فيعتبر كل مبشر بالمسيحية مخترقاً للقانون، ويعرض نفسه للتضييق أو السجن، مع أن السلطة التنفيذية في المغرب تأخذ بعين الاعتبار المجتمع الدولي في مثل هذه القضايا.
"ضريبة الإيمان بالمسيح غالية جداً" تقول مريم (اسم مستعار)، التي طردتها والدتها ثم استرجعتها حتى لا تنتشر الفضيحة ويعلم بقية الأقارب. وتضيف: "لم تتمالك والدتي نفسها ومرضت من شدة الصدمة، حاولت أن أقنعها بأنني مؤمنة أيضاً وهذه قناعاتي الشخصية، إلا أنني أصبحت كافرة في نظرها وبقية الأسرة، أعيش وحدي والتهمة كافرة!".
الكنائس السريّة في المنازل
صعاب ومشاكل كثيرة تواجه المسيحيين المغاربة، الأقلية الصامتة التي لا تستطيع الصلاة في الكنائس، لأن هذه الأخيرة، التي بناها المستعمر، موجهة للأجانب المسيحيين المقيمين في المغرب. أما المغاربة، ولأنهم مسلمون بالفطرة و"القوة"، فيجتمعون في كنائس سرية، في بيوت بعضهم. "نصلي بصوت خافت حتى لا يسمعنا الجيران"، تقول مريم، وتضيف: "لا نستطيع حتى اقتناء الإنجيل من المكتبات لأن هذا ممنوع، ولا حتى حمله، فهذا سيعرضنا للسجن".
في حين يرى المجتمع أن المسيحي المغربي مرتد عن الإسلام، يراه القانون مبشراً بالمسيحية، وهذه تهمة يعاقب عليها بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وربما أكثر. أما في ما يخص قوانين الزواج وما شابه فتشير مريم إلى أن "أبناء الطائفة المسيحية في المغرب لا يستطيعون الزواج بمسيحيين أجانب مثلاً، ويجبرون على اتباع قوانين الشريعة الإسلامية في الزواج، نحن مجبرون على أشياء كثيرة ضد ديننا المسيحي لأننا نخضع لقوانين لا تعترف بنا".
يجتمع المغاربة الذين اعتنقوا المسيحية للصلاة في كنائس سريّة في بيوت بعضهم
المجتمع لا يعترف بهم أيضاً، والمجتمعات الافتراضية خصوصاً، لأن العنف الذي يتعرضون له يظهر واضحاً على صفحات الـFacebook. مريم تخدم في إحدى صفحات الـFacebook المسيحية، كما تقول، وتتلقى تهديدات كثيرة، وسب وقذف بشكل شبه يومي، لكن أملها كبير في المغرب كدولة قانون تحميهم من القتل، رغم ما يتعرضون له من استجواب وتحقيقات في حال العثور في حوزتهم ما يشير من بعيد أو قريب إلى الدين المسيحي. كما حصل في مطلع السنة مع شاب في مدينة فاس استغرق استجوابه 11 ساعة في مديرية أمن المدينة، بسبب اقتنائه كتابين عن المسيحية.
ربما العلمانية هي الحل، وهذا ما ينادي به غالبية العاملين في المجال الحقوقي في المغرب، كحل بديل لضمان حرية الدين والمعتقد بشكل مطلق، وتجنب الانتهاكات التي تتعرض لها الأقلية المسيحية. تقول مريم: "نحن في الأخير لا نريد زرع فتنة في المجتمع المغربي، ومرادنا بعيد عن ذلك. نريد التعايش مع بقية أهلنا في سلام، وأملنا أن يتقبلنا الجميع وأن لا نعيش في الخفاء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون