على بعد عشرات الأمتار من الحدود الشمالية الفاصلة بين قطاع غزة وإسرائيل، يعمل المزارعون الفلسطينيون داخل أراضيهم طوال اليوم ليتمكّنوا من جني ثمار التوت الأرضي تمهيداً لتصديره إلى الأسواق الأوروبية.
حتى السبت الماضي، كان المزارعون قد تمكّنوا من تصدير شاحنتين من التوت الأرضي (أو الفرير أو الفراولة) عبر معبر كرم أبو سالم الحدودي، وهو المنفذ التجاري الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي.فضل زايد، 35 عاماً، مزارع فلسطيني يباشر عمله كل يومٍ منذ ساعات الصباح الأولى حتى المساء برفقة عدد من العمّال. يقطفون ثمار التوت البري ثم يضعونها داخل ألواح خشبية ثم في صناديق بلاستيكية ويغلفونها ويجهزونها للتصدير.
قال زايد الذي استأجر قطعة أرضٍ مساحتها 7 دونمات لزراعتها بالتوت الأرضي: "نبدأ بتسميد التربة وتهيئتها لزارعة التوت الأرضي من سبتمبر حتى ديسمبر، ثم نحصد المحصول يومياً ونستمر في تصديره إلى الأسواق الخارجية حتى منتصف يناير، كما نتجه لبيعه في الأسواق المحلية بأسعار زهيدة حتى شهر أبريل".
معوقات الإنتاج
كل دونم كان ينتج قبل سنوات طناً من التوت الأرضي الصالح للتصدير، بحسب زايد. أما في هذا الموسم، فلا يتوقع أن يزيد الإنتاج عن 500 كيلوغرام ثمن كل كيلو يصدّر إلى الخارج 8 شواكل (دولاران).
المعوقات أمام نجاح الموسم تتمثل في المضايقات الإسرائيلية المتكررة على المزارعين، إضافة إلى قرارات منع التصدير إلى الضفة الغربية، عدا تكلفة الإنتاج المادية المتزايدة عاماً بعد عام بسبب ارتفاع أسعار الأدوية والأسمدة الكيميائية ومعدات الزراعة.
يبذل زايد في مزرعته جهوداً كبيرة كي ينجح مشروعه، فهو يرى أن أي خسارة أخرى قد تؤدي به إلى الهاوية خاصة بعد أن تعرضت أرضه في الحرب الأخيرة، العام الماضي، للقصف المباشر مما كبده خسائر مادية تُقدر بخمسة آلاف دولار. أكثر ما يخشاه حالياً هو إغلاق إسرائيل للمعابر التجارية في وجه شاحنات التصدير، مما يحول دون بيع الإنتاج إلى أسواق الاتحاد الأوروبي والضفة الغربية.
قديماً كان الإنتاج إيجابياً
ليس بعيداً عن مزرعة فضل زايد، تقع مزرعة محمد بدر، 38 عاماً، وهي أقرب إلى الحدود مع إسرائيل. يُساعد بدر العمّال للتسريع في قطف التوت الأرضي استعداداً لبيعه للسوق المحلية. وقال لرصيف22: "حين قررت زراعة الفراولة قبل عشر سنواتٍ من الآن في أرضٍ زراعية مساحتها ثمانية دونمات، كان الإنتاج مبشراً في كل عام ولم نكن نتكبد إلا القليل من الخسائر. لكن منذ بدء الحصار علينا ثم الحروب الثلاث المتتالية، تكبّد أصحاب الأراضي الزراعية الكثير من الخسائر واضطروا إلى النهوض من جديد دون دعمٍ من أي جهة وهذا يزيد العبء على كاهل المزارع".
ولا تسلم الأراضي الزراعية من التأثر السلبي بالعوامل الطبيعية سواء في فصل الصيف أو الشتاء، مما يدفع المزارع إلى الوجود شبه المستمر في مزرعته لتفادي الخسائر الناجمة عن ذلك.
البيع للسوق المحلية
هذا العام، قرر بدر على غير عادته أن يُوقف تصدير التوت الأرضي إلى الأسواق الخارجية معللاً ذلك "بعدم وجود عوائد اقتصادية مُجدية كما كانت عليه في السابق برغم أن سعر الكيلو الواحد في السوق المحلي لا يتجاوز الـ5 شواكل (دولار وربع)".
وبعد تأكيده أن الدونم الواحد في مزرعته كان يُنتج 3 أطنان من التوت الأرضي الصالح للتصدير، أما الآن فـطنان أو أقل، لفت إلى أن "التصدير إلى الخارج يحتاج إلى عمّال أكثر وبالتالي تكلفة أكثر، عدا أن ثمن البيع لا يصلنا إلا بعد شهور، أما بيعه للسوق المحلية فلا يحتاج لعمال كُثر، والدفع يكون مباشرةً للمزارع، وهذا أفضل لنا لا سيما أن الزراعة هي مهنتنا الأساسية التي نعتمد عليها لتسيير حياتنا".
