أسأل صاحب مكتبة "العالم الثالث" في ساحة الأمير عبد القادر، وسط العاصمة، عن عنوانين، رواية صدرت قبل أسابيع في الجزائر، وأخرى قبل أشهر في بيروت. ينظر إليّ مستغرباً. يسألني عن دار النشر الجزائرية، ثم يقول إنه لم يسمع باسم الكاتب ولا الدار يوماً. أسأله عامداً، فأنا أعرف أنه لا يعرف، أرتاد المكتبة منذ سنوات طويلة وأعرف ما فيها، وأعرف حال الكتاب العربي في الجزائر.
الأدب العربي بالفرنسية
يرشدني إلى ركنٍ صغير مخصّص للكتب العربية (بعض الإصدارات المحليّة التي لا تغطّي ما ينشر في الجزائر، وبقية الكتب تعود لعقود خلت، ككتب توفيق الحكيم وروايات نجيب محفوظ الأولى في طبعات محليّة، وعدد من نسخ مذكرات الرؤساء السابقين والجنرالات باللّغتين)، لكن من دون جدوى. أصحاب المكتبات في العاصمة، وبعد سنين من الارتياد والمخالطة، يجد معظم القراء أنهم ينتمون إلى زمنٍ آخر، ويدورون في أفلاك دور نشر ومواسم أدبية تحجّرت. للمثال على ذلك انتظار ما يسمى "الدخول الأدبي" في فرنسا (في بداية شهر سبتمبر، ويكون ممهداً لسلسلة الجوائز الفرنسية التي تُقدّم في الأشهر الثلاثة اللاحقة)، حتى تصِل شحنات جديدة من الكتب، وتصير واجهات المكتبات شبيهةً بنظيراتها في باريس. أو أن تجد في إحدى هذه المكتبات ترجمات فرنسية لروايات عربية، ولا تجد أصولها العربية، التي تكون قد نالت جوائز هنا وهناك. وهذا ما حدث لي، عندما وجدت في أحد الرفوف روايات لرجاء العالم وعلي بدر ورشيد الضعيف والأعمال الكاملة لمحمود درويش... كل هذا مترجماً للفرنسية، ولن يجد القارئ العربي أي أثرٍ لكتب هؤلاء بالعربية.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، خصوصاً عندما نعرف من أحد المكتبيين أنه لا يوجد موزعو كتب حتى بالفرنسية، وأن أصحاب المكتبات في الغالب يطلبون الكتب بأنفسهم ويستوردونها عبر علاقات مع موزّعين في فرنسا، أو ينتظرون وصولها في "معرض الكتاب الدولي"، الذي يقام بين شهري أكتوبر ونوفمبر، والذي بسبب سوء التنظيم غالباً ما يتزامن توقيته مع معارض كُتب أخرى في الدول العربية، مثل "معرض الشارقة للكتاب"، وهذا ما أدى إلى تغيّب عدد من أهم دور النشر العربية (مثل منشورات الجمل، دار التنوير، دار الساقي...) عن النسخة الأخيرة من المعرض. والسبب بحسب أحد الناشرين المتغيبين كان أن "مبيعات الدار في معرض الكتاب في الجزائر ليست عالية، وبالكاد تغطي المصاريف".
لا نقاط توزيع
المشكل الأساسي حسب العديد من الآراء يتلخّص في نقطتين: أولى شبه غياب (وتناقص) لعدد المكتبات في المدن الكبرى، التي لا يتجاوز عددها الأربع مدن على مجموع 48 ولاية في الجزائر، ثانية انعدام وجود وكلاء لدور النشر الكبرى العربية، عدا بعض الناشرين الجزائريين الذين يملكون علاقات خاصة بناشرين عرب ويروجون على نطاق ضيّق لكتبهم، وأيضاً تجربة "منشورات الاختلاف"، التي تخوض منذ سنوات النشر المشترك مع "الدار العربية للعلوم ناشرون" ببيروت. لكن أيضاً انعدام شبكات التوزيع، وقلّة نقاط البيع لا يشجّع الناشرين من الدول العربية على دخول هذا السوق، بحسبان الربح والخسارة.
حتى بسطات الكتب في ساحة خميستي وسط المدينة، التي تحوّلت مع الوقت (وبقليل من التنظيم) إلى ساحةٍ تتجاور فيها طاولات بيع الكتب المستعملة، لا نجد عندها إلا بعض العناوين العربية من دور النشر الحكومية القديمة، والتي باتت تواجه بعد التسعينيات، مشكلة أن الكتب تبقى في المستودعات لعقود قبل أن يفرج عنها. وعندما سألت أحد الباعة، أجابني: "عملنا هذا عبارة عن صناعة خفيفة، تأخذ كل مادتها الخام من الكتب التي تصلنا من فرنسا، لا كتب تصل من المشرق أو من أي مكانٍ آخر".
صحيح أن الجزائر فيها "ازدواجية لغوية شبه رسمية"، وأن مسائل الهوية والتعريب ولغة التدريس في المدارس، وغيرها من المواضيع لا تزال مفتوحة من ستينيات القرن الماضي، لكن مسألة توزيع الكتاب، مهما كان نوعه روايةً أو دراسةً أو ترجمات، وخصوصاً الكتاب العربي، لا تزال عالقة بين أطراف كثيرة. وهي أبعد ما تكون عن مشاكل الهوية وملحقاتها، ويبقى الخاسر فيها هو القارئ، وتحتاج إلى مشاريع جادّة ونفس طويل.
في انتظار ذلك يبقى معرض الكتاب الفرصة السنوية "غير الكاملة"، للحصول على الكتب العربية، وإلا فالمصدر الأول للقارئ الجزائري هو مواقع ومنتديات الكتب الإلكترونية المقرصنة، يحمّلها على شكل ملفات PDF ويقرأها.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.