قد تلتقي حقبتان أساسيتان في تاريخ المجوهرات النادرة في الأيام المقبلة، من خلال عقد خلاب مرصع بأحجار من أكثر الألماس نقاوةً في العالم: حقبة الملكة الأم لمصر، الملكة نازلي التي أعادت إحياء عصر كليوباترا من خلال أكبر مجموعة مجوهرات راقية أيام الثلاثينيات من القرن الفائت، وحقبة نهضة المزادات العلنية على المجوهرات النادرة، خصوصاً الهندية المغولية، التي أثارها في أعوام قليلة الشيخ القطري حمد بن عبدالله آل ثاني.
9 ديسمبر هو اليوم الذي ينتظره أهم مؤرخي تاريخ المجوهرات وجامعي الأحجار والقطع النادرة في العالم، ليتعرفوا إلى المالك الجديد لعقد الملكة نازلي من Van Cleef & Arpels، الذي سيعرض في مزاد علني في سوزبيز نيويورك بقيمة تراوح بين 3600000$ و4600000$، فهل يكون الشيخ حمد آل ثاني هو المالك؟
قراءة معمّقة في شغف الشيخ حمد آل ثاني، نسيب أمير دولة قطر الحالي، وعشق الملك فاروق آخر حاكم فعلي من سلالة محمد علي بالمجوهرات النادرة، تكشف نقاطاً مشتركة بل حتى رغبة تاريخية غير واعية بأن تتشابك السلالتان من خلال الملكية الجديدة لعقد الملكة نازلي.
كيف ولماذا؟
تعرفوا معنا إلى أهم جامع للمجوهرات في العالم حالياً الشيخ حمد، 33 عاماً، وعلى إحدى أكثر هوايات الملك فاروق رقياً، وهي اقتناء أفضل مجوهرات العالم. ففي النهاية، والدته هي الملكة نازلي، التي ملكت أهم مجموعة من الأحجار النادرة، قبل أن تنقلب حياتها رأساً على عقب في الخمسينيات.
الماهاراجا القطري
الشيخ حمد آل ثاني رجلٌ خجول إعلامياً، يحتل منصب المدير التنفيذي للشركة القطرية العملاقة Qipco ويعيش في لندن، في أحد أفخم القصور التي كانت ملكاً للطبقة الأريستقراطية البريطانية، دادلي هاوس Dudley House الذي يقدر ثمنه بنحو 400 مليون دولار. وقد حرص على إعادة ترميم الـ4000 متر مربع، ليحتضن أرقى القطع الفنية وأثمن الأحجار الكريمة، ويستقبل بين جدرانه المذهبة نخبة المجتمع البريطاني، وعلى رأسها الملكة إليزابيت التي قالت في مأدبة عشاء قبل نحو عام: "ذلك المكان يجعل قصر باكنغهام يبدو مملاً".
ينتمي الشيخ حمد لعائلة قطر الملكية، التي شبهها أحد مالكي غاليري Lawrie Shabibi الفنية في دبي، بميديسيس فلورنسا القرن السادس عشر، بفضل تأثيرها على الساحة الفنية العالمية، كون أفرادها من أهم جامعي وداعمي الفن في العالم المعاصر.
ليس مستغرباً إذاً أن يزور الشيخ معرضاً مخصصاً لروعة البلاط الملكي في الهند عام 2009 في Victoria & Albert museum في لندن، ليخرج منه عازماً على اقتناء أندر قطع المجوهرات التي ملكها المهراجات عبر التاريخ. كان لا يزال في الـ27 من عمره، وبالفعل خلال 5 أعوام وبإرشاد اختصاصي لدى كريستيز Amin Jaffer، تمكن الشيخ حمد من جمع عشرات المجوهرات النادرة، التي تنتمي إلى 400 عام من حرفيات المجوهرات الراقية، من تراث المغول الرائع إلى قطع الآرت ديكو المستوحاة من أسلوب المهراجا من Cartier، لتصبح مجموعته إحدى أكثر مجموعات المجوهرات ندرةً في العالم، بل مجموعة لا مثيل لها في أنحاء العالم.
القطعة الأساسية التي كانت مسؤولة عن تلك النهضة المثيرة للاهتمام في عالم المزادات العلنية، زخرفة عمامة أو تربان مغولية تحتضن أحجار الياقوت والزمرد والماس حول الياقوت الأزرق، أعطاها نواب مير جعفر للأدميرال شارلز واطسون في القرن الثامن عشر، وجعلت الشيخ حمد يحلم بلقاء جنكيز خان واكتشاف تلك الحقبة المهمة من التاريخ، من خلال اقتناء تلك الزخرفة، وغيرها من القطع والمجوهرات التي جعلت منه اليوم مهراجاً عربياً معاصراً.
وقد وصف موقع blouinartinfo.com الشيخ حمد بـ"الجامع الشغوف ولكن المتحفظ، الذي يملك موازنة غير محدودة، ورغبة في اصطياد قطعه النادرة في جميع الزوايا والمجموعات الخاصة أينما وجدت، ليدخل تاريخ المجوهرات الراقية، وخصوصاً الهندية، من بابها العريض".