ويرى أن التنويع في التسويق بين الخارج والداخل هو أفضل للمزارعين وهذا يحقق توازناً وتكاملاً فيما بينهم، منبهاً إلى أنه "إذا بعنا جميعنا للسوق المحلية فسيصل كيلو الفراولة إلى شيكل (ربع دولار) بدلاً من خمسة".
حجم الإنتاج
وقال رئيس جمعية غزة التعاونية لزراعة وتصدير التوت الأرضي، أحمد الشافعي، لرصيف22 إن "الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة التوت الأرضي هذا العام تُقارب الألف دونم، ولا يزيد إنتاج الدونم الواحد عن ثلاثة أطنان نظراً للظروف السياسة والاقتصادية التي يمر بها القطاع”. وأكّد أنه "قبل عام 2006، كانت المساحات المخصصة لزراعة التوت البري تُقدر بنحو 2500 دونم ويُنتج الدونم الواحد سنوياً ثلاثة أطنان ونصف الطن، ويُصدر منه إلى الأسواق الأوروبية من 800 كيلوغرام إلى طن".
علماً أن سعر الكيلوغرام الواحد من التوت الأرضي المصدّر إلى الأسواق الأوروبية يُقدّر بنحو 14 شيكلاً (3 دولارات ونصف الدولار) بينما سعر الكيلوغرام الواحد في السوق المحلية لا يتجاوز الـ5 شواكل (دولار وربع). ويعتبر الشافعي أن "الثمار المُصدرة إلى الخارج تراعي المواصفات العالمية لشهادة "جلوبال جاب" التي تهتم بتطبيق الممارسات الزراعية الجيدة في عملية الإنتاج الزراعي".
ولفت الشافعي إلى أن عملية تسويق المحصول في الأسواق الأوروبية بدأت منذ ديسمبر الجاري من خلال شركات إسرائيلية. ومن المتوقع أن تُنتج مزارع الفراولة هذا العام ما يُقارب 3000 طن يُصدر منها ما يُقارب الـ500 طن إلى الأسواق الأوروبية.
صعوبات كثيرة
وعن أبرز الصعوبات التي يواجهها المزارعون الفلسطينيون قال الشافعي: "لا تتوفر في معبر كرم أبو سالم التجاري الإمكانات اللازمة للحفاظ على المنتج بجودته العالية، كما أن التكاليف المادية التي تقع على كاهل المزارع كبيرة، إضافة إلى تدني الأسعار في أسواق أوروبا ومنعنا من التصدير إلى داخل إسرائيل والضفة الغربية، عدا وجود منافسين لنا في الأسواق الخارجية كمصر وإسبانيا والمغرب".
وتكبّد مزارعو قطاع غزة خلال السنوات الثماني الماضية خسائر مالية باهظة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وتجريف مئات الدونمات الزراعية التابعة لهم، لا سيما في المناطق الحدودية، مما أدى إلى تقلص المساحة الزراعية المزروعة بالتوت البري بنسبة 65%، بحسب الشافعي.
دور إرشادي ورقابي
وأشار مدير عام التسويق في وزارة الزراعة في غزة تحسين السقا إلى أن دور الوزارة يقتصر على توعية المزارعين وإرشادهم منذ بداية الزراعة حتى نضوج المحصول. ثم تقوم الوزارة بدور رقابي على المحصول قبل التصدير، وتتم تعبئة المحصول في عبوات بلاستيكية بوزن 250 غراماً، وكل عشر عبوات توضع في كرتونة، ثم تُحوّل إلى غرف الفرز والمراقبة للتأكد من مطابقتها لمواصفات الجودة العالمية.
وبيّن أن الشركات الإسرائيلية المسؤولة عن تسويق المنتج تتلاعب بأرزاق المزارعين إذ تتفق مع الجمعيات الخاصة بالتصدير على سعر معين في بداية الموسم، لكن في نهايته تفرض عليها سعراً أقل من المتفق عليه بحجة الأسعار العالمية وهذا يعود بالضرر على المزارعين.
ومعروف أن محصول التوت الأرضي مُكلف والغرض الأساسي من زراعته بحسب السقا هو التصدير، لأن مئتي دونم تكفي لسد حاجة السوق المحلية، لكن المزارع يتوسع في الزراعة لتغطية حاجة الأسواق الخارجية.
وكان القطاع الزراعي يجني من تصدير التوت البري ما يُقارب خمسة ملايين دولار قبل ثماني سنوات، أما مع نقص المساحة الزراعية فبات المبلغ لا يعتدى ربع مليون دولار.
وأشار السقا إلى أن إسرائيل سمحت في العام الماضي بتصدير نحو 150 طناً إلى الضفة الغربية، لكن "حفاظاً على منتجها، قررت عدم السماح للمزارعين بالتصدير إلى الضفة هذا العام رغم أنها تقع ضمن الأراضي الفلسطينية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...