شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
صعوبة أن تكون موسيقياً في اليمن

صعوبة أن تكون موسيقياً في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 14 يوليو 201607:16 م

(تم تغيير اسم صاحب القصة وإخفاء بعض المعلومات الرئيسية عنه بناءً على طلبه)

"كافر ما يصليش، ويشغل للعيال أغاني وقت القوارح". هذا ما قالته زوجة الشاب اليمني عماد، مستنجدة بأفراد من قبيلتها كحلّ تعرف تماماً أنه ناجح مع زوجها الذي كان لا يصلي ويضع الموسيقى للأطفال خلال القصف. إذ بعد ساعات كان الرجال يملأون البيت مدجّجين بعنجهية القبيلة، وبعد ذلك كان عماد يوقع على صكّ الطلاق الإجباري والتنازل عن كل شيء، والأهم عن رؤية أطفاله.

لم تكن تلك المرة الأولى التي تستنجد فيها زوجة عماد بسلطة القبيلة، لكنها كانت المرة الأخيرة. فهذا الشاب الذي كان كعادة اليمني الأصيل، مولعاً بالفن ويحب الناس، أصبح الآن مطارداً ووحيداً في إحدى الدول الصديقة، ينتظر أي انفراجة.

لا تعد قصة عماد فريدة لأن الضحية رجل تعرض لانتهاكِ على يد زوجته التي أصبحت "مسؤولة عن رعيتها" وحارسة لقيم الأبوة والذكورة، بل لأن جزءاً من تاريخ اليمن الحديث يتبدى في قصته بكل فرادته وألمه وتناقضاته.

ولد عماد (31 عاماً) في إحدى أقدم المدن الواقعة وسط اليمن، التي أصبحت بعد عقود من التغييرات السياسية والثقافية والاجتماعية، مقرونة بزراعة القات وبأنها منشأ غالبية منتسبي تنظيم "القاعدة" اليمنيين.

عمل عماد كعادة أطفال الريف في رعي الأغنام، وكانت أياماً لطيفة، يتذكرها بكثير من الشجن، خصوصاً أنه في تلك الفترة اشترى آلة "الهارمونيكا"، التي كانت رفيقته في ليالٍ طويلة. يقول: "عزفت الهارمونيكا مع الأطفال في شعاب مدينتي وليالي رعيان الغنم، كانت البيئة الدينية بسيطة جداً، وكان الناس أكثر ميلاً إلى التحضر ولبس البنطلون والرغبة في النجاح العلمي. لكن النزعة القبلية كانت السائدة، والتقسيم الطبقي للمجتمع اليمني هو الأصل الذي تحتكم إليه حياة الأفراد. لكنني لم أع ذلك إلا في سن التاسعة، في أول حفل زفاف حضرته، بعد أن صادرت أمي الهارمونيكا وقالت لي: القبيلي ما يغنيش، المزاينة هم اللي يغنوا". والمزاينة، في اليمن هم الطبقة الاجتماعية التي يعمل أفرادها في مهن "دنيا" مثل الغناء، ومزيّن الشعر.

تعرض والد عماد وهو طفل لحادث سيارة توفي على أثره بعد فترة وجيزة. في سن الـ14 انتظم في جلسات تحفيظ القرآن، وفي الـ17 أصبح خطيباً للجامع. يقول: "بعد أن مُنعت من الهارمونيكا، التحقت بالمسجد ودرست علوم الدين، ونسيت الموسيقى تماماً رغم أن تديني لم يكن تزمتاً كالآخرين، وفي عمر الـ17 أصبحت خطيباً للجامع في حال تغيب الخطيب الرسمي، ثم تركت الدراسة وكنت في المرحلة الثانوية، لأنني اقتنعت بأن التعليم الحديث أمر دنيوي حقير، ثم تركت حلقات تحفيظ القرآن، بسبب التحرش الذي كان يتعرض له الأطفال في المسجد".

بعد خروجه من الدراسة ترك مدينته وذهب إلى صنعاء، واندمج هناك في حياة مختلفة واكتشف نفسه، وتغير تماماً عن ذلك الفتى الذي كان يرتل القرآن في حلقات المسجد. خلال 6 سنوات عمل في كل شيء تقريباً: عاملاً في "كابينة" اتصالات، وطباخاً في أحد الفنادق السياحية، وفي حقول البن، وموظفاً في شركة تأجير سيارات، ثم مرشداً سياحياً، وعلّم نفسه مبادئ اللغة الإنغليزية، واستطاع أن يستقل في شقة، وتوقف عن زيارة مدينته تماماً، فلم تعد تشكل له، حسب قوله، سوى أمرين أصبح يرفضهما تماماً: "القات والتدين".

