"وريا" و"خادم" لقبان متداولان في مدن ومحافظات اليمن. هما من جملة ألقاب يمتعض منها ذوو البشرة السوداء لأنّها تنم عن عنصرية وتمييز طبقي في حقهم.
وروى عبد الحكيم علي محمد، 25 عاماً، لرصيف22: "منذ طفولتي وهم ينادونني العبد لأن بشرتي سوداء"، وتساءل مستنكراً: "مَن هو الذي يستطيع تغيير لون بشرته أو التحكم بشكله؟ هذا خلق الله". وأضاف: "مجتمعنا تعوّد في ثقافته أن ينظر إلى أيّ شخص ذي بشرة سوداء على أنه عبد أو خادم، وهذا يضايقني كثيراً. في بعض الأحيان ينادونني "الأبيض" وهي كنية ساخرة يقصدون فيها أنني غاية في السواد".وشكا سلمان حزام من مناداته "العبد الأسود" حتى إنه اعتاد هذا اللقب. وقال: "ما عدت أغضب كما كنت من قبل حين أتشاجر مع كل مَن يناديني بهذا اللقب، فالأمر أصبح مألوفاً ولا يهمني ما يقولونه ما دمت أنتمي إلى قبيلة كبيرة لها تاريخها العريق".
وتحدث مجاهد عزان عن معاناته: "كوني آسود لا يعني آنّني عبد، وإذا كان هذا الوطن لذوي البشرة البيضاء فليبحثوا لنا عن وطن لنا نحن السود العبيد على حد وصفهم. العنصرية تطاردني أينما ذهبت وينادونني يا عبد ويا خادم. حتى عندما أتقدّم إلى وظيفة يقولون لي لا نقبل العبيد. أين أذهب وأنا أعيش في مجتمع يؤمن بالعادات والتقاليد أكثر من إيمانه بالدين نفسه؟".
عنصرية موروثة
الشيخ غانم محمد صالح، أحد مشايخ منطقة عميد الداخل التابعة لمديرية السياني في محافظة أب وسط اليمن، حمّل الآباء مسؤولية هذه العنصرية وقال: "الآباء يمنعون أبناءهم من تناول الطعام أو الشراب مع السود أو الاختلاط بهم. من هنا تنمو مع الأطفال كراهية كل ما هو أسود". وأكّد أن "الكثير من الاعتداءات تطال السود في منطقتنا ولا يجرؤ الأسود على الشكوى أو الانتقام لأنه سيفتح بذلك على نفسه باباً من الاعتداءات اللامتناهية من البيض نظراً لأن مفاهيم القذارة والعبودية والسخرية اقتصرت على ذوي البشرة السوداء أو الدكناء في منظور المجتمع ولا يمكن لأحد تغييرها".
وأكّد الرائد أحمد قايد محمد، مدير قسم شرطة سابق في محافظة تعز جنوب غرب اليمن أن "العنف يكون غالباً شديداً ضد السود، وفي الكثير من القضايا التي كانت تصلني كان الناس يعتبرون خطيئة الأسود بألف خطيئة، أي أن ذنبه مضاعف إذا شتم أو سرق، إذ تكون ردّة فعل ذوي البشرة البيضاء أعنف من توقعاته وقد تصل بعض الحالات إلى حد قتله". وأضاف: "الشقاء والبؤس اللذان يعيش السود فيهما لا يشعر بهما أحد من ذوي البشرة البيضاء. فيقولون إن هذا خادم أو عبد وما يصيبه لا يؤثر عليه وأنه يستحق ذلك". وأشار إلى آن "العنصرية موجودة أيضاً في أوساط المسؤولين الحكوميين سواء في أقسام الشرطة أو غيرها، فيتعاملون مع قضايا السود بظلم ولا يتمٌ انصافهم".
مكافحو العنصرية
تلقي القلة القليلة التي تكافح العنصرية اللوم على ضعف دور مؤسسات التعليم في اليمن، وعلى تقصيرها في تنوير الفكر وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن أصحاب البشرة السوداء.
وذكّر الشيخ الديني شوقي كمادي أن الإسلام يكافح أفكاراً كهذه وقال لرصيف22: "الإسلام جاء ليحرر الناس من هذا التفكير العنصري. ومن أهم ما يرغّب الناس في اعتناق الإسلام هو نظرته إلى الناس كمتساوين وعدم تمييزه بينهم لا من حيث اللون ولا من حيث العرق ولا من حيث النسب. فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط كما قال رسول الله". ونبّه إلى أن النبي كان يشتد غضبه كلما رأى مثل هذه الظاهرة. وحين عيّر أبو ذر الغفاري الصحابي بلال بقوله له "يا ابن السوداء" أجابه النبي: "أعيّرته بأمه؟ إنك امرئ فيك جاهلية". فشعر أبو ذر بأنه ليس من الإسلام في شيء ولم يجد كفارة لذنبه إلا أن وضع خده على التراب وقال لبلال "ضع قدمك السوداء على خدي"، وذلك حتى يصحح إسلامه ويكسر الكبر والعنصرية التي زل بهما لسانه.
أسباب التمييز العنصري
وشرحت الخبيرة الاجتماعية ياسمين الصلوي لرصيف22 أن "أهم أسباب التمييز العنصري الجهل المتفشي في أوساط الناس والأمية، إضافة إلى عدم وجود قوانين تجرّم التمييز العنصري، مع العلم أن هنالك ثقافة مطبوعة في المجتمع قائمة على التمييز العنصري على أساس اللون، وهو تمييز يسبب ردة فعل عكسية من ذوي البشرة السوداء خصوصاً أنه نوع من أنواع العنف".
وبعد إشارتها إلى أن غالبية اليمنيين يعتقدون أن ذوي البشرة السوداء يكونون دائماً من الخدام والعبيد، أضافت أن "في المجتمع اليمني تقسيماً طبقياً أكثر من أي مجتمع عربي آخر. وفي المجتمعات المتقدمة، التقسيم الطبقي قائم على أساس الوضع الاقتصادي فالفرد يستطيع أن يتنقل بين هذه الطبقات من الطبقة الدنيا إلى المتوسطة إلى العليا، أما في المجتمع اليمني، فالتقسيم هو بحسب العرق أو اللون، وهذا يشكل قيوداً على طبقة السود ويحكم عليهم بالبقاء في أدنى الهرم الاجتماعي".
وأوضح أستاذ التاريخ في جامعة صنعاء الدكتور علي سيف أنه "عند دخول الأحباش للمرة الأولى إلى اليمن، بدأوا يستوطنوها وكانوا حكاماً عليها وكان ذلك عام 250 ميلادي. وبعد أن قامت الدولة الحميرية ودولة ذي ريدان تلاشى حكم الأحباش، وهذا ما أجبر بعض الذين استوطنوا اليمن على امتهان الحرف الوضيعة، ومنها خدمة القبائل، فأدى ذلك إلى ولادة نظرة الناس الدونية إليهم".
وتابع:"بعد أن عاد الأحباش إلى اليمن للمرة الثانية، سنة 525 ميلادية، كان هؤلاء الناس قد اكتسبوا هذه الصفة وأصبحوا خدماً للأحباش الجدد واستمروا كذلك في بداية العصر الإسلامي. وفي ما بعد بدأت القبائل اليمنية تمعن في النظرة الدونية إليهم على اعتبار أنهم لا ينتمون إلى أيّ قبيلة من القبائل اليمنية المعروفة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...