وقاد الرباعي المشكَّلُ من أهم المنظمات المدنيّة في تونس حواراً وطنياً جمع أغلب الأطياف والأحزاب السياسيّة في البلاد، وتمخّض عنه إعلان موعد نهائي لإقرار الدستور الجديد وتحديد موعد للانتخابات البرلمانية، وخروج حكومة الترويكا الائتلافية بقيادة حركة النهضة الإسلاميّة من الحكم وتشكيل حكومة تصريف أعمال مستقلة تنهي ما تبقّى من المرحلة الانتقالية.
وتنافس على جائزة نوبل للسلام لهذا العام 273 مرشحاً أبرزهم البابا فرنسيس الأول والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إضافةً إلى عدد كبير من الناشطين المناهضين للأسلحة النووية والاغتصاب.
ليس كل التونسيين سعداء
وتباينت ردود فعل التونسيين تجاه هذا التتويج. فمنهم من عدّ الجائزة إنجازاً تاريخياً يجب استثماره سياسياً واقتصادياً واستخدامه في الترويج للسياحة ولصورة تونس ونموذج التعايش السلمي والأمان، ومنهم من اعتبر أن وراءه أهدافاً ومشاريع خفية، مشكّكين في قيمة هذه الجائزة وخلفياتها وأهدافها الحقيقية.
فالكاتبة والباحثة الجامعية ألفت يوسف كتبت على صفحتها الشخصيّة على فيسبوك أنه "يمكن لمن شاء أن يفرح بهذه الجائزة... ولكن شخصياً لا تهمني كثيراً جوائز نوبل. نعرف خفاياها منذ رفض جان بول سارتر جائزة الآداب منذ سنين". وأضافت مؤلفة "حيرة مسلمة": "أنا سأفرح عندما يعم السلام الفعلي تونس... فهذه هي الجائزة الكبرى".
أما الناشط السياسي اليساري مصطفى الجويلي فقال في تدوينة له على فيسبوك: "إلى المهللين لهذا "الإنجاز التاريخي" لا تنسوا أن قائمة المتنافسين ضمت أنجيلا مركل وجون كيري الداعمين للإرهاب والمسؤولين عن كل الجرائم في سوريا وليبيا واليمن والعراق، بالإضافة إلى أن نفس الجائزة قد منحت في السابق إلى مينحيم بيغن واسحاق رابين وشمعون بيريز أكبر مجرمي الكيان الصهيوني". وأضاف الجويلي: "للمهللين أقول كم من انتصارات أشدّ عاراً من الهزائم".
وفي السياق ذاته، كتب الباحث والمؤرخ أنس الشابي: "جائزة نوبل للسلام المسندة اليوم لرباعي الحمار الوطني يصحّ فيها المثل الشعبي البليغ: "كضراط الإبل لا يعلّ ولا يبلّ".
وتُستعمل كلمة "الحمار الوطني" في تونس في سياق التندّر أو السخريّة عند الحديث عن الحوار الوطني الذي رعاه الرباعي الفائز بجائزة نوبل، في إشارة إلى زلّة اللّسان الشهيرة التي وقع عبد الستّار بن موسى، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في افتتاح جلسات الحوار في أكتوبر 2013.
وفي الإطار نفسه كتب الشاعر والفنّان لزهر الضّاوي بمناسبة الجائزة قصيدة ساخرة عَنْوَنَها بــ"عذراً سيّدي الحمار".
ترحيب ودعوة إلى استثمار الحدث
في المقابل، رحّبت معظم الوجوه السياسية والثقافيّة في البلاد بهذا التتويج العالمي، فقد اعتبر الرئيس السابق المنصف المرزوقي أن "هذا التكريم فخر لتونس وللتونسيين جميعاً". وقال أمين عام حزب "نداء تونس" محسن مرزوق إنّ الجائزة "شهادة دولية على أهمية التجربة التونسية في انتقالها الديمقراطي" مؤكّداً على "التزام حزب نداء تونس نهج التوافق وإعلاء المصلحة الوطنية".
