ثمّة قلق من تجدّد بعض النزاعات التاريخية بين الدول العربية، ومن نشوب أخرى بسبب الخلافات على تقاسم المياه بين البلدان في السنوات المقبلة، وذلك نظراً لنقص المياه المتوقع أن يشمل قرابة ثلثي سكان العالم في 2050.
تُعدّ المياه عاملاً حيوياً في حياة الشعوب وعنصراً أساسياً في رسم سياسات الدول. وكثيراً ما تثير أطماع الدول في الموارد المائية الخاصة بدول الجوار أزمات سياسية قد تُشعل الحروب. وتكثر النزاعات بين الدول على خلفية تقاسم المياه في مناطق تعاني شحّاً فيها ومنها الشرق الأوسط الذي تشكّل الصحارى 87% من مساحته فيما تقع 50% من موارده المائية المتجددة خارجه. بين بعض الدول العربية وجاراتها خلافات عديدة تكوّن أرضية خصبة لنشوب نزاعات مسلحة في المستقبل.يكثر الحديث عن أطماع إسرائيل في زيادة مواردها المائية بهدف تقوية وضعيتها الجيوبوليتيكية ويقلّ الحديث عن الأزمات الأخرى. ولكن تقريراً استخباراتياً أمريكياً خلص إلى أنه، بعد العام 2022، سينتشر استخدام المياه كأحد أسلحة الحرب أو إحدى أدوات الإرهاب خاصة في جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فما هي أبرز النزاعات على المياه في العالم العربي اليوم؟
إسرائيل ولبنان: نزاع على مياه نهري الحاصباني والوزاني
كما هو الحال بالنسبة لمياه نهري الأردن واليرموك، تشكّل مياه نهري الحاصباني والوزاني محط أطماع إسرائيل. هذه الأطماع ليست وليدة الحروب المتلاحقة بين لبنان واسرائيل بل تعود إلى ما قبل تأسيس الدولة العبرية. فالحركة الصهيونية فكّرت، منذ عام 1919، في سد جزء من حاجة المناطق الإسرائيلية الشمالية للمياه من موارد لبنان.
لذلك، بسطت إسرائيل، بعد اجتياح لبنان عام 1978، سيطرتها على نهر الوزاني الذي يغذّي نهر الأردن كما وضعت مضخات وتمديدات لإيصال المياه من نهر الحاصباني إلى شمال إسرائيل. وقد سبق ذلك تدميرها مشروع تحويل مجرى هذين النهرين، عام 1965، وهو مشروع باشر تنفيذه لبنان تطبيقاً لقرار القمة العربية في القاهرة عام 1964.تتقاسم إسرائيل مياه نهر الأردن، بما فيها مياه روافده، مع سوريا ولبنان والأردن وفقاً لمعاهدة تعرف بـ"خطة جونسون" التي تم التوصل إليها في خمسينيات القرن الماضي. ولكن الملف لا يزال محط خلاف وكاد يشعل حرباً عام 2002 بسبب تنفيذ لبنان مشروعاً لجر بعض حقوقه في مياه النهر، وقد يؤدي إلى اندلاع حرب إسرائيلية ـ لبنانية في المستقبل، علماً أن حصة إسرائيل من نهر الحاصباني تزيد على حصة لبنان 14 مرة.
إيران والعراق: نزاع على مياه "شط العرب"
"شط العرب" هو ممرّ مائي يَنتج عن التقاء نهري دجلة والفرات، ويقع بين إيران والعراق ويخلق نزاعاً بين الدولتين منذ تأسيس العراق. وقد أدّى الخلاف على ترسيم الحدود المائية بين البلدين إلى عدد من المناوشات المسلحة برغم توقيعهما، عام 1937، معاهدة استندت إلى معاهدات سابقة بين الدولتين العثمانية والفارسية.
وفي عام 1975، وقّع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، في الجزائر، معاهدة خاصة بالحدود نصت على تسوية الخلاف الحدودي بين البلدين وأُلحقت بها بعض البروتوكولات. لكن بعد الثورة الإسلامية في إيران، تصاعد التوتر بين البلدين من جديد، فدفع هذا صدام حسين، عام 1979، إلى اعتبار مياه شط العرب جزءاً من المياه العراقية. وبعد اندلاع حرب الخليج الأولى، أعلن إلغاء المعاهدة.ولكن حديثاً، في فبراير 2014، توصّل الطرفان إلى اتفاق جديد بشأن تحديد الحدود النهرية في شط العرب وكيفية المضي قدماً وفق المعاهدة المبرمة عام 1975.
مصر والسودان وإثيوبيا: نزاع على مياه النيل
تضع مصر والسودان أيديهما على نهر النيل الممتد على طول 6700 كلم برغم وجود سبع دول أخرى معنية أيضاً بالنهر هي إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا. وتبلغ حصة مصر والسودان من منسوب مياه النهر 87% (65.25% لمصر و21.75% للسودان) بحسب الاتفاقية السارية المفعول التي أعدتها بريطانيا وتمت مراجعتها عام 1959.
ويتكون نهر النيل من التقاء النيل الأبيض الذي ينبع من بحيرة فيكتوريا المشتركة بين أوغندا وكينيا وتنزانيا والنيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا. هذان النهران يلتقيان في السودان ليشكلا نهراً واحداً يعبر مصر ويصب في البحر المتوسط.وفيما تعاني دول الحوض من فقر مائي، تنقسم دول منابع النيل في الصراع على الاتفاقيات إلى بلدان تقبل بالأمر الواقع وأخرى تدعو إلى إبطال الاتفاقيات السابقة.
