في سبتمبر 2011، انطلقت قناة "تلفاز 11" على موقع YouTube بإدارة مجموعة من الشباب، هم علي الكثلمي وابراهيم الخيرالله وعلاء يوسف وفهد البتيري نجم برنامج "لا يكثر". والحقيقة أن برنامج البتيري كان النواة الرئيسية التي جاءت منها قناة "تلفاز 11".
تقدم هذه الشركة الآن 20 مشروعاً بين الكوميديا والتوك شوز وألعاب الفيديو. ويجمع غالبية أفرادها، حب صناعة الأفلام، الذي ربما يلعب دوراً هاماً في اختلافهم عن صانعي الاسكتشات المعتادين على YouTube.
ستتم تلفاز 11 عامها الرابع في سبتمبر المقبل، مجددة مهمتها المعلنة: "الاحتفاء بالمخيلة والطموح والإبداع". كنت قد تحدثت مع البتيري والكلثمي قبل انطلاقهما عام 2011. أخبراني عن محاولات القنوات الفضائية تحويل برنامجهما إلى عمل تلفزيوني، ورفضهما الدعوات لمعرفتهما بالقيود المفترضة.
بعد ذلك بسنوات، صرح علاء يوسف، المدير التنفيذي، في حديث لمراسل أمريكي قائلاً: "إننا نعرف التابوات المعتادة: الجنس، السياسة، الدين". فماذا عنها؟
تيمات تطفو في كل أعمالهم، يتلاعبون بها بخفة، يختلقون سيناريوهات متطرفة، ويجرونها إلى أقصى افتراضاتها، يلقون بالفكرة كقنبلة إلى الضفة الأخرى من الطاولة، أو بالأحرى إلى الوجه الآخر من الشاشة. كثيراً ما تجد المشاهد السعودي في أعمالهم، لأنها بطبيعتها تفاعلية، يواسونه في الكفاح ضد الملل اليومي والثبات الرتيب، ثم يسخرون منه أحياناً أخرى، حينما يمارس بوليسيته ضد فنهم. هذا الصراع الأخير يأخذ أشكالاً عدة في إنتاجهم المرئي، أسميه هنا لقاء السعودي بأناه العليا.
غياب العصا
في "ضحية سمعة" لفريق خمبلة، يدخل سعودي إلى حانة ويطلب شراباً حلواً. يتأكد من النادل: "هل فيه كحول؟". وكأنه بذلك يستبق المشاهد إلى ظنونه الجاهزة.
يدخل سعودي آخر إلى البار فتبدأ لعبة المرايا: تواجه الذات أناها العليا. يصبح الفرد مسجوناً في حدوده، يتمنى لو تنبت حوله فقاعة تطير به بعيداً. يضيع السياق، لا تراه يتفرج على الديكور من حوله مثلما يفعل الواصل الجديد، كما لا نراه من زاوية أخرى غير تلك التي أمامه.
اللقاء بوليسي بطبيعته، يكبر القلق من نتائج محتملة. إلا أن أحدهما لا يسيطر على الآخر، فكلاهما يجلس هشاً على الضفة الأخرى. يبحث كلا الممثلين عن مخارج من المأزق بافتراض سيناريوهات عشوائية.
تتركز الخطيئة بين الـShot والبيرة، رغم أن كليهما لا يحب الشرب. أو ربما لأن الخطيئة لا يمكن ارتكابها حتى في الفيديو. يكتشف الشابان في النهاية أن كليهما وقع في تمثيل السلطة والذات في آن واحد.
مقالات أخرى
كيف يعمل مزاج الجمهور؟ أبلة فاهيتا نموذجاً
أبرز قنوات يوتيوب الساخرة في العالم العربي
نقرأ بعد ذلك التعليقات على الفيديو. في قنوات تلفاز11، كثيراً ما نجد تعليقات المشاهدين تفوح بروايات ميثولوجية عن "المبتعثين في الخارج". كيف أنهم على الأرجح فاسدون من دون وجود عصا تطفو فوق رؤوسهم طوال الوقت. يقول خيرو بعد اقتحامه الحانة: Goddamn Saudis, you can't be left alone with anyone.
قد يرى البعض أن في موضوع المبتعثين المتمثل مراراً في أعمال التلفزيون والـYouTube دفاعاً من الحداثيين عن أنفسهم، إلا أن هذه التيمة باتت في المرئي السعودي وسيطاً للحديث عن أبعاد الرقابة في المجال اليومي.
تحقق الأمنية
يظهر المبتعث كموضوع وسيط في عمل ناجح آخر هو "طز بالكفار" لمشعل الجاسر، الذي يتلاعب فيه بكل الكليشيهات: القمعية والتربوية والرومنطيقية.
