التأثير الكبير الذي تلعبه الرياضة اليوم وقدرتها على استقطاب كل شرائح المجتمع، دفعا بالحكّام إلى استعمالها كورقة لتدعيم حكمهم. اهتمّت السلطة الحاكمة في المغرب كسائر دول العالم بالمجال الرياضي، وبرز هذا الاهتمام مع حصول المملكة على استقلالها عام 1956. كانت البداية مع الراحل محمد الخامس وتطوّر الأمر مع الملك الراحل الحسن الثاني، ثم الملك محمد السادس. توزّع اهتمام أعلى سلطة في المغرب، ألا وهي الملك، بالرياضة بين الممارسة والمتابعة والتأطير، وكان لقب "الرياضي الأول"، الذي كان يطلق على الراحل الحسن الثاني وحالياً على الملك محمد السادس، يحمل مدلولاً عميقاً على مكانة الرياضة لدى المؤسسة الملكية.
الملك محمد الخامس
سجّل الراحل محمد الخامس اهتماماً بالرياضة، وهو يستقبل أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم قبل توجّهه إلى العاصمة اللبنانية بيروت للمشاركة في أول بطولة عربية عام 1959. تفيد بعض المعلومات أن الملك الراحل محمد الخامس كان ممارساً لرياضتي السباحة وكرة المضرب، وتزامن ذلك مع أساليب الحياة الجديدة التي أدخلها الاستعمار الفرنسي إلى المغرب منذ 1912. كانالقصر الملكي في الدار البيضاء يضمّ ملعباً لكرة المضرب خاصاً بمحمد الخامس، وهو الملعب الذي شهد زيارة تاريخية للمندوب العام الفرنسي للتعليم والرياضة جون بوروترا Jean Borotra يوم 18 أبريل 1941 بحضور المقيم العام الفرنسي شارل نوغيس Charles Noguès.
معظم الجامعات الرياضية التي تأسست بعد الاستقلال حملت اسم "الملكية" في إشارة إلى تبعية الرياضة المغربية لتوجّهات القصر. كما أسس الملك لتقليد جديد تمثّل في ترؤس المباريات النهائية لكأس العرش. مع ذلك، لوحظ من خلال الخطب التي وجهها محمد الخامس والتي بلغ عددها 487 خطبة، أنه لم يتطرق للرياضة إلا بشكل عارض في ثلاث مناسبات. ولكن هذا يجد تفسيره في ظرفية الاستعمار الفرنسي الذي هيمن على مجريات الحياة في المغرب بما فيها القطاع الرياضي.
الملك الحسن الثاني
كان الحسن الثاني الذي حكم المغرب 38 عاماً مولعاً بالرياضة، فكان يهوى ركوب الخيل والغولف وكرة القدم. كما كان حريصاً على متابعة الأحداث الرياضية المهمة. ففي عهده، احتضن المغرب الألعاب المتوسطية عام 1983 والألعاب العربية عام 1985 وكأس إفريقيا للأمم عام 1988. وفي عهده، حققت الرياضة المغربية إنجازات على الرغم من بعض الإخفاقات، وكانت أبرزها إحراز المنتخب المغربي لكأس إفريقيا للأمم سنة 1976، وبلوغ "أسود الأطلس" الدور الثاني لمونديال مكسيكو عام 1986 كأول بلد عربي وإسلامي وإفريقي يتجاوز هذا الدور. لكن يبقى الإنجاز الأبرز الذي منحه الراحل اهتماماً أكبر هو تتويج العدّاءيْن سعيد عويطة ونوال المتوكل بالذهب في أولمبياد لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1984. وفي عهد الحسن الثاني، ترشّح المغرب مرتين لاحتضان مونديال كرة القدم لدورتي 94 و98.
عدا الممارسة والمتابعة، كان الملك مهتماً بموضوع الرياضة كقاطرة لتحقيق التنمية المحلية، وقد ترجم ذلك في مناسبات عدة وفي بعض خطبه. ففي 1965 فاجأ الحسن الثاني المشاركين في المناظرة الوطنية الأولى حول الرياضة التي نظمت في مارس بمدينة مراكش، إذ لم يكن حضوره وإلقاؤه خطبة بالمناسبة ضمن البرنامج. وعلى الرغم من أنه وجّه الخطبة في ندوة تناقش موضوع الرياضة على الصعيد الوطني، ركّز جزءٌ من الخطبة على ضرورة اهتمام الأقاليم والبلديات بموضوع الرياضة من خلال تجهيز الملاعب والبنيات التحتية الرياضية.
بعد مضي ثماني سنوات على مناظرة مراكش، دعا الملك الحسن الثاني في خطبة ملكية وجهها في مناسبة لقاء مع عمال الأقاليم يوم 31 يناير الأقاليم إلى توفير الإمكانات الضرورية لبناء الملاعب وتأسيس الأندية الرياضية والثقافية والمدارس.
الملك محمد السادس
في عهد الملك محمد السادس، لم تحظَ الرياضة بالاهتمام والمتابعة فحسب، بل تجاوزتهما إلى البعث برسائل شكّلت خارطة الطريق لتأهيل الشأن الرياضي على مختلف المستويات، أبرزها الشق القانوني. تمّت دسترة الحق في الرياضة للمرة الأولى في تاريخ المملكة. تناول الدستور المغربي لعام 2011 موضوع الرياضة والشباب في ثلاثة فصول، هي 26 و31 و33 معتبراً إياه حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان.
لقد عُرف عن الملك محمد السادس منذ أن كان ولياً للعهد، اهتمامه بممارسة الرياضة لا سيما رياضة الجيت سكي والفنون الحربية والغطس وركوب الخيل. رياضة الجيت سكي ستنمو بشكل لافت في المغرب، إذ سيتمّ تنظيم بطولة سنوية أطلق عليها اسم كأس محمد السادس للجيت سكي.
وبرغم عشقه للرياضة، لم يحضر الملك محمد السادس نهائيات كأس العرش كما اعتاد أن يفعل عندما كان ولياً للعهد. بل أصبح يكلف شقيقه الأمير مولاي رشيد لتمثيله. لكن هذا الغياب عوض باستقباله أسود الأطلس عندما بلغوا المباراة النهائية لكأس إفريقيا للأمم في تونس عام 2004. كما أولى اهتماماً كبيراً وتابع ملف ترشيح المغرب لاحتضان مونديال 2010 الذي آل لجنوب إفريقيا. شكل ترؤسه لنهائي كأس العالم للأندية أواخر 2013 تأثيراً كبيراً لدى المتتبعين ورفع من أسهم المغرب في الترشح لاحتضان الحدث العالمي الكبير، كأس العالم لكرة القدم لعام 2026.
خلال السنوات التي مرت على حكم الملك محمد السادس، لم يحقق المغرب إنجازات كبيرة في الميدان الرياضي، باستثناء بلوغ المنتخب المغربي المباراة النهائية في دورة تونس 2004 وتأهّله إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا عام 2012.
في ميدان ألعاب القوى، تم إحراز ميداليتين ذهبيتين فاز بهما العداء هشام الكروج، في أولمبياد أثينا 2004. باستثناء هذا الفوز، كان الإخفاق سيد الموقف مما دفع الملك محمد السادس إلى توجيه رسالة رمزية على عدم رضاه للعطاء الرياضي الوطني، خاصة على المستوى الخارجي. وترجم ذلك بإلحاق الرياضة بالوزارة الأولى لحكومة إدريس جطو. لم تحظَ الرياضة بحقيبة وزارية إلا في الحكومة التي ترأسها عباس الفاسي، وعُينت العداءة السابقة نوال المتوكل وزيرة لها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...