السبت الماضي، رحلت المطربة والمناضلة الصحراوية مريم الحسان، عن عمر يناهز 57 عاماً بعد صراع طويل مع مرض عضال "لم يمنعها من الوقوف على منصات عالمية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وفنزويلا والبرتغال وأستراليا وإفريقيا لتكون صوت الصحراء الرافض"، بحسب بيان لوزارة الثقافة في جمهورية الصحراء العربية.
صوت الصحراء والقضية
تُعدّ "قيثارة الصحراء" مريم حسان أهم صوت أوصل القضية الصحراوية إلى شعوب الأرض. بدأت بنت مدينة السمارة تتلمس خطواتها نحو الفن منذ نعومة أظفارها، لتتحول في ما بعد إلى إحدى ركائز الفن المناضل في الصحراء. سخّرت صوتها القوي والشجي للتعبير عن هموم شعبها. غنت للشهداء وللسلام وللقضية.
نشأت مريم في عائلة صحراوية محافظة تهتم بالتراث والشأن الثقافي، ودأبت والدتها عل تلقينها أساسيات الغناء والموسيقى الحسانية، وغرست فيها التراث الحساني بكل تفاصيله.
الصحراء الغربية، جمهورية على الورق!
في حديث لها مع موقع اتحاد الصحافيين والكتاب الصحراويين، قالت: "أتذكر أنني كنت اجتمع وصديقاتي أيام "الفركَان" في البادية، نتجمع حول الطبل أو ما شابهه ونشرع في ترداد الأشوار والأمداح النبوية. واعترف بأن هذا الجو خلق لدي إحساساً شديداً وميلاً لا حدود له تجاه الفن والأغنية بشكل خاص". وأضافت: "مع بدايات الثورة، أي في مستهل السبعينيات (من القرن الماضي)، بدأت اتعاطى فن الأغنية بشكل مختلف عما كنت عليه في السابق، فقد كنت أردد الأشوار التقليدية ولكن بكلمات جديدة تحمل مضامين الثورة ونبذ الاستعمار والتكالب على وطننا".
وتابعت: "كنت أعمل ممرضة كما كنت أشارك في المنافسات والمناسبات، وكان أول ظهور لي على الركح في الذكرى الأولى لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتوالت مشاركاتي وتعززت في الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية إذ تم استدعائي للانضمام إلى فرقة الشهيد الولي مصطفى السيد الوطنية فتألقت حينذاك بأغنية "ياللالي مذا اطرالي"، وهي أغنية جميلة لاقت استحساناً منقطع النظير ويتمحور موضوعها حول تكالب جيراننا واحتلالهم لأرضنا".
وقالت الشاعرة والمناضلة الصحراوية نانة رشيد لرصيف22: "غنّت مريم للثورة الصحراوية منذ بدايتها. حاولت تطوير موسيقاها في ألبومات عدّة نال معظمها جوائز عالمية خاصة في إسبانيا والبرتغال وعُرفت في أوروبا بأنها سفيرة الأغنية الصحراوية. وكان في فرقتها عازفون أوروبيون وصحراويون".
وقالت الراحلة في المقابلة المذكورة: "شاركت في العديد من المهرجانات الدولية لغرض تقديم فنانينا وإيصال فننا وتراثنا للآخرين، وأبرز هذه المهرجانات كان مهرجان الجاز بألمانيا، وملتقى الثقافات العالمية ببرشلونة، ومهرجان جاليات العالم بإسبانيا كذلك، وفي بريطانيا وغيرها. وقد كانت هذه المحطات فرصة لتمثيل القضية الصحراوية بالدرجة الأولى، كما أنها فرصة للاحتكاك بالخبرات العالمية المتمثلة بالفنانين وصناع الفن".
مريم اللاجئة
لم يختلف مصير مريم عن مصير الآلاف من أبناء شعبها الرافضين للهيمنة المغربية على أرضهم (يقدّر عدد الصحراويين بـ585 ألف نسمة، يقطن أكثر من ربعهم في مخيمات اللاجئين في تندوف، في الجزائر). عام 1975، هاجرت مع عائلتها مع قوافل اللاجئين بعد اجتياح القوات المغربية الصحراء الغربية، وانضمّت وهي يافعة إلى المناضلين الصحراويين.
من تندوف، خاضت رحلتها النضالية وظلت قاطنة في المخيمات ولكنها كانت تسافر حول العالم حاملة لواء التعريف بالقضية الصحراوية. وسنة 2002، قررت الرحيل نحو إسبانيا وظلت وفية لقضية شعبها.
من انتفاضة 2005 إلى "كديم ايزيك"
لم تستطع كل محاولات العرش المغربي تدجين الصحراويين المقيمين في المدن الصحراوية الواقعة تحت سيطرة المغرب. ظلوا متمسكين بخيار الاستقلال برغم مرور سنوات طويلة على تلك السيطرة. وقد تجلّى ذلك في انتفاضة 2005 التي اندلعت حين طالب السكان بالاستقلال.
وروت نانة رشيد: "عام 2005 اندلعت انتفاضة الاستقلال في المدن الصحراوية المحتلة، فواكبت الراحلة تلك الملحمة المستمرة حتى آخر يوم في حياتها إذ غنت أغنيتها الشهيرة: سگى معط الله دم لبطال أهل المدن المحتلة وإتم مجد فم للعيون"، ومعط الله إسم شارع يشهد التظاهرات الصحراوية المطالبة بالاستقلال.
وكان صوت مريم حاضراً ومواكباً لانتفاضة "كديم ايزيك" سنة 2010. وقد ساندتها بأغنية عنوانها "لعيون كدات"، أي العيون تشتعل.
المرض والرحيل والخسارة
نضال مريم من أجل الاستقلال رافقه نضال آخر ضد سرطان الثدي. وقالت نانة رشيد: "أصيبت مريم بسرطان الثدي في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وخلال رحلة العلاج الطويلة ظلت ملتزمة بفنها الممثل لشعبها ومعاناته".
وأضافت: "خسارة مريم كبيرة بالنسبة للشعب الصحراوي، فهي مناضلة من طراز رفيع ضربت أعلى مثل عن الصبر والجلد والإيمان بالقضية وعدالتها. قدمت القضية في المحافل الدولية وعرّفت بها شعوباً بعيدة وقصية وأكسبتها دعم العديد من المتضامنين عبر العالم. هي مثال للمرأة الصحراوية الصبورة المثابرة".
وتابعت: "هي أخت لثلاثة شهداء. علمت بوفاة ثالثهم وهي تؤدي واجبها فصبرت وتحملت إلى أن أنهت ما كلفت به. مثال مريم في الصبر والجلد نادر الوجود".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...