دعونا نعود أولاً إلى عمل سابق اسمه "قلب العيد"، الذي يتناول ذكريات ولد عن العيد. يمطر الرجال الولد بنصائحهم وأوامرهم في عرض ذكوري ممل، إلا أنه يصنع هذا الفيلم القصير عنهم، ليعود ويقتلهم، فيهنئ أخيراً بالعيد.
ظن كثيرون أن العمل يتهجم على مناسبة دينية، وأنه يخلو من أي رسالة. تكررت التهم حتى في تعليقات المتابعين على المقاطع اليومية الصغيرة لمشعل الجاسم على Instagram. لذا جاء إليهم بـ"طز بالكفار" مجسداً كل أحلامهم عبر سوبرمان جديد، قاتل المتعة، الذي لا تهزه رومانسية ولا هزل.
ويبدو أن الجاسر ينقب عن العنف في الطفولة بشخصياتها الغرائبية وانتهاكاتها غير المصنفة. فنجد في عمل مبكر اسمه "سوبر درباوي" طقساً من العنف اليومي الخفيف، يمنح أولاداً مضروبين حيزاً أكبر بإظهار وجوههم وتجسيد الاعتداءات عليهم بشكل دراماتيكي مشوق وآسر. وكان هذا الفيديو قد لفت انتباه تلفاز 11 ليطلبوا من الجاسر وقتذاك الانضمام إلى فريقهم.
"طز بالكفار" تكفر بكل شيء: وجوه السلطة المختلفة، والمواطن الصالح بشكليه المحافظ والتنويري. ترتكز قوة الفيديو بانفعالاته الموسيقية، في كونه دعوة مفتوحة لممارسة قوانا التدميرية بلا خجل.
تدوير مستمر
بعد انتشارها، أصبحت "طز بالكفار" ماركة وفعلاً تمثيلياً. في البداية، جاء التجاوب من صور الـSelfie الصامتة والمتحركة ملوحة بإشارة الإصبعين. كانت هذه الاشارة قد انتشرت في أغاني الهيب هوب Hip Hop، خلال السنوات الأخيرة كمزحة عمن يسمون Basic bitches، أي أبناء الضواحي من عشاق الثقافة السائدة. ولتجسيد هذه الإشارة، على المرء أن يتحلى بالوحشية والمزاح، كما يشرح أهل الانترنت.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ بعض الشباب السعوديين بتوظيف الأغنية في ألعاب الفيديو، التي يشترك فيها أطراف عدة ضمن حدث الكتروني مباشر. يتصل أحدهم بصديقه ويصطحبه في سيارة خلال اللعبة، "يفحط" في الشوارع، ثم يقتحم أحد الشواطئ لتنطلق الأغنية على وقع إطلاقه الرصاص على الكفار.
وفي فيديو ثان، استخدمت الأغنية مع لعبة Arma 3، التي تفترض حرباً عسكرية مفتوحة، يدافع فيها الناتو NATO عن أوروبا ضد "الجيوش الشرقية"، التي تقودها إيران مع دول شرق أوسطية وآسيوية.
قد يعني ذلك أن "طز بالكفار" باتت مصنفة لسوبرمان جديد، مع حفظ حق الجميع في إعادة تشكيل هذه الشخصية.
في هذا الاتجاه وجدت فيديو آخر لولد اسمه عبد العزيز الربيعة يستخدم أسئلة مفترضة من المتابعين، ليقدم إجابات ممسرحة لهم. يسأله أحدهم "وش بتسوي لو كنت سوبرمان سعودي؟"، فيرتدي عبد العزيز البشت (العباءة)، ويدخل على وقع الأغنية لضرب شخص غير ظاهر على الشاشة.
يكتب عبدالعزيز في قناته "أنا قيمر (أي Video gamer)، وقصتي كيف بديت في الـYouTube، كنت طفشان في البيت فكنت أفكر ليش ما أفتح قناة في الـYouTube، ففتحت وانشاء الله تنجح".
تبدو أعماله كقهقهات في بيت العائلة، ومناورات لتفادي قبضتها. في إحداها، يصطاد الوالد ابنه متلبساً بـ"التفحيط" في لعبة فيديو، فتبدأ الأغنية مرة أخرى ويقع العقاب الموعود.
وهناك كولاج من 17 دقيقة لصور ومقاطع فيديو مستوحاة من "طز بالكفار"، يطفو الكثير منها في فضاء Instagram أو الـSnap Chat. ومع إدخال أي جديد، يستمر العمل في تجاوز معانيه الحاضرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...