ويشهد توزيع مياه النيل تجاذباً بين دول منابعه ودول مصبه حيث تنادي الأولى بضرورة قيام دول المصب (مصر والسودان) بدفع مقابل لقاء ما يحصلان عليه من حصص مائية وبتطبيق مبدأ "بيع المياه دولياً". وكانت كل من إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا قد وقعت، في مايو 2010، اتفاقية، بعد التفاوض عليها حوالى عشرة أعوام، طالبت بإعادة تقاسم دول النيل لحصصها من مياهه برغم غياب بوروندي والكونغو ومقاطعة مصر والسودان للمشاورات.
وفي آخر فصول هذا النزاع، أعلنت الحكومة الإثيوبية، في مايو 2013، نيّتها بناء سد النهضة على مجرى النيل الأزرق ما خلق أجواءً من التوتر بينها وبين مصر. وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله بطريرك إثيوبيا متياس الأول على ضرورة بناء التوافقات السياسية بين مصر وإثيوبيا حول تقاسم مياه النيل على مرجعية قانونية تحفظ حقوق البلدين وتؤمن مصالحهما.
تركيا وسوريا والعراق: نزاع على نهري دجلة والفرات
يستمر الخلاف التاريخي على مياه الفرات منذ بناء تركيا السدود ومنشآت الطاقة الكهرومائية على نهر دجلة والتي قلصت من كمية المياه المتدفقة إلى سوريا بنسبة 40% ومن حصة العراق من المياه بنسبة 80%.
وفي حين نصت اتفاقية سورية ـ تركية مؤقتة في شأن مياه نهر الفرات، عام 1987، على تقاسم مياهه خلال فترة ملء حوض سد أتاتورك، تعهد الطرف التركي بتوفير معدل مائي سنوي يزيد على 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود التركية السورية إلى حين الاتفاق على التوزيع النهائي لمياه النهر بين البلدان الثلاث الواقعة على ضفتيه.وأبرمت سوريا والعراق اتفاقية، عام 1989، تأخذ سوريا بموجبها 42% من المياه التي تعبر أراضيها فيما يأخذ العراق 58% منها.
من جانبها، ترفض أنقرة اعتبار نهر الفرات "نهراً دولياً" بهدف التهرب من وجوب تقاسم منسوب مياهه وفق القوانين الدولية. وقد اتهمت سوريا والعراق تركيا بأنها تخزّن المياه وتتقصد عرقلة امدادهما بالمياه بشكل عادل.
مصر والسودان وتشاد والنيجر: نزاع على خزّان الحجر الرملي
يقع خزان الحجر الرملي النوبي المائي، الذي يعدّ أكبر مخزون مياه جوفية أحفوري في العالم، شرق الصحراء الكبرى ويمتدّ على مساحة مليوني متر مربّع في مناطق داخل حدود مصر والسودان وليبيا وتشاد. وقامت ليبيا بإنشاء "النهر الصناعي العظيم" أضخم مشروع لنقل المياه في العالم والذي يعتمد على الخزان بنسبة كبيرة حيث تضخ يومياً من حقوله ما يزيد على 2.5 مليون متر مكعب.
وفي سبتمبر 2013، وقّعت البلدان الأربع اتفاقاً، برعاية الأمم المتحدة، وذلك أثناء لقاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا.ضمن "برنامج العمل الاستراتيجي" الذي تم التوصل إليه تشارك هذه البلدان في استخدام المياه الجوفية بشكل منصف لكل منها.
ونص البرنامج على إنشاء هيئة مشتركة لإدارة نظام المياه الجوفية انتخبت مصر لرئاستها. وقد استبق الاتفاق أي نزاع قد يطرأ في المستقبل بسبب هذه القضية الحساسة.
نزاعات أخرى
هذه النزاعات ليست الوحيدة ولكنها الأبرز. على سبيل المثال، يشترك لبنان وسوريا وتركيا في نهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويجري على أرضه مسافة 25 كيلومتراً، ثمّ يقطع 450 كيلومتراً في سوريا، قبل الوصول إلى تركيا.
عام 1960، وقّع لبنان وسوريا اتفاقيّة تحكم عملية تقاسم مياه هذا النهر واستثمارها، وحصل لبنان بموجبها على حصة تبلغ 20%. ثم، بعد 34 عاماً، عام 1994، عُدّلت بنود هذه الاتفاقية، وبقيت حصّة لبنان على ما كانت عليه، لكن بات ممنوعاً حفر آبار إرتوازية جديدة. ونظراً لشح المياه في المنطقة اللبنانية القريبة من النهر، قد يفرض الوضع نزاعاً جديداً بين البلدين خاصة أن بعض الأصوات اللبنانية كانت قد اعتبرت أن الإتفاقية المذكورة عُقدت في ظل "احتلال" سوريا للبنان.
في المنطقة العربية، تستهلك الزراعة والصناعة حوالى 95% من كمية المياه الطبيعية المتوفرة في حين يبلغ نصيب 35% من العرب أقل من 500 متر مكعب سنوياً للفرد.ومع تزايد عدد السكان وما ينجم عنه من تزايد الطلب على المياه من جهة، وفي ظل تناقصها من جهة أخرى، قد تُعمّق الحاجة إلى المياه من أزمات دول المنطقة.
مصدر الصورة: أ ف ب
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...