شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "هذيان نواقيس القيامة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 27 مايو 201601:59 م
ليس جديداً أن يستخدم روائي شكل "رواية داخل الرواية"، غير أن الجديد في رواية "هذيان نواقيس القيامة" هو أنك لا تستطيع القول إن الكاتب استخدم هذا الشكل، وفي الوقت نفسه لا يمكنك أن تنفي ذلك. يلعب الكاتب ببراعة بين المنطقتين: يخدعك حين يوحي إليك أن المخطوط الذي وصله هو الرواية، وأن كل الفصول قبله وبعده خارج الرواية، - أو هي فصول تحكي قصة وصول المخطوط الذي لم يكتبه هو إليه. لكن أثناء السرد تتعالق الروايتان وتتداخلان بطريقة ذكية، ثم في وقتٍ متأخر تدرك أن الروايتين ما هما في الحقيقة إلا رواية واحدة لكاتب واحد.
هكذا، يدخلنا محمد جعفر في لعبة المخطوط الذي وصله مع رسالة من شخص مجهول يخبره فيها أنه يعرفه حق المعرفة، لا بل هو على دراية بأدق التفاصيل عنه، تلك التي لا يعرفها أحد في الدنيا. يعرض عليه الشخص المجهول صفقة رابحة ستنقذه من ورطته بعد أن أصبح كاتباً لا يستطيع تقديم شيء جديد لقارئه، إذ يقوم بإرسال مخطوط روايته إلى "جعفر" كي ينشرها باسمه، "أفلا تراني إذن، وأنا أهديه لك حباً وكرماً، أنقذك من ورطتك. ألن يهمّك الأمر حقاً ولن يغريك وقد صرت مفلساً غير قادر على أن تتجاوز نفسك وتقدّم لقارئك شيئاً جديداً ملهماً. أم تراك ستجد أن عملي لا يستحق وستتجاوزه استخفافاً به؟".
يبدأ المخطوط الموسوم بـ "نواقيس القيامة" بثلاثة مقتطفات إخبارية من جريدة "مورستاغا"، نعرف من خلالها الجريمة التي ستشكل محور الرواية، إذ يتم العثور على جثة الشابة "مريم" في شقتها، حيث انتحرت، ويكشف الطبيب الشرعي عن تعرضها لضربة على الدماغ عجلت بوفاتها، وتبدأ التحقيقات لمعرفة القاتل، بدعوة المشتبه فيهم ممن كانوا على صلة بالشابة.
بقدرة مدهشة على توليد الحكايات بعضها من بعض، يبني "جعفر" روايته بحبكة بوليسية، مقسماً إياها إلى عدة فصول (نواقيس) يخصص كل واحد منها لمشتبه به، يسرد فيه مجموع حكايات هذه الشخصية، وعلاقتها بالضحية، بدءاً بالمحقق "رشيد الأزعر" الذي يتولى التحقيق في هذه القضية، مروراً بأبي مريم، وزوجها السابق "فوزي العياشي"، وزوجها الحالي القاضي "منصور بن عياد"، ونهايةً بكاتب المخطوط نفسه "موحد جابر"، وهو الذي كان على علاقة عاطفية بها، وقد استطاع الحصول على بعض المعلومات عن الجريمة. ولكن لم يتمكن كاتب المخطوط من نشر معلوماته في أي جريدة، إذ كان الرد بالرفض يواجهه مرة بعد أخرى، فلا أحد يريد الحقيقة التي تشير إلى أسماء وشخصيات لها ثقلها في المجتمع، لذا يقرر في النهاية كتابة شهادته حول هذه القضية على شكل رواية. "لقد شعرت بأني مريض بهذه القصة كلها، وأنها تلبّستني بشكل مفجع (...) وإن عصف بدماغي فجأة سؤال مربك راح يشغلني بدوره "كيف السبيل إلى الحقيقة في بلد لا يريدها ويظل يخشاها؟" على أنه فجأة برقت في ذهني خاطرة، وتساءلت لماذا لا أكتب شهادتي على شكل رواية!".
يشير الروائي في أكثر من موضع في الرواية إلى التظاهرات الشعبية التي حصلت في بعض المدن الجزائرية عام 2011، بعد أن رفعت الحكومة الضرائب على أسعار المواد الاستهلاكية، وما رافق ذلك من خشية السلطات من أن تتحول هذه التظاهرات إلى ربيع عربي جزائري، وكيف أنها احتاطت لإعاقة ذلك من خلال تجهيز التعزيزات الأمنية، وإحكام السيطرة على المدن.
تركز الرواية على ثيمة الجنس بوصفه محرّكاً للفرد، ودافعاً له، ليقوم بالكثير من الأشياء، قد تصل إلى ارتكاب الجرائم، كالقتل والاغتصاب وممارسة الجنس مع جثة. ولا تكتفي الرواية ببناء مشاهد إيروتيكية فحسب، بل تغوص بعيداً في دواخل أبطالها فتكشف هوسهم بالجنس، وكيف تؤثر الرغبات الدفينة والشهوات المكبوتة في تصرفاتهم.
يقدّم الكاتب في ثنايا الرواية أفكاره الخاصة حول الكتابة وجدواها، وكيف أنها تكون طريقة لفهم الذات وفضحها، كما أنها تؤمّن للكاتب واقعاً مفترضاً بديلاً من الواقع الحقيقي، ومكاناً ينتمي إليه،  والأهم برأيه أن فعل الكتابة هو فعل لا إرادي، لا يستطيع الخلاص منه رغم ما يسببه من ألم، "هل يستمتع كاتب ما وهو يعرّي نفسه ويشرّح همّه ويفضح أناه، ثم ورغم ما يبذله ويقدّمه يكتشف أنه انتهى إلى اللا شيء، مع أنه يبقى مشدوداً إلى ذلك الفعل – فعل الكتابة – بمزيد من الإصرار والعناد وكأنه مشدود إلى قدر لعين لا فكاك منه؟".
تتكرر بعض المقاطع في الرواية مرتين، وفي مكانين مختلفين، وباسمين مختلفين، إذ ترد مرة باسم "محمد جعفر"، سواء في مقدمة الرواية أو في خاتمتها، ومرة باسم "موحد جابر" مؤلف المخطوط، فتكون هذه بمثابة مقاطع مفتاحية يرميها الروائي عن قصد في سرده لتغدو إشارات ترشد القارئ لتفكيك هذه العلاقة الملتبسة بين الفرد كإنسان والفرد نفسه ككاتب، لتنتهي الرواية نهاية ملغزة لا تقل غموضاً عن بدايتها.
محمد جعفر كاتب جزائري من مواليد 1976، له مجموعة قصصية "طقوس امرأة لا تنام"، ومجموعة شعرية "العبور على متن الحلم"، وروايتان: "ميدان السلاح" و "هذيان نواقيس القيامة".
الناشر: منشورات ضفاف/ بيروت – منشورات الاختلاف/ الجزائر
عدد الصفحات: 176
الطبعة الأولى: 2014
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات أو من موقع Arabic Bookshop
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard