بعد أقل من 24 ساعة على تقديم ليلى (اسم مستعار)، شكوى أمنية ضد زوجها بسبب تعرضها لعنف بدني على يده، أقدم الزوج على قتل كل أفراد أسرته حرقاً في المركبة الخاصة به.
وصفت الجريمة، التي راح ضحيتها الزوجة وطفلاهما بـ"أبشع جريمة أسرية" يشهدها الأردن خلال العام 2015، كما كشفت عن اختلالات عدة في منظومة حماية الأسرة خصوصاً في ظل وجود شكوى عنف ضد الزوج لدى الجهات الأمنية.يقول أحد المقربين من الضحية لرصيف22: "كانت حياتهما كأي زوجين عاديين إلى أن أدمن المخدرات، فأصبح عنيفاً معها ومع طفليه، لكنها كانت تتقبل ذلك نتيجة ضغوط عائلية. وقبل الحادث بيوم دخلت إلى المستشفى، بعد تعرضها لإصابات نتيجة الضرب، وتم تسجيل شكوى لدى إدارة حماية الأسرة، وتحويل الزوج إلى المدعي العام، وهناك، نتيجة ضغوط عائلية تنازلت الزوجة عن الشكوى، فأفرج المدعي العام عنه، وعاد الزوجان إلى المنزل".
في اليوم التالي، وبعد تناول الرجل جرعة من المخدرات، اصطحب عائلته، المكونة من زوجته الحامل وثلاث بنات وولد، إلى منطقة مهجورة في ضواحي العاصمة عمان تستخدم لتجميع النفايات، وسكب مادة الكاز في السيارة وأشعل النار. تمكنت الأم من إخراج طفلتين من المركبة، وفشلت في إنقاذ البقية لتموت هي وابنها وابنتها وزوجها، وأصيبت الطفلتان الأخريان بجروح بليغة، توفت بعد أسبوع واحدة منهما، بينما تعاني الثانية من حروق في اليدين.
تعد ليلى واحدة من 3385 امرأة معنفة، بلّغت عن حالة العنف الواقعة ضدها إلى إدارة حماية الأسرة الأردنية، والتي رغم تبليغها ووجود سجل أمني لزوجها في دائرة مكافحة المخدرات، فإن مؤسسات الدولة لم تتمكن من حمايتها وأطفالها.
برغم تطرف الحالة ومأساويتها، يرى خبراء في قضايا العنف في هذه الحالة انعكاساً لواقع العنف ضد المرأة، وتحديداً إشكالية تقبل العنف من النساء الضحايا وتبريره، فضلاً عن الضغوط العائلية التي تتعرض لها المرأة المعنفة من عائلتها والمجتمع، علماً أن تقرير التنمية البشرية لعام 2014، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كشف أن 90% من الأردنيات يبررن العنف ضد المرأة.
في هذا السياق تعتبر الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس، أن "تحدياً كبيراً يكمن في استمرار وجود ممارسات مقبولة اجتماعية، تعد من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويعززها تفسيرات مغلوطة للنصوص الدينية. ومن ناحية أخرى غياب التمكين الاقتصادي يضعف قدرة المرأة على الخروج من دائرة العنف التي تعيشها".
ولمواجهة القبول المجتمعي للعنف منظمات مجتمع مدني حملات توعية مكثفة، تزامناً مع حملة 16 يوم العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تنطلق كل عام في 25 نوفمبر، وبلغ عدد المؤسسات المشاركة نحو 100، حكومية وتابعة للمجتمع المدني وأجنبية.
تناولت الحملات المختلفة جوانب عدة، أبرزها حملة لإلغاء مادة قانونية تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية، ومحاربة زواج القاصرات، واستئصال أرحام الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة والعنف ضدهن، واستحواذ الرجل على راتب زوجته، والعنف النفسي واللفظي تجاه النساء، والعنف الجسدي والجنسي. وتهدف الحملات إلى التوعية من خطورة العنف ضد المرأة وأهمية التبليغ عنه وعدم السكوت، خصوصاً أن نحو 57% من النساء ضحايا العنف لا يتقدمن بشكوى للجهات الأمنية خوفاً من الوصمة الاجتماعية.
فهل تكفي حملات توعية مكثفة للحد من الظاهرة، التي غالباً ما تمارس في الخفاء؟
تقول المستشارة القانونية لاتحاد المرأة المحامية هالة عاهد: "لحملات التوعية أهمية كبيرة في زيادة الوعي بين الأفراد، ووجود برنامج مكثف مهم في لفت انتباه الرأي العام، لكن بالتأكيد هذه الحملات وحدها غير كافية".
وتضيف: "تكثيف الحملات خلال فترة معينة إيجابي لجهة تحقيق الزخم، لكن في المقابل، يجب أن يكون هناك حملات طوال العام. أما الإشكالية الأخرى فهي أن بعض المؤسسات التابعة للدولة تنشط في حملة توعية لمدة 16 يوماً لكنها لا تقوم بواجباتها التنفيذية تجاه تفعيل آليات الحماية للنساء، بالإضافة إلى ظهور مؤسسات أخرى تسعى إلى إطلاق مشاريع ضمن موزانة تمويل معينة، لكن مع انتهاء التمويل ينتهي العمل على تلك البرامج".
أما في ما يخص آليات حماية النساء من العنف، فيبين مستشار الطب الشرعي، والخبير لدى منظمات الأمم المتحدة في مواجهة العنف الدكتور هاني جهشان، أنه "لا تزال هناك العديد من الفجوات المتعلقة في حماية النساء من العنف في الأردن على الصعيدين الإجرائي والتشريعي، والأخير متمثل في قانون الحماية من العنف الأسري وغيره من التشريعات".
مقالات أخرى
الأداء النسائي في البرلمان الأردني، الكوتا لا تكفي
الأردن ومحاولاته لمكافحة الاتجار بالبشر
ويقول: "في الأردن هناك إرادة سياسية واضحة للدولة في مواجهة العنف الأسري والعنف ضد المرأة، إلا أن هذه الإرادة السياسية يجب أن يُعَبّر عنها بدور فعلي للحكومة في قيادة الفريق متعدد القطاعات". ويعتبر أن "الدور القيادي للحكومة غائب عن برامج حماية المرأة الوقائية والعلاجية، التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات، والتي لا يتم التعامل معها بمهنية". ويشير إلى غياب أو عدم وضوح مرجعية وطنية تتحمل المسؤولية الاستراتجية البعيدة المدى لبرامج التوعية المتعلقة بالوقاية الأولية من العنف الأسري.
وفي ما يخص قانون الحماية من العنف الأسري، يوضح جهشان أنه "جاء قاصراً في أمور عدة، أولها عدم وجود عقوبة على مقدمي الخدمات، كالعاملين في القطاع الصحي والتعليمي في حال وقوع حالة عنف، وغموض مفهوم الحق العام في جرائم العنف الأسري، كما أن قانون العقوبات لا يزال يتضمن جرائم عنف أسري يسمح بها قانونياً، أو يعاقب عليها بعقوبات بسيطة، أو يسمح بتخفيف العقوبة عليها، إلى جانب غياب التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع