يشهد التاريخ أن المغرب كان أول بلد عربي وإسلامي وإفريقي يكسر القاعدة العالمية في التقدم بطلب تنظيم مونديال كرة القدم، الذي ظل حكراً على القارتين الأوروبية والأمريكية، مع الاستثناء لآسيا، بعد التنظيم المزدوج عام 2002 بين كوريا الجنوبية واليابان.
فكان المغرب سباقاً في دخول غمار التنافس للترشّح لاحتضان هذا العرس العالمي، إذ تقدّم بأربعة عروض لتنظيم المونديال لدورات 1994 و1998 و2006 و2010، لكنه خسرها جميعاً.
ضربة البداية: الفوز على البرازيل والخسارة أمام أمريكا
لعلّ أبرز إنجاز حققّه المنتخب المغربي لكرة القدم في مونديال المكسيك عام 1986، المرور إلى الدور الثاني من النهائيات. حينذاك، اعتبر أول بلد إفريقي وعربي وإسلامي يتأهّل إلى هذا الدور، إنجاز شكّل الدافع الأساسيّ في انخراط الدولة المغربية في السباق نحو احتضان كأس العالم لكرة القدم، على الرغم من عدم توفّر البنيات التحتية الرياضية المهمة حينذاك، باسثتناء ملعبي الرباط والدارالبيضاء.
دخل المغرب حلبة السباق لتنظيم مونديال 1994، وكان التنافس ثلاثياً إلى جانب البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، وخسر الملف بعد أن حصلت الولايات المتحدة على شرف التنظيم، بنيلها 10 أصوات مقابل 7 للمغرب، و3 للبرازيل.
مواصلة التحدي: الصراع المغربي الفرنسي
بعد الترشح الأول بأربع سنوات، تقدم المغرب بملف تنظيم دورة 1998، لكنّه خسر السباق أمام فرنسا التي فازت بفارق صوت واحد. لكنه ضرب بقوة في نهائيات الحدث العالمي، وكان قريباً من تكرار سيناريو 1986 للتأهل إلى الدور الثاني. وبلغة التحدي، عاود المغاربة من جديد الترشح لمونديال 2006. وكان الإخفاق سيد الموقف مجدداً، إذ خرج من الدور الأول تاركاً التنافس ثنائياً بين جنوب إفريقيا وألمانيا قبل أن تفوز الأخيرة بفارق صوت واحد.
الترشح الرابع: ضياع حلم قارة ومشروع أمة
"حلم قارة ومشروع أمة"، كان شعار الحملة الترويجية لملف المغرب لاحتضان مونديال 2010. فاعتبر المغرب أنّه في حال تنظيم هذا العرس الكروي، سيكون قد حقّق حلم القارة الإفريقية، ومشروع الأمتين العربية والإسلامية. غير أن الرهان المغربي أخفق مرة أخرى، وكان طعمه هذه المرة مختلفاً عن المحاولات السابقة.
مقالات أخرى
رياضيون مغاربة ضحايا الموت الغامض والإهمال والسجن
رياضات مثيرة يمكن ممارستها في العالم العربي
بحسب سعد الكتاني، مدير الحملة المغربية، "كان ملف الترشح لمونديال 2010 متميزاً". وأشار في تصريحات إعلامية، إلى أن "الترشح الرابع كان يتضمن بنيات تحتية رياضية جاهزة، عكس الملفات السابقة، التي كانت تحوي مجسمات للملاعب فقط". وقد راهن المغرب كثيراً على الفوز بحق التنظيم، مستغلاً قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، الرامي إلى اعتماد التناوب بين القارات في إقامة الحدث العالمي.
وبالرغم من المنافسة الشرسة لجنوب إفريقيا، عوّل المغرب كثيراً على الصحوة التي عرفتها منشآته الرياضية والفندقية والصحية. إلا أن التصويت جاء لمصلحة جنوب إفريقيا بفارق 3 أصوات في الجولة الثانية. وكشفت الصحافة الدولية أخيراً أن المغرب كان ضحية مؤامرة، غيّرت مجرى الأحداث بحرمانه من 3 أصوات كانت ستمنحه أفضلية تنظيم مونديال 2010.
مونديال 2026 وحلم الشعب المغربي
رأى نجيب السالمي، عميد الصحافيين الرياضيين، أن "المغرب إذا خسر شرف تنظيم المونديال، فإنه ربح البنيات التحتية الرياضية ذات المواصفات العالمية". وقال لـرصيف22 إن "المغرب كان يقدّم خلال الترشيحات الثلاثة الأولى المجسمات فقط، ولا يتوفر إلا على ملعبين: مولاي عبد الله في الرباط، ومحمد الخامس في الدار البيضاء". وأشار إلى أن "الأخير كان مستبعداً لعدم توفره على مواصفات الفيفا الدولية". وتابع: "كان الترشيح الرابع قوياً لاحتوائه على ملاعب جديدة أنجزت بهدف احتضان منافسات عالمية، مثل ملاعب مراكش وفاس وأكادير".
مكّنت هذه البنيات التحتية، التي وازتها منشآت أخرى في مجالات الفندقة والصحة والطرق والمواصلات، المغرب من احتضان نسختين من كأس العالم للأندية عامي 2013 و2014. ونال إعجاب الفيفا التي بعثت برسالة شكر وتنويه للمغرب على حسن الإدارة والتنظيم.
وشجّع احتضان المغرب لهذه الفعاليات الرياضية المسؤولين المغاربة، على التفكير في الترشح مرة خامسة لنيل شرف تنظيم مونديال 2026.
فقال امحند العنصر، وزير الشباب والرياضة المغربي، في إحدى الجلسات البرلمانية، إنّ "المغرب يملك الإمكانيات المطلوبة للترشح لاستضافة نهائيات كأس العالم 2026". لافتاً إلى أن "المغرب باتت له تجربة في التنظيم، بالإضافة إلى توفره على ملاعب وبنيات تحتيتة بمواصفات عالمية". وقال الوزير: "الترشيحات السابقة للمغرب تمّت بعيداً عن كل الشبهات وفضائح الفساد التي أثيرت أخيراً".
وفق مصادر خاصة لرصيف 22، شرع المغرب في إعداد ملفه الرسمي لتقديم ترشيحه لاستضافة نسخة 2026، لا سيما أنّه استوفى كل الشروط التي تفرضها "الفيفا" لقبول ترشيحات الدول المعنية، منها تنظيم مونديال الأندية في نسختيه السابقتين.
وبحسب المصدر نفسه، ستعوّل المملكة على نظام المداورة الذي أقرّته الفيفا، للفوز بالتنظيم. فقد احتضنت البرازيل من القارة الأمريكية، نسخة 2014، وروسيا ممثلة أوروبا، ستنظم دورة 2018، في حين ستذهب نسخة 2022 لقطر، ممثلة للقارة الآسيوية، على أن تعود الكأس العالمية للقارة الافريقية عام 2026 بعد أن كانت دولة جنوب إفريقيا أول من احتضنها عام 2010.
ويراهن المغرب اليوم على التجهيزات الرياضية المتوفرة في عدد من المدن مثل الرباط، ومراكش، وأكادير، وطنجة، وفاس، والدار البيضاء. كما أن الاتحاد المغربي لكرة القدم ينخرط في تقوية الملف من خلال الخطة الجديدة التي طرحها، والرامية إلى إعادة تأهيل المنشآت الكروية والرياضية باعتماد سياسة دعم الأندية الصغيرة، وإنشاء 95 ملعباً. وستُخصص هذه الملاعب لمنافسات الدوريات المحلية وللتدريبات، وتراوح سعتها الجماهيرية بين 10 و15 ألف متفرج.
بعد مرور 27 سنة على أول ترشح للمغرب لاحتضان الحدث الرياضي العالمي، لم يعد الملف المغربي المقبل لاستضافة كأس 2026 حلم قارة ومشروع أمة فقط، بل سيصبح حلم ومشروع الشعب المغربي، وهو الحلم الذي طال انتظاره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...