وكتب رئيس حركة النهضة الاسلاميّة راشد الغنوشي على صفحته الرسمية على فيسبوك أنّ "هذا التكريم هو تكريم لجهود الرباعي وتكريم لتونس التي تمكنت بفضل الله وجهد أبنائها من اجتناب الاقتتال والتناحر الذي يسود بعض البلدان الشقيقة، وذلك بتبني مبدأ الحوار والتوافق مسلكاً وحيداً لحل الاختلافات والمشاكل".
وفي السياق ذاته، نشرت الكاتبة والباحثة التونسية رجاء بن سلامة على صفحتها الشخصية على فيسبوك تدوينة قالت فيها: "الرباعي الراعي للحوار وتجربة الفضّ السلمي للنزاع يدرك من هم خارج تونس معناهما، وجاء التتويج اليوم بحصول هذا الرباعي على جائزة نوبل للسّلام. هذا الرباعي هو نحن، هو المجتمع المدني، والنساء التونسيات، وكل من تصدى للتوحش والعنف بالكتابة، أو السير في مظاهرة سلمية، أو الدفاع عن الديمقراطية ضد كل القوى التي تمتصّها لتنتصب ببضاعة بدائيّة".
بينما كتب الشاعر والإعلامي مكي هلال على صفحته على فيسبوك: "هم يدقّون طبول الحرب والعالم يمنحنا جائزة نوبل للسلام ومعها جرعات فرح نحتاجه! مفارقة تقول كل شيء وتؤكد أن صوت ثقافة الحياة والسلام أقوى من صوت طبول الحرب والموت والاغتيالات".
الحوار بديلاً عن العنف
ولفت الإعلامي والمحلل السياسي يوسف بن موسى إلى أن الرباعي الراعي للحوار مثّل "قوة امتصاص منعت الترويكا ومعارضيها من التصادم الذي سيكون حتماً على رؤوس عامة الشعب". وقال لرصيف22 إنّ "سقوط الترويكا كان سيحدث بالحشود أو بالعسكر أو بالتدخل الخارجي تساوقاً مع التغيّرات في المنطقة، ولكن السؤال المركزي كان عن تكلفة الخروج من الحكم، التكلفة البشريّة والماديّة والاجتماعيّة والتاريخيّة. التونسيّون لم تكن لديهم خيارات كثيرة، فإمّا السيناريو المصري وهو التدخل العسكري الذي سيسحب البساط من تحت الجميع (حكومة ومعارضة)، وإمّا السيناريو الليبي وهو الاحتراب الأهلي".
وأضاف أنّ تدخّل الرباعي الراعي للحوار في هذا الإطار مثّل "حلاً سياسيّاً أبعد عن البلاد شبح الاحتراب وأعطى للتجمّعيين (النظام السابق) اعترافاً من قبل خصومهم، فبعض القوى السياسية قبِل هؤلاء في المعارضة والبعض الآخر أبدى استعداده لقبولهم في الحكم، كما أعطى الترويكا اعترافاً من قبل خصومها وقَبِلَ الجميع الشروط الجديدة وهي الاحتكام إلى صندوق الانتخابات".
وقال: "برغم ذلك نجد طيفاً واسعاً من الإسلاميين وحلفائهم في تونس يهاجمون الرباعي الراعي للحوار من منطلق أنه سلب الترويكا الحكم. ونجد طيفاً واسعاً من قوى اليسار تهاجم الرباعي بمنطق أنه أخرج الترويكا من باب الحكم وأعادها من النافذة، وساهم في إفلاتها من العقاب، كما عطّل فاعليّة التراكم الكمّي الذي يؤدي إلى تحول نوعي بالضرورة، فالرباعي في نظر هؤلاء قوات مطافئ سياسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...