بعد أن عرضت أهم المتاحف العالمية مجموعة الشيخ حمد البديعة، يقدم قريباً متحف Victoria & Albert ضمن مهرجان الهند من 21 نوفمبر الجاري حتى 28 مارس العام المقبل، 100 قطعة من تلك المجموعة، يتخللها زخرفة التربان المغولية الغالية للشيخ حمد، وأحجار كريمة نادرة، منها ماسة غولكوندا التي أهديت للملكة شارلوت، وأحجار جاد المغولية التي كان يملكها الشاه جهان، معمّر التاج محل. ونمر مذهب ومرصع بالأحجار آتٍ من عرش السلطان تيبو من مملكة ميسور، وعقدٌ مصنوع من 8 أحجار ماسية من 10 إلى 15 قيراط من منطقة حيدر أباد كان يلبسه الأمراء الهنود في بورتريات القرن التاسع عشر. وسواها من الأحجار والزخرفات التي ستعيدكم إلى أعظم حقبات المغول.
ملك الماس فاروق
عاش الملك فاروق، آخر ملكٍ فعلي لمصر، في ثراءٍ لا مثيل له، فكان يهوى مثلاً السيارات الفاخرة إلى درجة أنه سمح فقط لمحيطه باقتناء سيارات حمراء اللون، كي لا توقفه الشرطة لدى ممارسته سباق السيارات في شوارع مصر. إحدى الهوايات التي عرف بها الملك فاروق، هي اقتناء أكثر من 240 قطعة من المجوهرات الثمينة والنادرة، تم جمعها في عهد محمد علي، الذي امتد 150 عاماً، قبل أن تضع جمهورية مصر يدها عليها لدى سقوط النظام الملكي.
ولد الملك فاروق محاطاً بالأحجار الكريمة، ويقال إنه كان يستخدم خشخيشات من الماس والزمرد والياقوت لينادي الخدم، وكبر وهو يجمع التصاميم الفريدة، منها Mystery Set، حلق من الياقوت من Van Cleef & Arpels. وامتلكت والدته الملكة نازلي وشقيقته الأميرة فوزية قطعاً مهمة من تصميم الدار نفسها، ضمن أهم مجموعات المجوهرات في عصرهما.
صممت دار Van Cleef & Arpels ذلك العقد الخلاب الذي سيعرض للبيع لدى سوزبيز، خصيصاً للملكة نازلي في العام 1939، وذلك بمناسبة زواج ابنتها الملكة فوزية من شاه إيران، في حفلٍ فرعوني زيّن الديوان الملكي بالمجوهرات النادرة. والعقد مرفق بتاجٍ ماسي يخلب الألباب بحباته الـ54 الماسية، على شكل كمثرى وزنها 92 قيراطاً، و530 حبة منها على شكل "باغيت" وزنها 72 قيراطاً.
ما لم تتوقعه الملكة نازلي في ذلك اليوم، هو أنها ستعرض ذلك العقد الماسي والتاج الملوكي للبيع في المزاد العلني لدى سوزبيز نيويورك في العام 1975 ضمن مجموعة أخرى من المجوهرات، لتتمكن من الحفاظ على مستوى العيش الرفيع لها ولابنتها الأميرة فتحية في لوس أنجلس، بعد أن جرّد الملك فاروق الملكة الأم من حقوقها وألقابها ونفاها من بلدها عام 1950 مع ابنتها الصغرى، التي تزوجت من رجلٍ مسيحي، ضد إرادته. جمعت لهما القطعتان النادرتان 267,000$ لدى بيعهما، لكن الملكة لم تعرف كيفية إدارة أموالها ومقتنياتها منذ وصولها إلى نيويورك، فسرعان ما أعلنت إفلاسها وعرضت معظم مجوهراتها المتبقية للبيع عام 1976، 3 أشهر قبل العثور على الأميرة فتحية مقتولة في شقتها في لوس أنجلس، بعد أن أطلق زوجها النار عليها، وحاول قتل نفسه لكنه لم ينجح، وعامان قبل وفاة الملكة الأم في المنفى أيضاً.
تلك القصة الملكية الدراماتيكية، التي تشبه الأساطير ترفع بحد ذاتها من قيمة العقد المادية والتاريخية والثقافية، ليشكل مبيع تلك القطعة الثمينة لدى سوزبيز أحد أندر المزادات العلنية في التاريخ.
يوم 9 ديسمبر، سيكون احتفاء بأناقة الملكة نازلي وثراء حياة الملك فاروق، وتالياً احتفاء بالتاريخ المصري- العربي الثقافي، المحمّل بالألماسات المبهرة، وبأسرارٍ ملكية تنتظر من يتبناها. فهل تثير تلك الرموز رغبة أهم جامع للمجوهرات في العالم حالياً، الشيخ حمد آل ثاني، لامتلاكها وحفظ إرثها؟ وهل ينتقل شغفه من الحقبة المغولية الماهاراجية ليغوص في ماسات مصر الملوكية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...