كانت البيئة الدينية بسيطة جداً، وكان الناس أكثر ميلاً إلى التحضر ولبس البنطلون والرغبة في النجاح العلمي

في عمر الـ23 فوجئ عماد بمجموعة من أقربائه يزورونه ويحملون له آخر ما كان يريده في حياته: زواجك الأسبوع المقبل، أنت الآن رجل "كسيب"، ولا يؤخرك شيء". وبالفعل تزوج فتاة تصغره بأربع سنوات وتربطه بها قرابة. وحين سألناه لماذا لم يقاوم أو يرفض وهو رجل في بلد يقدس الرجال، قال: "لا أحد يقاوم القبيلة في مدينتي حين يكون شرف القبيلة على المحك".

يصف عماد فترة زواجه بأنها "صراع متواصل، ليس هناك أي أرضية مشتركة بيني وبينها، لذلك كان لابد من الانفصال". بعد فترة وجيزة حصل على فرصة للسفر إلى بلد أوروبي، وبقي هناك لعام ونصف العام، وحين عجز عن الحصول على عمل عاد إلى صنعاء، لكنه اقتيد من المطار إلى غرفة التحقيق لتشابه لقبه العائلي مع لقب أحد المطلوبين من "القاعدة"، ومنها إلى سجن الأمن القومي حيث مكث أسبوعاً.

عن هذه التجربة قال: "السجن القومي فصم آخر ما كان بيني وبين الله، ففترة الاعتقال وضعتني وجهاً لوجه مع معتقدات الطفولة، فخرجت من السجن تاركاً فيه إيماني بوجود رب لهذا الكون الجائر". تزامن خروج عماد من السجن مع بداية ثورة الشباب عام 2011، وكانت ساحة التغيير في صنعاء وجهته، حيث كانت أحلام اليمنيين تتلخص بكلمة واحدة: الخلاص.

تعرف هناك إلى 3 شبان وجد معهم ميولاً مشتركة، فكوّنوا فرقة موسيقية تلحن وتعزف وتضع التوزيع الموسيقي. وخلال أقل من عامين استطاعت الفرقة أن تحقق شهرة كبيرة في البلاد خصوصاً بين أوساط الشباب، وكتبت عن الفرقة عدة وسائل إعلامية مثل Foreign Policy وRolling Stones الشرق الأوسط. واختار موقع El Monitor مؤسس الفرقة عام 2013 كواحدٍ من 50 شخصاً يشكلون الثقافة في الشرق الأوسط، وتميزت الفرقة بـ"يمننة" موسيقى الريغي وتقديمها بأسلوب جديد.

بعد مرور عامين من الشهرة والنجاح المعنوي، تعرضت الفرقة لعدد من المضايقات أبرزها المشاكل المالية، فلم يعودوا قادرين على تأمين أبسط المصاريف. وأجبر عماد بضغوط من أسرة زوجته السابقة على الرجوع إليها، وصرف النظر عن الموسيقى.

مقالات أخرى

أيوب طارش، صوت اليمن السعيد في زمن الحروب

الدخول إلى جنوب اليمن لم يعد سهلاً على الشماليين

حصل عماد على وظيفة عادية، وعاد لحياته السابقة واستمرت الحياة لزجة وثقيلة كما كانت دائماً، ولكن هذه المرة تحولت الخلافات بين الزوجين إلى صراع بين عالمين متنافرين تماماً، وتحت أتون القصف الصاروخي على صنعاء، المستمر منذ أكثر من 8 أشهر، قررت زوجة عماد أن تنهي حياتها مع "الذي لا يصلي ويحاول أن يشاغل أطفاله بالموسيقى."

يسكن عماد الآن في دولة صديقة، وصلها بعد أسابيع من الخوف والترقب، وبعد مساعدات من الأصدقاء والمعارف. كل ما يحلم به الآن فرصة للجوء إلى أوروبا، يقول: "كل شيء يؤلمني، وكل ما أفكر فيه هو أن أخرج إلى بلد يحترمني ويحترم حياتي، أفكر أيضاً بصياغة لحن يحكي فترات حياتي المختلفة بكل ما فيها، ولست نادماً على أي شيء فعلته، أنا نادم فقط لأنني أنجبت أطفالاً، نادم لأنني شاركت في إنجاب أرواح بريئة إلى بلد هالك لا يحتضن الحياة، وإلى مجتمع لا يحترم فردانية الإنسان". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard