في مقال بمدونته على موقع جريدة "هاآرتس" كتب بني تسيفار، محرر الصفحة الثقافية في الجريدة، عن هدم الكنوز الأثرية في مدينة تدمر السورية على يد داعش. تمنى تسيفار على الاستعمار العودة للحفاظ على هذه الكنوز الأثرية التي لا يليق بسكان المكان حمايتها، وأشاد بجهود رجل الأعمال الإسرائيلي اليميني، شلومو موسايوف، في "التنقيب عن الآثار اليهودية" في فلسطين والبلاد العربية. مقال تسيفار الذي حمل عنوان "خسارة أن القوى العظمى الاستعمارية لم تسرق آثاراً أكثر من البلدان العربية"، أثار حفيظة راحيل بيتارييه، الكاتبة المهتمة بالثقافة في شرق أسيا، والتي ردت عليه في موقع "سيحاه مكوميت". كتبت بيتارييه في مقال بعنوان "بني تسيفار، من هنا البربري؟" لتذكره وتذكرنا بتاريخ أهل المكان في حماية آثارهم، في مقابل تاريخ الغرب وإسرائيل في سرقة هذه الآثار وتدميرها.
في ملحق نهاية الأسبوع بـ"هاآرتس"، كتب بني تسيفار مستوحياً هدم الكنوز الثقافية لتدمر على يد بربريي داعش قائلاً: "أنا أصلي لروح الاستعمار، وخسارة أنه لم يسرق أكثر ولم ينهب أكثر ولم يخلِ أكثر بلدان الشرق الأوسط من كنوزها. من يُعتبرون الورثة الشرعيين لهذه الكنوز لا يليق بهم أن يكونوا أصحابها".
من الصحافة العبرية:
كيف حوّلت إسرائيل اللغة العربية إلى لغة العدو؟
مسرحية فلسطينية تفضح أزمة الرقابة في إسرائيل
عارض تسيفار "المثاليين" الذين أرادوا إعادة تماثيل البارثينون من المتحف البريطاني لليونان، والمسلة من ميدان الكونكورد لمصر (وبين السطور، يبدو أيضاً أنهم أرادوا إرجاع تماثيل الأبراج في القصر الصيفي وكنوز كهوف دونهاونج للصين، والأعمال الذهبية المسروقة للهند ولأفغانستان والمزيد والمزيد). لم أكن لأجتهد في التطرق لما كتبه تسيفار - وهو في الغالب لا معنى له - لو لم يكن هذا رأياً شائعاً. "من حظنا أن التماثيل/ المخطوطات/ الجداريات نُقلت لأوروبا. فقط بفضل هذا نجت من التطرف المدمر في المكان الذي خلقت فيه".
أية قسوة يحتاجها المرء من أجل اتهام ضحايا العنف الدائر بكونهم لم ينجحوا في الدفاع عن كنوزهم، من أجل القول إن شخصاً آخر كان ليفعل هذا أفضل منهم. هذه القسوة، بالطبع، تناقض بشكل بارز الحقائق الأساسية: على سبيل المثال، فجزء كبير من الكنوز المسروقة من طرق الحرير [في آسيا]، وصل برلين ثم فُقد نهائياً في تفجيرات قوات الحلفاء. أشياء مشابهة حدثت في الهجمات الأمريكية على العراق، وفي مقابل هذا، فسواء المثقفون أو الأميّون عرّضوا حياتهم للخطر من أجل الحفاظ على كنوزهم التراثية.
أنا التقيت شخصين على هذه الشاكلة: شوان كي، موسيقِي أخفى كل الأدوات الموسيقية والخطوط الخاصة لموسيقى أبويه القادمين من وادي ليجيانج في عصر الثورة الثقافية، تحت تهديد الحبس أو ما هو أسوأ، وقام أخيراً بإحياء موسيقى الناشي القديمة كمشروع شخصي، قبل أن تحوز اهتماماً حكومياً أو سياحياً، وراهب من شرق التبت حافظ على كتابات ديره من الحرس الأحمر معرضاً حياته للخطر الحقيقي في هذه الفترة المظلمة. أفغانيون مثل أمرودين اسكرزاي، فعلوا شيئاً مشابهاً تحت سلطة طالبان. نحن شبه متأكدين أن هناك سوريين في تدمر أو في حلب يتعاملون بشكل مشابه، حتى من خلال الرعب اليومي الذي يعيشون فيه، ولن نعرف عن أمرهم إلا في المستقبل إن كان لنا ولهم حظ. كم هو سهل تجاهل هؤلاء الذين يحافظون على الكنوز ويعرضون حياتهم للخطر في التزام تجاه التراث والطائفة، وكم هو حقير مدح سارقي الكنوز الذين فعلوا هذا بالأساس تباهياً وبحثاً عن المجد، وتسببوا في تدمير كنوز لا تقل عن تلك التي حافظوا عليها.
ومن المبالغ فيه أن ندعم "مجموعات اليمين" التي تنقب عن الكنوز اليهودية، كما يفعل تسيفار، ونتجاهل أنهم وفق شهادتهم، يحاولون محو وإخفاء التاريخ غير اليهودي. كم هو سهل أن ننسى العرب الشرق أوسطيين الذين حافظوا على كتب العهد القديم اليمنية والسورية (التي سرقتها المؤسسة الصهيونية بعد ذلك)، هؤلاء العرب الذين ما زالوا يحافظون على المعابد اليهودية في المغرب. كم من التبجح والقبح في هذا! عندما نضع معدلات الحفاظ على الثقافة، هذا مقابل ذاك، بين الشرق والغرب، ليس فقط في العقود الأخيرة وإنما على طول التاريخ كله، هل سيكون بديهياً أن الغرب سينتصر في هذه "المسابقة" المزعومة؟
في نقاش دار على صفحتي على فيسبوك في هذا الشأن كتب إيلي نيفو: "معدل الدمار الذي حاق بالنفائس الأركيولوجية التي دمرتها داعش في العامين الأخيرين لا يقارب أبداً تدمير الكاتدرائيات والمتاحف (والمستشفيات، وحدائق الأطفال وما إلى ذلك) في الحضارة الغربية (وأضيف أنا: وأيضاً غير الغربية)، بواسطة الحضارة الغربية، التي وصلت لذروتها في الحربين العالميتين. يبدو أنه من أجل الدفاع عن الحضارة الغربية، بالإضافة للنهب الذي وصل إلى أوروبا، ينبغي تخزينها في سوريا أو في [العاصمة النيبالية] كاتماندو، أو في البراكين. ولكن ليس في أوروبا". وأكثر من هذا، هناك الكثير من النفاق يتجلى في القلق الكبير على الأشياء، كما كتبت نيلي جورين خلال النقاش نفسه: "يبهرني كيف أن قلق (المستنيرين) في الغرب من تدمير تماثيل ترجع لآلاف السنوات، يجاري في الوقت نفسه مبالاتهم حيال مقتل البشر، يكشف من هو (البربري) في الحقيقة. ولكن يفوتهم دوماً هذا". ويفوتهم أيضاً الفهم البديهي بأن التدمير وموجات النهب المختلفة للثقافة هي أيضاً رد على مئات السنوات من الإمبريالية بشكل لا يقل عن التعبير عن التطرف الديني. ولكن الاستعمار في عالم تسيفار، كما دائماً، هو الحل، بينما هو المشكلة في الواقع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...