يشهد عدد من الولايات الجزائرية احتجاجات متواصلة ضدّ استخراج الغاز الصخري، وتضامناً مع الحراك السلمي الذي انطلق في نهاية العام 2014 ولا يزال مستمراً في مدينة "عين صالح" جنوب البلاد، مطالباً الحكومة بتوقيف مشروع استخراج الغاز الصخري في مواقع تبعد بضعة كيلومترات عن المدينة.
آخر عام 2014، بدأت الحكومة الجزائرية بتنفيذ مخطط استغلال "الغاز الصخري" كطاقة جديدة بديلة للبترول لسد العجز في الميزان التجاري والخزينة العامة. لكن هذه الطاقة المدرجة في البرامج العالمية على أنها مستقبلية ومستدامة، تثير الكثير من الجدل لعدم توفر تقنية تمكن من استخراجها من دون تلويث البيئة. يتطلب استخراج الغاز الصخري ضخّ موادّ كيمياوية في باطن الأرض مع مياه وافرة، تتسرب إلى طبقات الأرض السفلى ومنها إلى المياه الجوفية، ملوثةً الثروة المائية. لذلك، ولأسباب أخرى عدة، يواجه استخراج الغاز الصخري عراقيل في جميع أنحاء العالم، لا سيما من قبل المنظمات البيئية الدولية. لم تكن نيّةُ الحكومة الجزائرية في ما يتعلق باستخراج الغاز واضحة (ولم تتضح إلى اليوم)، ولكن عندما اكتشف سكان مدينة عين صالح (حوالي 1450 كلم عن العاصمة) الأشغال التي بدأت في مواقع لا تبعد أكثر من 20 كلم عن مدينتهم الصغيرة وسط الصحراء، خرجت المدينة كلها إلى ما صار يعرف في الجزائر اليوم بـ"ساحة الصمود". أكثر من شهرين والمجتمع الصغير المحافظ لعين صالح يتظاهر بشكل أثار استغراب الجزائريين، لا سيما في الشمال حيث تسود كليشيهات كثيرة عن سكان الصحراء، مثل طيبتهم التي تصل حد السذاجة. ظهر في عين صالح، حيث تدني مستويات المعيشة، وعيٌ مُجتمعي كبير وحراك مدني متماسك. رفض المتظاهرون استقبال المسؤولين مطالبين بكلمة من الرئيس توقف عمليات "الاستكشاف"، ورفضوا تسييس القضية.وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة موقع فيسبوك، لعبت دوراً كبيراً هذه المرّة وساهمت إلى جانب القنوات الفضائية الخاصّة، الحديثة النشأة في الجزائر، في كسر احتكار المعلومات. أنشأت صفحات كثيرة مُساندة لقضية الغاز الصخري في مدينة عين صالح، إلى جانب صفحات رئيسية تنقل الصور والأخبار كل بضع ساعات، وتنظم مواعيد الوقفات الاحتجاجية. وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً انفجرت صُور مُركّبة عديدة بإحالات وإشارات ضد الغاز الصخري.
مع بدء الاحتجاجات خرج الرسم المشهور للرجل الطوارقي (من الطوارق) وقد كُتب تحته: لا للغاز الصخري. الرسم الذي ألفناه لعقود كرمز لـ"رالي داكار"، أو لرحلات الصحراء، والذي رأيناه مَوسُوماً على آلاف السيّارات، صار اليوم الشعار الرسمي لقضية الغاز الصخري: رجل طوارقي يلبس قناع غاز.
من جهته، نشر «الموسطاش»، وهو غرافيست جزائري، صوراً كثيرة معتمداً على شعار شركة سوناطراك Sonatrach الجزائرية، وهي من أكبر شركات المحروقات في أفريقيا وكانت رمزاً لاقتصاد البلاد منذ عقود، قبل أن تشهد سلسلة من الفضائح والاختلاسات. نرى شعار سوناطراك في ثلاث صور: الأولى إلى جانب رؤوس صغيرة مُقنّعة بقناع غاز (الصورة الرئيسية)، والثانية تظهر الوزير السابق شكيب خليل يشرب من مشروب للطاقة برتقالي اللون Energy drink، مرفقاً بشعار سوناطراك مع عبارة: «ڨرڨع وقلّع»، أي اِشرب واهرب، وذلك في إشارة للاختلاسات وسلسلة القضايا الدولية التي تتابعه. أما الثالثة وهي الأقوى، فتظهر شعار سوناطراك مكان صليب النازيّة وسط علم أحمر.
انتشرت صورة مركّبة أخرى أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي، تستند إلى الصورة التاريخية المشهورة لمؤسّسي «حزب جبهة التحرير الوطني» الستة، سنة 1954. عُدّلت الصورة بحيث ألبسوا أقنعة غاز، وكُتب تحتها "لا للغاز الصخري"، تذكيراً بأن احتكار السلطة للتاريخ والرموز لم يعد ممكناً منذ سنين، وبأن هذه الرموز أصبحت "مُلك عام".
أمّا ياسر عامر، فنّان تشكيلي من مدينة مستغانم غرب العاصمة، وصاحب مشروع الرجل الأصفر، وهو عبارة عن شخصية خيالية تمثل الانسان الجزائري المتفسّخ في روتين الحياة اليومية المتناقضة، فقد نشر صوراً مركّبة لرجاله الصفر، مقّنعين مرّة أخرى ضد الغاز الصخري، ودائماً تحت شعاره "حنا هوما نتوما" (نحن/ هُم/ أنتم)، أو على طريقة: JE SUIS AIN SALEH.
لم تقف المساهمة الفنية في الاحتجاجات على المادة البصرية. فقد طرح «العُ»، وهو موسيقي تجريبي، مقطعين موسيقيين على حسابه على ساوندكلاود، الأول ميكس لأغان من الصحراء وتسجيل حي من الاحتجاجات، والثاني قصيدة لشاعر العاميّة عبد المجيد أعراب مع خلفية صوتية من تركيبه.
من جولة سريعة على الصفحات والحسابات الجزائرية على وسائل التواصل الاجتماعي، يتبين أن "سُلطة خامسة" وُلدت في الجزائر منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة يوم 17 أبريل 2014. يتحرك الشباب الجزائري بشكل غير مسبوق على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما من خلال السخريّة من كل ما هو سياسي وسلطوي بالصوّر والفيديوهات المركّبة. هذه الحركة التي لا تزال في بداياتها تنتج تعبيرات فنيّة جديدة مع كلّ حدث في البلاد. تعبيرات تتناول الرموز، والكليشيهات، والسرديات الكبرى للشعب الجزئري لتسخر منها، أو تعيد تركيبها، أو تعيد قراءتها قراءةً أبعد من ثنائية الفن/ السياسة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...