يعانون ظروفاً معيشية سيئة تكرسهم كطبقة مسحوقة تعيش على أطراف المدن. بشرتهم سمراء وملامحهم إفريقية. هم الأخدام أو فئة المهمشين، الذين ينبذهم المجتمع والتنظيمات الإرهابية على حد سواء. فاللافت في اليمن أن التنظيمات الإرهابية لا تعمل على استقطاب أبناء طبقة المهمشين، كما أنهم لا يبدون ميلاً للالتحاق بهذه التنظيمات. وتتعدّد الأسباب والمصادفات التي تحمي هؤلاء الفقراء من خطر الإرهاب.
الأربعيني ماهر عوض، ذو البشرة السمراء المحروقة، يعاني ظروفاً معيشية صعبة تعكس واقع طبقته المسحوقة. شكا عوض لرصيف22 من التمييز العنصري، ولكنه أعرب عن رفضه الانضمام إلى الجماعات الإرهابية.
وقال: "همي إسكات جوع أطفالي والعيش بسلام بلا تنظيم القاعدة أو داعش أو غيرهما"، مضيفاً: "مثلما لا يتقبل الناس أن أعمل معهم لأني خادم وينظرون نحوي بعين الاحتقار، فأنا أيضاً لا أقبل أن التحق بأي أحد مهما كانت الإغراءات المالية. سأعمل كعامل نظافة أو في أيّ عمل آخر بعيد عن القلاقل والنزاعات".
يبلغ عدد المهمشين في اليمن وفق إحصاءات غير رسمية ثلاثة ملايين نسمة، وتكاد لا تخلو أي منطقة يمنية منهم، فحتى في المناطق الريفية النائية ينتشرون مئات هنا وعشرات هناك مكوّنين أقليات. ويعمل جزء كبير منهم في البلديات منظفين للشوارع، وهي من المهن الدنيا التي يحتقرها المجتمع اليمني، وبرواتب أعلاها لا يتجاوز المئة والعشرين دولاراً.
وقال المهمَّش الثلاثيني بدر حمود لرصيف22: "لست ملتزماً بفروض العبادة ولكن في الوقت نفسه أعرف حدود الله. قتل النفس حرام والذبح باسم الدين حرام وإذا ما جاءني أي تنظيم إرهابي كالقاعدة أو داعش لن انضم إلى أي منهما، فالنبي محمد صلوات الله عليه قال إن دم المسلم على المسلم حرام، وذلك برغم أنّني عاطل عن العمل والرزاق هو الله".
مقالات أخرى
أبناء طائفة البهرة يقتلعون آلاف أشجار القات في اليمن
وقال الشيخ ماجد الجمل، شيخ المهمشين في حي سعوان في العاصمة اليمنية صنعاء إنه "لم يسبق لأحد من جماعتنا، الذين يطلَق عليهم لقب الأخدام، أن التحق بتنظيم القاعدة أو داعش. ولن يلتحقوا مطلقاً بالرغم من الفقر الشديد الذي نعانيه، والبرغم من أننا أحياناً لا نحصل على الطعام الكافي. وذلك مهما كانت الإغراءات المالية". وتابع: "حين يعترض فرد من أفرادنا أي أمر طارئ أو أي إشكالية، أجتمع أنا والعقلاء في الحي ونتشاور بخصوص المشكلة، ونتفق على الخروج بحل يجنبنا الخوض في أي مشاكل. لا نعترض على حكم الله في هذه الحياة البائسة التي نعيشها".
أما الشيخ مجاهد عزان، شيخ حارة المهمشين في دار سلم في مدينة صنعاء، فلفت إلى أن "التنظيمات الإرهابية لا تعمل على استقطاب الأخدام، بسبب نظرة المجتمع العنصرية نحوهم بشكل عام".
قلة التزام ديني تحميهم من الإرهاب
الخبير الأمني العقيد سعيد اليوسفي قال إن "غالبية قضايا المهمشين التي تصل إلينا هي عبارة عن مشاجرات وعراك بالأيادي، ومعظمها يقع خلال حفلات زفافهم. لكن لم يصلني يوماً بلاغ عن التحاق أي مهمش بالقاعدة أو بأي تنظيم إرهابي آخر، بالرغم من أن تنظيم القاعدة يتغلغل في اليمن منذ سنوات جاذباً إلى صفوفه الكثير من الشباب، وبالرغم من أن الدوافع موجودة لالتحاق المهمشين بهكذا تنظيمات، كالفقر والعنصرية وعدم اهتمام الحكومة بهم، والسكن الرديء".
ولفت الخبير في الجماعات الإسلامية محمد شمسان إلى أن "طريقة تعاطي المهمشين مع الأزمات السياسية أو الدينية، تجعلهم بعيدين عن الصراعات السياسية. علماً أن الجماعات الإرهابية تستخدم العاطفة الدينية بدرجة أساسية، بينما غالبية المهمشين غير متدينين إطلاقاً، وليس لهم حضور في الجماعات الدينية والإسلامية".
أما الدكتور عايش عواس، الخبير المسؤول عن البرامج الدفاعية والدراسات الأمنية في مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية، فرأى أن "تنظيمي القاعدة وداعش، يعيشان في بيئة ملائمة لهما، بمعنى أنهما يتوسعان في بيئة متقبلة لأفكارهما من أجل المحافظة على السرية". وقال إن"غالباً ما تكون عادات وتقاليد المجتمعات التي يخترقها هذان التنظيمان، شبيهة بعاداتهما وتقاليدهما، فيختلطان بها ويتزاوج أفرادهما منها، غير أن المهمشين هم جماعة منغلقة على نفسها واحتكاكها منعدم بالمجتمع، ولا يزورون ولا يتزوجون إلا مع بني جلدهم. حتى العبادات لا يؤدونها إلا وحدهم، لذلك هناك نوع من تعارض بينهم وبين التنظيمات الإرهابية".
وأشار الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية ناصر الربيعي، إلى أن "التمييز المجتمعي في حق الأخدام يُشعرهم بأنهم لن يستطيعوا تقديم أي شيء، ما دام المجتمع يحتقرهم. وإذا انتبه تنظيما القاعدة وداعش إلى هذه النقطة فإنهما في حاجة إلى القيام بتدريب وتأهيل هؤلاء المهمشين نفسياً، وإيهامهم بأنهما سيقدمان لهم المساعدة للحصول على فرص عمل، إلى أن يتمكنا من استدراجهم للانضمام إلى صفوفهما".
ماذا لو سيطرت الجماعات الإرهابية؟
وقال الربيعي: "مع سيطرة الحوثيين على الوضع في شمال اليمن، لا يمكن لتنظيمي القاعدة وداعش أن يفرضا لغة القوة على فئة المهمشين، أو أن يقوما بتجنيدهم بالقوة. ولكن لو سيطرا على الدولة في اليمن، ففي إمكانهما أن يجندا المهمشين في صفوفهما، كما وقع في محافظة أبين جنوب شرق اليمن قبل أربع سنوات، حين فرضت القاعدة سيطرتها وبدأت بالعمل على تجنيد المهمشين. وإذا تكرر في اليمن ما يحصل في بلاد الشام فإن الكثيرين سينضمون إلى داعش، وفي مقدمتهم الأخدام وذلك تحت ضغط السلاح".
من جانب آخر، لفت الخبير محمد شمسان إلى أن "المهمشين غير معتادين تكنولوجيا التواصل الحديثة، وليسوا حاضرين على الإنترنت، وهذا ما جعلهم بعيدين عن استقطاب الإرهابيين لهم. ويمكننا القول إن القاعدة وداعش يتوسعان عبر استقطاب الشريحة المتوسطة الثقافة، من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. أما المهمشون فإن استقطابهم سيحتاج إلى وقت وجهد كبيرين وتفرغ تام لتأهيلهم فكرياً وجسدياً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...